Author

قطاع الكهرباء السعودي.. إلى أين؟

|
شرفت الأسبوع الماضي بحضور الندوة التي نظمها نادي ''الاقتصادية الصحفي''، والتي أمتعنا فيها المهندس علي بن صالح البراك، رئيس الشركة السعودية للكهرباء بحديثه الشامل والوافي، الذي غطى أغلب التساؤلات والقضايا التي حملناها في رؤوسنا لنباغته بها خلال اللقاء. لا يختلف اثنان على أهمية توافر الطاقة الكهربائية بشكل منتظم وكافٍ لتحقيق التنمية المستدامة، أي لتلبية احتياجات مختلف القطاعات والبشر في الحاضر والمستقبل. وهنا أتذكر مقولة شهيرة للدكتور سمولي - الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء والكيمياء - إن أهم عشر مشكلات تواجه العالم هي ''الطاقة، المياه، الغذاء، البيئة، الفقر، الإرهاب والحروب، الأمراض، التعليم ، الديمقراطية، السكان''. فإذا توافر ما يكفي من الطاقة، أصبح بالإمكان إنتاج المياه النظيفة، وإذا توافر الماء النظيف، يصبح إنتاج الغذاء أسهل بكثير، وستُحَل مشكلات الفقر والبيئة، لأن توافر الطاقة يرفع مستويات المعيشة، وهذه بدورها تمكننا من إدارة البيئة بطريقة أفضل. إذاً كلمة السر في كل هذا هي الطاقة وتحديداً الطاقة الكهربائية Electric Energy. نسمع من حين إلى آخر عن أرقام ضخمة (بعشرات المليارات من الريالات) ستوجه لإنشاء محطات كهربائية جديدة أو لتوسعة محطات قائمة. نسمع حيناً عن توجه لاستخدام مصادر جديدة ومتجددة لتوليد الكهرباء، ونسمع حيناً آخر، ومن مسؤولين حكوميين عن سلبيات وعدم جدوى تلك المصادر وأن النفط والغاز سيبقى المصدر شبه الوحيد حتى حين. نتابع تطورات الاستهلاك سواء السكني أو الصناعي أو الخدمي، وكيف أنه من أعلى معدلات الاستهلاك عالمياً، ثم نطلع على دراسات بشأن توقعات نمو السكان وتضاعفهم بحلول عام 2050م، أو الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي تستهدف مضاعفة حصة الصناعة من الناتج المحلي، وأغلب الصناعات في المملكة تعد صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ومعنى مضاعفة حصة الصناعة من الناتج المحلي، تضاعف عدد المصانع، ومن ثم تضاعف حاجة القطاع إلى الكهرباء. لو توقفنا عند التحديات، فلن يكفينا مقال، بل يتطلب الأمر كتابا بل كتبا، ولكننا جميعاً ندرك حالة الحراك التي تشهدها المملكة، وطموحاتها التنموية الكبيرة على الأصعدة كافة، ولكن تحقيق تلك الطموحات يتطلب في المقام الأول توافر مصدر مستقر للطاقة الكهربائية. فالقطاع بوضعه الراهن، ورغم ما يبذل من جهد كبير، يواجه صعوبات جمة، خاصة خلال فترات ومواسم الضغط الشديد، فما بالنا بالوضع عندما يصل عدد سكان المملكة إلى 50 مليون نسمة (وهذا الأمر ليس بعيدا جداً بمقاييس الزمن) أو عندما تنهض المدن الصناعية المخطط بناؤها في مختلف المناطق أو المشاريع التجارية الكبرى... إلخ؟ لا شك أن الوضع يستحق وقفة جادة، وبالأحرى استراتيجية بعيدة المدى حتى 2050م لقطاع توليد الكهرباء، حيث تركز تلك الاستراتيجية على ما يلي: أولاً: دراسة الوضع الراهن لقطاع توليد الكهرباء (أحجام الإنتاج والاستهلاك وتطور معدلاتها… إلخ) وفرص ومعوقات توسعه. ثانياً: تحليل استشرافي للطلب المستقبلي على الكهرباء بعد مراعاة جوانب مهمة وفي مقدمتها، معدلات النمو السكاني المحتملة، ومعدلات نمو قطاع الصناعة وأعداد المصانع. ثالثاً: تحليل انعكاسات التوسع في الاعتماد على المصادر الأحفورية (النفط والغاز) في توليد الكهرباء على الاقتصاد الوطني، وتحديداً صادرات المملكة