Author

تضخم أسعار الأراضي .. أسبابه وكيفية مواجهته!

|
يلاحظ المواطنون أن أسعار الأراضي قد تحركت خلال الأشهر الأخيرة إلى الأعلى بنسبة ملحوظة، رغم أن أسعارها كانت مرتفعة أصلا في المدن الرئيسية عن الحد المعقول، ولو أخذنا مدينة الرياض كمثل وحاولنا معرفة أسباب الارتفاع لوجدنا أنها ليست ناشئة عن ضيق في مساحات الأراضي المحيطة بالمدينة، فمن يقدر له التجول في أطراف المدينة سيلفت نظره المساحات الشاسعة من الأراضي التي تصلح للسكن، بيد أن جزءاً كبيراً من تلك الأراضي يقع ضمن مخططات غير مزودة بالخدمات التي تجعلها جاهزة للبناء، منها مخططات يملكها مستثمرون حصلوا على موافقة اعتماد مخططاتها، في غفلة من جهات التخطيط، عن إدراك لمصير هذه المخططات بعد توريط المواطنين فيها من قبل أصحابها، وأنها ستبقى عقوداً دون أن تبدأ فيها الحركة، وهو ما يشاهد الآن، أما الجزء الآخر من الأراضي فهو مخططات المنح الحكومية للمواطنين التي وزعتها البلديات قبل تزويدها بالخدمات التي تجعلها قابلة للبناء والاستفادة منها، ومنها ما مضت عليه عقود عدة دون استخدام، وهي المخططات التي صدر بشأنها قرار من مجلس الوزراء بتاريخ 10/2/1431هـ، القاضي بوضع آلية مناسبة لتوصيل الخدمات إلى مخططات المنح وفق معايير وأسس لتحديد أولويات تطبق بشكل واضح على جميع المخططات، وإعداد خطة عامة على خمس سنوات تتضمن التكاليف اللازمة، وأخرى سنوية تتضمن المخططات ذات الأولوية التي تقرر توصيل الخدمات إليها خلال العام المالي التالي بحسب الأولوية، وترفع إلى وزارة المالية لتعتمد وفقا للإمكانات المتاحة، وقواعد إعداد الميزانية!.. والواضح أنه ربما تمضي سنوات قبل البدء في تطبيق الخطة المشار إليها، وذلك حتى تقوم اللجنة المشكلة من عدد من الجهات الحكومية بحصر المخططات، وتحديد الأولويات والتكاليف، وإعداد الخطة الخمسية المطلوبة، فضلا عن أن التنفيذ في النهاية مرتبط بالإمكانات المتاحة، التي سوف تتحكم فيها ظروف الميزانية واختلاف المفاهيم حول الأولويات!..، وهو ما يخشى أن يؤدي إلى تأخر إيصال الخدمات إليها عن الموعد المحدد، وبالتالي إلى تناقض أعداد الأراضي الصالحة للبناء في المستقبل القريب، الأمر الذي سوف يسهم في زيادة ارتفاع الأسعار أكثر مما هو حاصل الآن. إن الارتفاع غير المنطقي في أسعار الأراضي السكنية يجعل من المستحيل على المواطن العادي امتلاك أرض لسكنه، ناهيك عن امتلاكه لتكاليف البناء، المرتفعة هي الأخرى، وإذا أضيف إلى ذلك المبالغة في حجم المساكن، والهدر المصاحب للبناء، أمكن تصور الصعوبات التي سوف تحول دون توفير المساكن الملائمة لعامة الناس!..، ما لم تتدخل الحكومة بعدد من المبادرات التي تسهم في حل المشاكل التي تعترض طريق توفير السكن الملائم للمواطن، ومنها: 1- حل مشكلة المخططات التي لا تتوافر فيها الخدمات، والتي سمح لأصحابها بالتصرف فيها قبل تزويدها بالخدمات، وذلك بإلزام أصحابها بتوفير الخدمات الضرورية لها وتحصيل مقابلها من ملاك الأراضي، وفق آلية تشرف عليها وزارة الشؤون البلدية والقروية وفروعها (البلديات)، ومن المنتظر أن يكون مثل هذا الحل محل ترحيب من ملاك الأراضي، الذين ينتظرون الفرج لبناء مساكنهم!.. 2- يتم تخصيص بعض المخططات التي تتصف بالشوارع الفسيحة لإقامة أكثر من دورين بحيث يستوعب المسكن الواحد أكثر من أسرة، وذلك للإسهام في توفير عدد أكبر من المساكن، وهو تنظيم معمول به في بعض الدول المجاورة، ولا تنشأ عنه مشاكل طالما كان تنظيم البناء في الحي موحداً. 3- حيث إن أسعار الأراضي بلغت حدا لا يستطيع المواطن مواجهته، وسوف يزداد ذلك في المستقبل، فإنه لابد من التوجه إلى تخطيط بعض الأحياء بمساحات صغيرة للأراضي، تتناسب مع إمكانات المواطنين المادية، وحدود احتياجاتهم الأسرية، وتدعم الاتجاه إلى إعمال النظرة الاقتصادية في مساكن المستقبل. 4- تشجيع العودة إلى أواسط المدن، بدلا من الانتشار والتوسع السريع للأطراف، وما يترتب على ذلك من تكاليف عالية لتوفير الخدمات والمرافق، فضلا عن انخفاض أسعار الأراضي في الوسط عنها في الأطراف، وتوافر كافة الخدمات، وحيث إن حيازات الأراضي في قلب المدينة عادة تكون صغيرة، فإنه لابد من التركيز على إقامة البنايات متعددة الطوابق، وتشجيع الترخيص لها، وتسهيل ما يتعلق بالتملك فيها، وفرز الوحدات السكنية وإفراغها!.. 5- إن من الملاحظ أن ما لا يقل عن 30 في المائة من تكاليف البناء لدينا يذهب هدرا، نتيجة المبالغة من قبل المصمم في متطلبات البناء والاحتياطات التي يتبعها لإبعاد نفسه عن احتمالات المساءلة فيما لو وقع خطأ من المقاول المنفذ يمكن أن يسأل عنه، وهذا يحدث بسبب أن مسؤولية المصمم لا تمتد إلى الإشراف، لأن معظم المساكن لدينا تشيد دون إشراف فني، كما أن المصمم لم يسبق له أن زار موقع البناء للتعرف على طبيعة التربة، ولا يعلم أين هو؟! ومن ثم فهو يحتاط، والمالك يدفع، ولابد من مراجعة هذا الأمر بحيث يكون الإشراف على التنفيذ جزءاً من مسؤولية المصمم وتحت إشرافه، وداخلا ضمن تكاليف التصميم، كما هو معمول به في الدول الأخرى. 6- إن مما يقلل من تكلفة تشييد المنازل هو اعتماد كود البناء الموحد الذي يعمل على وضع معايير ونماذج (مقولبة) موحدة لكثير من جزئيات البناء، وهو ما يؤدي إلى خفض واضح في التكاليف، وسرعة في التنفيذ، ونتمنى ألا يمضي وقت طويل قبل أن نسمع عن اعتماد كود البناء والإلزام بتطبيقه. وأخيراً فإن أسعار الأراضي لدينا مرتفعة بشكل غير مبرر، ولابد من البحث عن مبادرات وحلول للتغلب على هذه المشكلة، أو التخفيف منها، مثلما أشرت إليه، أو غيره من الحلول التي يمكن تبنيها وتنفيذها. والله من وراء القصد
إنشرها