Author

2011 ذروة إنتاج النفط السعودي؟

|
كان هناك رجل عجوز جالس مع ابن له يبلغ من العمر 25 عاما في القطار. وبدت الكثير من البهجة والفضول على وجه هذا الشاب الذي كان يجلس بجانب النافذة. أخرج يديه من النافذة وشعر بمرور الهواء وصرخ: ''أبي انظر جميع الأشجار تسير وراءنا''. فتبسم الرجل العجوز متماشياً مع فرحة ابنه. وكان يجلس بجانبهم زوجان ويستمعان إلى ما يدور من حديث بين الأب وابنه. وشعروا بقليل من الإحراج فكيف يتصرف شاب في عمر 25 عاما كالطفل؟! فجأة صرخ الشاب مرة أخرى: ''أبي، انظر إلى البركة وما فيها من حيوانات، انظر إلى الغيوم تسير مع القطار''. واستمر تعجب الزوجين من حديث الشاب مرة أخرى. ثم بدأ هطول الأمطار، وقطرات الماء تتساقط على يد الشاب، الذي امتلأ وجهه بالسعادة وصرخ مرة أخرى: ''أبي إنها تمطر، و الماء لامس يدي، انظر يا أبي''. و في هذه اللحظة لم يستطع الزوجان السكوت وسألوا الرجل العجوز: ''لماذا لا تقوم بزيارة الطبيب والحصول على علاج لابنك؟'' هنا قال الرجل العجوز: ''إننا قادمون من المستشفى، حيث إن ابني قد أصبح بصيراً لأول مرة في حياته''. من أهم الفوائد في هذه القصة أن ''النتائج لا تستخلص حتى تعرف كل الحقائق''. ومن هذا المنطلق دعونا نستطرد في موضوع ''ذروة النفط''. تعد قضية ''ذروة النفط'' من القضايا الحية في الأوساط الدولية منذ نهاية القرن الماضي وحتى اليوم. تعرف ''ذروة النفط'' على أنها المرحلة الزمنية التي سيصل إنتاج العالم من النفط إلى ذروته. ثم يبدأ بعد ذلك الإنتاج النفطي العالمي في الانخفاض والدخول في موجة متناقصة حتى نفاده من العالم. وعندما ينفد النفط من جوف الأرض ستتعطل، إن لم تنته الكيانات العالمية، صناعية كانت، أو شبه صناعية، و التي يشكل النفط أساس نموها وبقائها. كارثة عالمية متوقعة أسهمت في تشجيع مجموعة من مراكز الأبحاث والدراسات الدولية على بحث احتمالية وقوعها، وانعكاساتها على شعوب العالم حال حدوثها، وبحث الوسائل البديلة الأخرى التي من الممكن أن تحل محل النفط حال نفاده من جوف الأرض. من إحدى الدراسات الناتجة في هذا المضمار ما أنتجه وينتجه مجلس استقطاب التقنية النفطية في جامعة كاليفورنيا الجنوبية بشكل ربع سنوي، حول احتساب مخزون الأرض من النفط الخام ومراقبة تطوراته بشكل دوري. إحدى هذه الدوريات ما صدر أخيرا حول حجم مخزون النفط السعودي، وتوقعات العام الميلادي الذي سيبلغ النفط السعودي ذروة إنتاجه ''ذروة النفط''، واستقراء تطورات إنتاج النفط السعودي حتى عام 2040م. صدرت الدراسة كدراسة مقارنة بمخزون جميع الدول المنتجة للنفط، واستقراء ''ذروتها النفطية''، ومعدلات إنتاجها المستقبلية. احتوت الدراسة على مجموعة من النتائج في هذا السياق من المفيد استحضارها في هذا المقال، ومن ثم النظر إليها من منظور وطني لإدارة المخاطر، واستقراء السبل الممكنة نحو الخروج من هذه الكارثة حال حدوثها. يضم العالم في طياته 182 دولة. يتركز إنتاج النفط في 42 دولة باستحواذها على قرابة 98 في المائة من مخزون النفط العالمي. وتستحوذ 40 دولة على قرابة 2 في المائة من المخزون المتبقي. بينما لا تحظى 40 دولة بمخزون من النفط. ركزت الدراسة على 42 دولة المستحوذة على معظم مخزون النفط. واعتمدت الدراسة على بيانات تاريخية ومجموعة من المنهجيات الحسابية لحساب توقعات الإنتاج النفطي العالمي حتى عام 2040م. هدفت الدراسة إلى النظر للدول الـ 42 من زوايا مختلفة للخروج بخلاصة منطقية تكون أكثر قبولا للمتلقي. حيث قسمت الدراسة الـ 42 دولة إلى مجموعتين رئيستين: مجموعة الدول الأعضاء في منظمة