والناتج المحلي والموازنة العامة... إلخ (أي تحليل تكلفة الفرصة البديلة). رابعاً: تحليل فرص ومحددات ومعوقات الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة كالمصدر الشمسي (وهو الأكثر ترجيحاً) والنووي والرياح وغيرها، بحيث ترصد الميزانيات المناسبة، التي تضمن تغذية القطاع من تلك المصادر، وفي الوقت نفسه رفع القيمة المضافة من المصادر الأحفورية. خامساً: لا بد أن تنطلق استراتيجية تطوير القطاع من مبدأ مهم وهو تحقيق أمن الطاقة Energy Security، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تنويع مصادر توليد الطاقة الكهربائية كما ذكرنا، بأن تتشكل مفردات منظومة الكهرباء السعودية من أكثر من مصدر وخاصة المصادر المتجددة لضمان استدامة عملية التنمية. أما على صعيد آليات رفع كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة الكهربائية في المملكة، فيلزم اتخاذ الخطوات التالية: 1. تكثيف حملات توعية المستهلك بانعكاسات الاستهلاك المفرط للكهرباء عليه وعلى الاقتصاد الوطني وعلى الأجيال المقبلة. لا بد من الاستفادة من التجارب المقارنة في هذا الخصوص، وكان أحد السادة الحاضرين في الندوة قد أشار إلى تجربة الإمارات المتميزة في هذا الخصوص. 2. على كل جهاز أو جهة وطنية القيام بدورها المنشود لرفع كفاءة الاستهلاك. فعلى سبيل المثال، على وزارة التجارة والصناعة ضمان تقيد المستثمر أو المصنع بتبني تقنيات توافر استهلاك الطاقة، وهذا لن يتحقق إلا إذا كانت هناك معرفة بتقنيات الإنتاج القائمة وبالتالي توجيه المستثمر نحو الخيار التقني الأكثر كفاءة. 3. نعلم جميعاً أن حصة المكيفات من إجمالي استهلاك الطاقة في المملكة مرتفعة للغاية، والسبب في الأساس يكمن في الاعتماد على استيراد مكيفات غالباً من الصين منخفضة السعر ولكنها أكثر إهداراً للطاقة، وما يترتب على ذلك من مضاعفة فاتورة المستهلك وزيادة الطاقة المستهلكة وما يترتب على ذلك من مشكلات لقطاع الكهرباء، ولهذا ينبغي على وزارة الكهرباء والتجارة ومصلحة الجمارك العمل كفريق لمنع استيراد المكيفات وغيرها من الأجهزة الأكثر إهداراً للطاقة، ولنا أن نتخيل ما يترتب على ذلك من وفورات للقطاع وللاقتصاد الوطني في مجموعه. 4. على مؤسسات التعليم المختلفة التركيز خلال المرحلة المقبلة على تطوير أقسام لمصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، حيث تغذي الاقتصاد الوطني وقطاع الكهرباء في المستقبل بالكفاءات الوطنية للعمل في مشاريع أو محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة الشمسية أو النووية... إلخ. خلاصة القول، إن قطاع الكهرباء ينوء بحمل ثقيل، وسيزداد هذا الحمل خلال السنوات المقبلة للأسباب سالفة الذكر، وبالتالي لا يمكن التعامل مع تلك التحديات أو تلبية طموحات المملكة التنموية من خلال قرارات متقطعة أو توسعات آنية، لا بد أن ينطلق الجهد من استراتيجية وطنية بعيدة المدى للكهرباء في المملكة، تعكف على إنجازها وزارة الكهرباء كمدير للاستراتيجية وبالتعاون مع وزارات الاقتصاد والتخطيط والتجارة والصناعة والتعليم العالي. ينبغي البدء من الآن في صياغة تلك الاستراتيجية، حيث تخرج إلى النور في غضون خمس سنوات، بهذه الطريقة سيكون انطلاقنا نحو المستقبل محاط باليقين شبه التام، وإذا حققنا اليقين بشأن أمن الطاقة، ضمنا ـ إن شاء الله ـ إنجاز أهدافنا التنموية وفق الأطر الزمنية مستويات الإنجاز المستهدفة، والله ولي التوفيق.
إنشرها