Author

مرة أخرى: الريال السعودي بديل أمثل للعملة الخليجية الموحدة

|
تشترك دول مجلس التعاون في كثير من الخصائص مثل اللغة والدين والثقافة والتاريخ المشترك والموقع الجغرافي ... إلخ، ويفترض أن تساعد هذه العوامل على التسريع بإنشاء ونجاح العملة الموحدة، غير أن نظرية منطقة العملة المثلى تشير إلى أهمية وجود شروط ينبغي أن تتوافر في الدول المرشحة لكي تكون أعضاء في الاتحاد النقدي، وهي أنها دول: 1. تشترك في دورات اقتصادية متناغمة أو متشابهة بحيث تكون تكلفة التكيف في مواجهة الصدمات أقل عندما تواجه الدول الأعضاء صدمات متماثلة عما سيكون عليه الحال في حالة مواجهة تلك الدول صدمات لا متماثلة، خاصة أن الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي لن يكون لديها استقلالية في إدارة سياساتها الاقتصادية، وبصفة خاصة السياسة النقدية. 2. تتسم بحرية انتقال عناصر الإنتاج، بصفة خاصة العمل ورأس المال، حيث تساعد حرية الانتقال على تسهيل عملية التكيف مع الصدمات الاقتصادية الكلية التي تواجهها دول الاتحاد. على سبيل المثال، تساعد حرية انتقال عنصر العمل على معالجة مشكلة ارتفاع مستويات البطالة في دولة ما من دول الاتحاد، حيث تؤدي حرية انتقال العمال من الدولة التي ترتفع فيها مستويات البطالة إلى الدول الأخرى في الاتحاد إلى التخفيف من حدة مشكلة البطالة على مستوى الاتحاد، كذلك الحال في حالة وجود فائض أو عجز في رأس المال في بعض دول الاتحاد، حيث تعمل حرية انتقال رأس المال على التغلب على مشكلات سوق رأس المال، وهكذا. 3. تتسم بالتنويع الاقتصادي المناسب وليس بتركز هياكلها الإنتاجية، حيث يؤدي تركز هياكل الإنتاج إلى جعل دول الاتحاد أكثر عرضة للصدمات الخارجية، وبشكل عام كلما تنوعت اقتصاديات دول الاتحاد ازدادت قدرتها على امتصاص الصدمات اللا متماثلة. 4. تتسم بمرونة عالية في عملية تحديد الأجور والأسعار، بما يسمح بسهولة التعامل مع الآثار المعاكسة للصدمات المختلفة على أسواق السلع وأسواق العمل، وترتفع درجة تكامل أسواقها بما يرفع من مستويات التجارة البينية ومن ثم تعظيم الاستفادة من الاتحاد النقدي. مع الأسف فإن الجانب الأكبر من هذه المتطلبات غير متوافر حاليا لدول مجلس التعاون كتكتل، الأمر الذي يحد من فرصة إطلاق العملة الموحدة على نحو آمن، ومنذ البداية وأنا أحذر من مشروع العملة الخليجية الموحدة، نظرا لما قد يحمله من مخاطر لمجلس التعاون ربما تهدد، في حال اشتدادها، مسيرة التعاون بين دول المجلس نفسها. لقد خطا مجلس التعاون خطوات عملاقة في العقد الماضي حيث تم إطلاق ثلاثة مشاريع رئيسية للتكامل هي الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، وأخيرا الموافقة على الاتحاد النقدي وذلك في أقل من سبع سنوات، وهو ما يمثل اختصارا هائلا للمدى الزمني اللازم لإطلاق مثل هذه المشاريع الضخمة، على نحو قد يوحي للمراقب بأن المجلس يطلق مشاريع التكامل واحدا تلو الآخر في صورة أقرب إلى سد الخانات منها إلى إرساء قواعد متينة لمشاريع تكامل تتسم بالقوة والواقعية والاستدامة. على سبيل المثال، أين السوق الخليجية المشتركة التي تم إطلاقها منذ ثلاث سنوات؟ ما أثرها في دول المجلس؟ كيف استفادت منها الدول الأعضاء؟ بل هل يشعر بها المواطن في دول المجلس؟ ماذا استفاد منها المستهلك الخليجي؟ وماذا استفاد منها التاجر الخليجي؟ وماذا قدمت للتجارة البينية بين الدول الأعضاء؟ وهل أدت إلى اتساع نطاق الشركات الخليجية عبر دول المجلس ومن ثم اتساع حجم المبادلات عبر الخليج من خلالها؟ إذا كانت الإجابة هي لا ندري، فكيف يمكن أن نمضي قدما في مشروع في غاية الخطورة مثل العملة الخليجية الموحدة، والذي يمس بشكل مباشر دخول ومدخرات وثروات والقوى الشرائية للمواطنين في دول المجلس دون أن نتأكد أولا من متانة مؤسسات التكامل بالشكل الذي يضمن الحفاظ على استقرار هذه العملة. أنا لست ضد إطلاق عملة خليجية موحدة، على العكس لقد عددت مزاياها في مقالين هنا في «الاقتصادية»، ولكني مع الإطلاق الآمن للعملة الموحدة والتي تتطلب بشكل رئيس تجانس السياسات وتناغمها في دول المجلس كافة لكي نضمن استقرار الأوضاع التي تؤثر في مسار تلك العملة، وهو ما أراه حاليا بعيدا عن الواقع المطلوب. لقد أثارت الأزمة الأخيرة التي تعرض لها اليورو لدي مرة أخرى المخاوف حول المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها العملة الخليجية الموحدة، وما زلت عند رأيي بأن الأوضاع الحالية في دول المجلس غير مهيأة لإصدار عملة خليجية موحدة، حيث لم يصل مستوى التكامل بين هذه الدول إلى الحد الذي يمكنها من أن تطلق عملة موحدة تسير بصورة آمنة، كما أن اقتصادات دول المجلس لا تتمتع بالديناميكية الكافية التي تمكنها من التعامل بنجاح مع أي مخاطر يمكن أن تتعرض لها العملة الموحدة، وأن المخاطر الكامنة التي تنتظر هذه العملة أكبر بكثير مما يتوقع المؤيدون لإطلاقها. شخصيا، لا أرى أي مبرر حاليا لإلغاء عملات الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي واستبدالها بعملة أخرى حيث لا يرجى أن يترتب على ذلك فوائد ملموسة في ظل تضاؤل حجم التجارة البينية وحركة انتقال رؤوس الأموال والأشخاص بين دول المجلس. ومن وجهة نظري، إذا كانت دول المجلس تبحث بالفعل عن عملة موحدة فإن تبني الريال السعودي ربما يكون هو البديل الأمثل للعملة الموحدة، ذلك أن استعمال الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس يعد أفضل من إنشاء عملة جديدة، وذلك للأسباب الآتية: 1. أن السعودية هي الدولة صاحبة النفوذ الأقوى داخل المجلس، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية، وهو نفوذ يفوق تأثير ألمانيا في الاتحاد الأوروبي. 2. أن الاقتصاد السعودي هو أقوى اقتصادات المنطقة حيث يتم فيه إنتاج أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي لدول مجلس التعاون في المتوسط، وهو ما يضفي قوة استقرار أكبر للريال، بدلا من إنشاء عملة جديدة يحيط بها كثير من عوامل عدم التأكد، وتتأثر بما يدور في اقتصاديات كل دولة من دول الاتحاد النقدي كل على حدة. 3. أن الريال السعودي يسانده رصيد كبير من الاحتياطيات الدولية، خصوصا هذه الأيام، والتي تمكن المملكة من التدخل في الوقت المناسب لحماية الريال ضد مخاطر تقلب معدلات صرفه أمام العملات الرئيسية في العالم. 