Author

هل يوجد لدينا تأمين تعاوني شرعي وآخر نظامي؟ (2 من 3)

|
ذكرتُ في هذه الزاوية الأسبوع الماضي أنه لا يُوجد تعارض بين نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني ولائحته التنفيذية فيما يخص أسلوب عمل شركات التأمين التعاوني. وقد وعدت القارئ الكريم بأن أتطرق إلى مسألة أخرى وهي مدى توافق هذه الاشتراطات النظامية مع ما يراه جانب من المتخصصين في الشريعة بخصوص التأمين التعاوني. الإشكالية في حقيقة الأمر هي في عدم (واقعية) ضوابط التأمين التعاوني، فهناك من يرى أن التأمين التعاوني هو من قبيل التبرع لأنه يتكون من تبرعات من (المحسنين) ويقصد به مساعدة المحتاج والمنكوب ولا يعود منه شيء (للمشتركين) - لا رؤوس أموال ولا أرباح ولا أي عائد استثماري - لأن قصد المشترك ثواب الله سبحانه ولم يقصد عائداً دنيوياً. وإذا أخذنا المرجعية التي يتم الاستناد إليها في معرفة ضوابط التأمين التعاوني في المملكة وهي قرار هيئة كبار العلماء الصادر عام 1397 هـ نجد أن هذا القرار يصف التأمين التعاوني بأنه من عقود التبرع التي يُقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تُخصص لتعويض من يصيبه الضرر، فجماعة التأمين التعاوني يقصدون (توزيع الأخطار) بينهم والتعاون على تحمل الضرر.‏ وإذا أخذنا فكرة التبرع كأساس للتأمين التعاوني فإنه لابد من التسليم ـ أولاًـ بأن التبرع يقتضي انتقال ملكية المال المتبرع به إلى الغير ولا تعود للمتبرع أية منفعة مالية شخصية منه وإلا انقلب لعقد معاوضة، بينما نلحظ في الفتوى أن المقصود بالتبرع هو تبرع لصندوق المشتركين، والمشتركون هم نفسهم الذين من قاموا بالتبرع أي أن هذا الصندوق يتكون فقط من جماعة المشتركين ومن أموالهم وأنه لم يتقرر لهم حق لا في وثيقة التأمين ولا في التعويض إلا بسبب أنهم تبرعوا للصندوق، أي أنهم في النهاية قاموا بالتبرع لأنفسهم ولتحقيق مصلحة مالية لأنفسهم وليس لغيرهم. وأن من له الحق في تملك المال في النهاية أو مرة أخرى هو ذلك أو أولئك الذين يحصل لهم ضرر من (المشتركين) في الصندوق وأن عدم حصول البقية الأخرى من المشتركين على تعويض هو فقط بسبب عدم حصول ضرر لهم. وهذا يتعارض بشكل صارخ مع مفهوم وغاية التبرع أقلها أنه لا يمكن أن نتصور أن شخصاً ما يتبرع ليترتب له فيما بعد حق محتمل يتمثل بحصوله على مبلغ مالي أكبر (التعويض) نتيجة تبرعه وأنه لو لم يتبرع لما حصل على هذا المال ( التعويض) بل إن هذا يدخلنا في دائرة الربا بشكل صريح إذا أخذنا المعادلة بهذا الشكل. وعلى الرغم من أن المقصود من إنشاء هذا الصندوق هو خلق كيان مستقل يسمى صندوق المشتركين ومن ثم يتم التبرع له من قبل هؤلاء المشتركين إلا أن الغرض من هذا التبرع هو حصولهم على (تعويض) كما جاء في الفتوى، فالمشترك لم يدفع مالاً لهذا الصندوق إلا من أجل أن يحصل على (تعويض). وهنا تثور أسئلة مهمة منها مثلاً هل كان تبرع المشترك بهذا المال مشروط بأن يحصل على تعويض في حالة تحقق الضرر؟ أي أنه لم يتبرع إلا بهدف أن يدفع له الصندوق مبلغ مالي (في الغالب أكبر) مما دفعه في حالة حصول الضرر؟! وإذا امتنعت مثلاً شركة التأمين التي تقوم بإدارة هذا الصندوق عن تعويضه بحجة أنه (متبرع) فهل سيتقرر له حق شرعي يمكّنه من شكوى هذه الشركة باعتباره صاحب مصلحة في الحصول على تعويض وهي مصلحة مالية بحتة (أي أنه دائن)؟ وأن مديونيته نشأت بسبب قيامه بالتبرع؟ ثم كيف يتم النظر بعد ذلك إلى فكرة التبرع في التأمين الإلزامي وهل هي موجودة أصلاً؟ هذا ما سيتم طرحه في المقالة المقبلة إن شاء الله.
إنشرها