أوبك، ومجموعة الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك. كما قسمت الدراسة الدول الـ 42 أيضا إلى سبع مجموعات جغرافية: أمريكا الشمالية، وسط وجنوب أمريكا، أوروبا، جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً، الشرق الأوسط، إفريقيا، وآسيا. ما يهمنا في سياق هذا المقال نتائج الدراسة المتعلقة بالنفط السعودي بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال المجموعتين أعلاه، مجموعة الدول الأعضاء في منظمة أوبك، والشرق الأوسط، كون السعودية تمثل عضواً نفطيا رئيسا في كلتا المجموعتين. توصلت الدراسة إلى المجموعة التالية من التوقعات: 1. سيفوق حجم إنتاج مجموعة الدول الأعضاء في منظمة أوبك من النفط إنتاج باقي دول العالم منذ عام 2007م حتى منتصف عقد الأربعينيات المقبل (2040/2050م). 2. إن حجم إنتاج مجموعة الدول الأعضاء في منظمة أوبك وصل ''ذروته النفطية'' العام الماضي 2009م. 3. يصل حجم إنتاج دول الشرق الأوسط إلى ''الذرة النفطية'' في عام 2011م، بحجم إنتاج يقارب 12.1 مليار برميل. ثم سينخفض حجم الإنتاج النفطي الشرق أوسطي إلى 5.8 مليار برميل بحلول عام 2040م. يشكل هذه الحجم في عام 2040م قرابة 46 في المائة من مخزون النفط العالمي. 4. يصل حجم إنتاج النفط السعودي إلى ''الذرة النفطية'' في عام 2011م أيضا بحجم إنتاج يقارب 3.92 مليار برميل. ثم سينخفض حجم الإنتاج النفطي السعودي إلى 2.04 مليار برميل بحلول عام 2040م. يشكل هذه الحجم في عام 2040م قرابة 16.3 في المائة من مخزون النفط العالمي. تقودنا هذه النتائج على أصعدة الدول المصدرة للنفط أوبك، والشرق الأوسط، والسعودية إلى بحث المقومات السعودية القائمة، والمستهدفة، بشرية كانت وغير بشرية، وآليات توظيف هذه المقومات مما من شأنه، بعون الله تعالى، ليس استثمار الفرص النفطية المتوقعة فحسب، وإنما في تطوير الموارد غير النفطية القادرة على تلبية احتياجات الاقتصاد السعودي من مصادر الطاقة خلال العقود الزمنية المقبلة. فالاقتصاد السعودي عبر الموجة الخمسينية الأولى (1950/2000م) بنجاح، وسجل مستويات اقتصادية مرموقة، ولله الحمد. ثم دخل الاقتصاد السعودي المرحلة الأولى ''مرحلة التأسيس'' (2000/2010م) من الموجة الخمسينية الثانية (2000/2050م). ستسهم مرحلة التأسيس هذه، بعون الله، في ضخ الوقود الكافي لنمو الاقتصاد السعودي خلال العقد الحالي (2010/2020م)، وازدهاره خلال العقد المقبل (2020/2030م)، عطفا على مشاريع التأسيس العملاقة القائمة. وعادة ما تمر مراحل النمو الاقتصادي بمرحلة التقاط أنفاس (2030/2040م)، أو ركود اقتصادي (2040/2050م)، أو كلاهما، عندما لا تجد مقومات قادرة على إعادة ضخ الوقود الكافي لتوجيه مراحل التقاط الأنفاس والركود الاقتصاد أعلاه نحو مراحل نمو وازدهار اقتصادي جديدة. من أهم هذه التحديات حجم المخزون النفطي السعودي خلال الفترة الزمنية المقبلة (2030/2050م). وعلى الرغم من عدم القناعة الكاملة بنتائج الدراسة من الناحية العلمية على الأقل، إلا أن وجود حيثياتها في مخيلتنا هو من الأهمية كونه يدفعنا إلى استقراء المستقبل بجميع احتمالاته الممكنة. تقودنا هذه الحيثيات إلى تأكيد أهمية مضاعفة الاستثمار في إحدى ركائز الاقتصاد السعودي القادرة، بعون الله تعالى، على تحويل تحديات التقاط الأنفاس والركود الاقتصاد المتوقعة نحو مراحل نمو وازدهار اقتصادي. ركيزة رئيسة تتمثل في العنصر البشري ومقوماته المختلفة التي متى ما جهزت على مواجهة التحديات تكون قادرة على تحويل التحديات إلى آفاق ثم بلوغها، بعون الله تعالى وتوفيقه.
إنشرها