4. أن الريال السعودي يتمتع بشكل عام بدرجة عالية من الاستقرار في أسواق الصرف الأجنبي، وهو ما يجنب دول المجلس مخاطر عدم الاستقرار الذي يمكن أن تتعرض له العملة الخليجية الموحدة في أسواق النقد الأجنبي بها. 5. أن العملة الخليجية الموحدة المزمع إصدارها يحيط بها كثير من عوامل عدم التأكد، ومن ثم يمكن أن تمثل مصدرا كامنا لعدم الاستقرار النقدي في دول المجلس، خصوصا أن دول المجلس سوف تقوم باستبدال عملات قوية ومستقرة بعملة جديدة يحيط بها عديد من المخاطر الكامنة. 6. أن تبني الريال السعودي سيلغي الحاجة إلى إنشاء بنك مركزي خليجي، ومن ثم إزالة أسباب الخلاف حول الموقع والتي أدت إلى انسحاب الإمارات من مشروع الاتحاد النقدي، كما أنه لا يزال يمثل مصدرا كامنا للخلاف المستقبلي حول من سيرأسه، وما حصة كل دولة في موظفيه، وكيف تدار عملياته وغيرها من القضايا الأخرى، في الوقت الذي نجد فيه أن مؤسسة النقد السعودي هي مؤسسة قائمة تدير شؤون السياسة النقدية للمملكة منذ زمن طويل، وتتمتع بخبرة طويلة في إصدار وإدارة الريال السعودي. من وجهة نظري، فإن الأسباب السابقة تدعم مقترح إمكان تبني الريال السعودي كعملة خليجية موحدة بسهولة، هذا إذا كان الهدف الأساسي من تكوين الاتحاد النقدي هو إطلاق عملة موحدة للاستفادة من المزايا التي تقدمها تلك العملة لدول المجلس. أنا أقدر أن عملية الاتفاق على تبني الريال السعودي كعملة موحدة لن تكون مسألة سهلة، بل وتتطلب من دول مجلس التعاون الاتفاق على مجموعة من القضايا ذات الحساسية وأهم تلك القضايا: 1. الاتفاق على آلية لاقتسام إيرادات عملية إصدار الريال السعودي بين السعودية والدول الأخرى الأعضاء المجلس، وهو إجراء تتبعه الدول الأعضاء في أي اتحاد نقدي تتفق على استخدام عملة إحدى الدول كعملة موحدة لها. على سبيل المثال يقتسم البنك المركزي في جنوب إفريقيا إيرادات عمليات الإصدار مع الدول التي تستخدم الراند الجنوب إفريقي، أي مع ليسوتو وسوازيلاند وناميبيا أعضاء المنطقة النقدية المشتركة في إفريقيا. 2. إضافة وظائف أخرى لمؤسسة النقد السعودي منها أن تصبح الملجأ الأخير للدول الأعضاء لتوفير احتياجات الائتمان المطلوبة في أوقات نقص السيولة لدى أجهزتها المصرفية، وأن تتولى رسم سياسة نقدية تتناسب مع الظروف الاقتصادية السائدة في دول المجلس، وليس في السعودية فقط. 3. إعادة هيكلة إدارة المؤسسة بحيث تتكون من لجنة إدارة تضم الدول الأعضاء، وفق نظام محدد للتصويت وآلية متفق عليها لإقرار السياسات النقدية المناسبة قبل تبنيها. 4. إعادة تصميم الريال بحيث لا يحمل أية صور منعا للحساسية التي يمكن أن تتولد عن ذلك داخل الدول الأخرى الأعضاء في المجلس والتي يمكن أن تنشأ عن استخدام الريال بتصميمه الحالي. 5. إعادة صياغة نظام معدل صرف الريال من خلال سلة عملات تتوافق أوزان المبادلات مع شركاء التجارة في دول مجلس التعاون، بدلا من النظام الحالي القائم على الربط مع الدولار، لإحداث قدر أكبر من الاستقرار في القيمة الحقيقية للريال. ومن المؤكد أن المواطن الخليجي المقيم خارج المملكة قد ينظر إلى تبني الريال السعودي على أنه انتقاص من السيادة القومية وتبعيته للسلطات النقدية السعودية، وهو ادعاء في غير محله، ذلك أن تبني العملة الخليجية الموحدة المزمع إنشاؤها يحمل أيضا انتقاصا للسيادة القومية في عملية إصدار العملة الوطنية لمصلحة البنك المركزي الخليجي. ولا ينبغي أن ننسى أن الهدف الأساسي من هذا المقترح هو تدني المخاطر المحتملة للعملة الموحدة على الاقتصادات الوطنية لدول المجلس.
إنشرها