Author

تمويل البحث العلمي .. تجربة الكويت أنموذجا

|
شهد البحث العلمي في المملكة دعماً كبيراً خلال السنتين الماضيتين. فقد ارتفعت مخصصات البحث العلمي لدى بعض الجامعات، وأسس عدد من المراكز البحثية. وفوق ذلك أخذت بعض الجامعات، كجامعة الملك سعود على عاتقها بأن تكون “جامعة بحثية”، أي تولي البحث العلمي اهتماماً كبيراً، لخدمة المجتمع وتحقيق ريادة عالمية. وبرزت ظاهرة حميدة لم تكن شائعة في بلادنا من قبل، ألا وهي تأسيس “الكراسي البحثية”، وللحقيقة تأخذ جامعة الملك سعود السبق في هذا المجال، فقد استقطبت عدداً كبيراً من الكراسي لدعم البحث العلمي في كثير من التخصصات العلمية والمجالات الحيوية التي تعود بالنفع على المجتمع وتدعم التنمية في بلادنا. فقد تجاوز عدد الكراسي 60 كرسياً، مما وفر ملايين الريالات لتمويل البحث العلمي في مجالات علمية متعددة. كما أخذت جامعة الملك سعود قصب السبق في تطبيق نظام الوقف لدعم البحث العلمي، فأصبحت هذه الجامعة قدوة للجامعات الأخرى في هذا المجال. وعلى الرغم من ذلك كله، فلا يزال البحث العلمي دون الطموح من حيث مستوى الإبداع والإسهام الحقيقي في تقدم العلم والمعرفة، أو حل المشكلات والقضايا التي تواجه المجتمع. فنظراً لضعف الدعم المادي للبحث العلمي، فإن الأغلبية الساحقة من البحوث تُنجز لأغراض الترقية، وبعضها لا يعدو عن كونه تكراراً لبحوث أجريت في أماكن أخرى، أو تتناول قضايا بحثية ليست ذات شأن. إذاً ما أسباب هذا الضعف في البحث العلمي؟ وما أسباب تخلفه في البلدان العربية عموماً مقارنة بالأمم الأخرى؟ إن الأسباب كثيرة ومتنوعة، ويأتي في مقدمتها ضعف التمويل وعدم استقرار الموارد المالية، وتدني ثقافة البحث العلمي، وعدم الإيمان بأن البحث العلمي هو السبيل لمعالجة المشكلات وإيجاد الحلول للقضايا التي تواجه المجتمع بأفراده ومؤسساته وشركاته. وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية لا يتجاوز 0.5 في المائة من الناتج القومي الإجمالي، في حين لا يقل عن 2.5 في المائة في معظم الدول المتقدمة. والآن، ربما يسأل القارئ، كيف يمكن تحقيق الاستقرار في تمويل البحث العلمي من أجل النهوض به وتطويره وتوجيهه لخدمة المجتمع؟ لا شك أن هناك تجارب عديدة، تُذكر فتشكر، ومنها تطبيق نظام الوقف وتبني الكراسي البحثية التي ذُكر آنفاً. وإلى جانب ذلك، تُعد تجربة الكويت في تمويل البحث العلمي من خلال مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تجربة رائدة في هذا المجال. إن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تقوم على ما تتلقاه من المؤسسات والشركات العاملة على أرض الكويت، التي يُلزمها النظام بالإسهام بنسبة 1 في المائة من صافي أرباحها السنوية، وقد بلغ عدد الشركات الداعمة لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي 912 شركة، موزعة على جميع القطاعات، كالبنوك، وشركات العقار، والاستثمار، والتأمين، والخدمات، والصناعة وغيرها. وبذلك تمكنت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي من تنفيذ بحوث مفيدة ومتنوعة تخدم الكويت وأهلها. حبذا لو تتبنى المملكة هذه التجربة الرائدة من أجل تمويل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية خصوصاً، والبحث العلمي في الجامعات عموماً، وذلك من خلال إلزام الشركات العاملة في المملكة بالإسهام بنسبة 1 في المائة من صافي أرباحها السنوية. ويمكن تخصيص نسبة معينة لكل جامعة، تتناسب مع نشاط البحث العلمي في كل منها. ختاماً، لا بد أن يحظى التعليم والبحث العلمي بالأولوية القصوى في دول الخليج، كهدف استراتيجي لتطوير هذه المجتمعات وتحقيق تنمية مستدامة، خاصة مع توافر الموارد المالية المناسبة في الوقت الحاضر.
إنشرها