Author

دراسة القانون في المملكة.. الواقع والتطلعات

|
إن بدايات وواقع تدريس الأنظمة (القانون) في المملكة جديرة بالبحث والمراجعة، لغرض تقييم التجربة وفتح آفاق جديدة أمام الدراسات الحقوقية بما يتلاءم مع احتياجاتنا الحالية وتطلعاتنا المستقبلية. ''دع عنك دراسة هذا التخصص'' هي نصيحة زميلي في الجامعة في أوائل التسعينيات الميلادية, وذلك عندما قدم لي مجموعة من الفتاوى, محاولاً أن يُنزل أحكامها على الدراسة القانونية في المملكة, ليدلل على ''استنباطه'' بتحريم دراسة القانون. تلك المرحلة لم تكن تتناول دراسة القانون من النواحي المهنية والموضوعية، وإنما طغى عليها الطرح الأيديولوجي, وكانت الحجة دائما مغلفة بسوء ظن مفترض, وهو أن القانون جاء ليحل محل الشريعة. ما حمل الجامعات في ذلك الوقت على اللجوء لمصطلح الأنظمة بديلا عن القانون, تفادياً لتلك المواجهات المحتدمة. بين مصطلح القانون والنظم ثم الأنظمة تجاوزنا تلك المرحلة، ليتخرج أجيال من القانونيين, أسهموا ويسهمون مع زملائهم الشرعيين, في مشاريع الأنظمة, ومراجعة الاتفاقيات, وصياغة العقود, والاستشارات, والمرافعة أمام الجهات القضائية, وغيرها من المجالات القانونية, ولا يزال الطلب عليهم في تزايد مستمر. هذه الزمالة المهنية بين الشرعيين والقانونيين لم تسفر عن زمالة أكاديمية, إذ ظلت كليات الشريعة على مناهجها وخططها الدراسية, وظلت برامج الأنظمة ( القانون), في جامعات الملك سعود والملك عبد العزيز والملك فيصل, على خططها وبرامجها، وتركنا المجالات المهنية تختار من هؤلاء ومن هؤلاء ما تشاء وفق حاجاتها وتطلعاتها. بل إن هذا الوضع أثر تأثيرا بالغاً على البناء المؤسسي والتنظيمي للفصل في المنازعات، فتزايدت اللجان ذات الاختصاص القضائي على نحو كاد يجعلها الأصل وليس الاستثناء, وأُسندت لبعض جهات التقاضي اختصاصات ليست من طبيعتها. وكان دبلوم دراسات الأنظمة بمعهد الإدارة العامة محاولة لسد الحاجة من خلال التأهيل القانوني لخريجي كليات الشريعة، حتى أنه ذكر صراحة في نظام القضاء الجديد كما ذكر في نظام المحاماة ولائحة أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام، باعتباره يعادل الحصول على درجة الماجستير وذلك للأغراض الوظيفية. وأصدر مجلس التعليم العالي قبل سنوات قراراً باستحداث برامج ماجستير في الأنظمة في كليات الشريعة، وقد شرعت بعض كليات الشريعة في استحداث هذه البرامج، لتلبي الحاجة المستمرة للمتخصصين في الجوانب الشرعية والقانونية, وتؤهل الشرعيين في الجوانب القانونية. كل ذلك، في نظري، ليس كافياً لإيجاد النموذج المناسب لاحتياجاتنا في المملكة، لأننا ما زلنا نقدم الدراسة الحقوقية بمنهجين مختلفين، أحدهما يقوم على الدراسة الشرعية والآخر على الدراسة القانونية، ثم نحاول لاحقا التقريب بينهما من خلال برامج الدراسات العليا. والتي هي قليلة ولا يلتحق بها كافة الخريجين. ولم نحاول الدمج بين هذه البرامج في مرحلة البكالوريوس، ونتيح للطالب في مرحلة الدراسات العليا التعمق في مجال من المجالات الشرعية أو القانونية، دون الحاجة إلى إعادة تأهيل الشرعيين في المجالات القانونية، وتأهيل القانونيين في المجالات الشرعية. خاصة أن البناء الأكاديمي في مرحلة البكالوريوس له الدور المهم في تزويد الطالب بالمهارات الأساسية في الجانبين الشرعي والنظامي. إن تجربة جامعة الأزهر منذ عام 1966م، جديرة بالتأمل، حيث إن كليات الشريعة والقانون تشمل قسماً للشريعة الإسلامية مدة الدراسة به أربع سنوات، وآخر للشريعة والقانون مدة الدراسة به خمس سنوات. إن إيجاد برامج مشتركة في مرحلة البكالوريوس للشريعة والقانون من خلال تطوير برامج الدراسة القائمة حاليا في كليات الشريعة وكليات أو أقسام الأنظمة، لتمنح درجة البكالوريوس في الشريعة والأنظمة بعد دراسة لمدة خمس سنوات، تحقق أهدافنا في بناء بيئة قضائية وعدلية تنسجم مع التطورات التنظيمية التي تشهدها المملكة، والتي بدأت بصدور أنظمة الإجراءات الجزائية والمرافعات الشرعية والمحاماة، وليكون مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء نقلة نوعية تستدعي وجود كوادر متخصصة ذات تأهيل شرعي وقانوني على حد سواء. ولعل جامعة الملك سعود تتبنى إقامة ملتقى لكليات الشريعة والأنظمة في المملكة، يُدعى له المهتمون كافة، لبناء الجسور بين هذه الكليات، والخروج بتصورات تطويرية لبرامجها, وصياغة شروط القبول بهذه الكليات, مستحضرة أن طلاب هذه الكليات هم قضاة المستقبل، وأمناء العدالة.
إنشرها