الميزانية وملامح الاقتصاد السعودي

حملت الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1430/1431هـ، في طياتها عديدا من التحديات والفرص الاقتصادية المقبلة التي ستلوح في أفق منظومة الاقتصاد السعودي. تحديات وفرص من الأهمية بمكان مناقشة بموضوعية من خلال استعراض بنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد، من جهة، وقراءة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، من جهة أخرى، لمنظومة الاقتصاد السعودي.
الهدف الرئيس من هذه القراءة المزدوجة هو محاولة رسم ملامح منظومة الاقتصاد السعودي خلال العام المقبل بشكل خاص، والأعوام المقبلة بشكل عام، وانعكاسات هذه الملامح على رأس المال الفكري السعودي، آخذين في الحسبان دخول منظومة الاقتصاد السعودي في موجتها الخمسينية الثانية، معلنةً انتقالها من موجة النشأة (1950/1999) إلى موجة الرشد (2000/2050)، والوضع الراهن لمقوماتها البشرية وغير البشرية.
حملت الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1430/1431هـ في طياتها اعتماد مشاريع دعم لجوانب منظومة الاقتصاد السعودي الأربعة: الاقتصاد التنموي، الاقتصاد الاجتماعي، الاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاقتصادي. فاستحوذ الاقتصاد التنموي بجميع قطاعاته الرئيسة ذات الصلة بالخدمات والتنمية على معظم الاعتمادات، فحظي قطاع التـعـليم والتدريب على اعتمادات كبيرة موزعة بنسب متباينة على قطاعات التعليم العام، التعليم العالي، والتدريب المهني. ينتظر من قطاع التعليم بلورة هذه الاعتمادات إلى تنمية واستدامة رأس المال الفكري السعودي بحلول العقد المقبل، لدعم منظومتي الصناعة والاستثمار عند اكتمال خططها التوسعية، حيث يتوقع أن يشكل توفير رأس المال الفكري السعودي المؤهل لتولي مسؤوليات العقد المقبل أحد أهم التحديات التي ستواجه منظومة الاقتصاد السعودي.
كما حصلت قطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية على المرتبة الثانية في الإنفاق بعد قطاع التعليم والتدريب، فحظيت قطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية باعتمادات كبيرة. وعلى الرغم من أن الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد إشارة إلى جزء من نصيب قطاع الخدمات الصحية من هذه الاعتمادات، إلا أنه ينتظر أن تسهم هذه الاعتمادات في الارتقاء بمستوى الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، نظرا للارتباط الوثيق فيما بينهما.
كما حصلت قطاعات المياه والزراعة والتجهيزات الأساسية على المرتبة الثالثة في الإنفاق بعد قطاعات التعليم والتدريب، والخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية. وأتت قطاعات الخدمات البلدية والنقل والاتصالات في المرتبة الرابعة في الإنفاق بعد قطاعات التعليم والتدريب، والخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية، والمياه والزراعة والتجهيزات الأساسية.
يتضح من مقارنة النتائج المالية للعام المالي 1429/1430هـ ببنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد 1430/1431هـ في جوانب الخدمات الصحية، التنمية الاجتماعية، الخدمات البلدية، النقل، الاتصالات، المياه، الزراعة، والتجهيزات الأساسية، أن مناطق المملكة الجغرافية المتوسطة الحجم وذات التنمية المتواضعة ستستوعب معظم هذه الاعتمادات.
والخلاصة الشمولية التي نستخلصها من التوزيع البيني لهذه الاعتمادات في تلك القطاعات التنموية بالذات أن توزيع الكثافة السكانية بين مناطق المملكة ستحظى بتطورات من شأنها إعادة التوازن بين المناطق الجغرافية، وستسهم هذه العملية بطبيعة الحال في إحداث نهضة شاملة بحلول العقد المقبل، بعون الله وتوفيقه.
هذه التطورات الشاملة التي حملتها الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد في جانب الاقتصاد التنموي لن تكون بمعزل عن التطورات في جوانب منظومة الاقتصاد السعودي المتبقية، الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد السياسي، والاقتصاد الاقتصادي، حيث ستوقع من قراءة بنود الميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد أن يستوعب جانب الاقتصاد الاقتصادي جزءا ليس بالقليل من اعتمادات الميزانية، حيث سيتم ذلك عن طريق التحويل إلى احتياطي الدولة، وحساب تسديد الدَّين العام.
ويتوقع أن يسهم التحويل إلى احتياطي الدولة في تعزيز جانب الاقتصاد السياسي لمنظومة الاقتصاد السعودي عن طريق تعزيز مكانة المملكة السياسية في المنطقة والعالم. وهنا لا بد الأخذ في الحسبان التطورات السياسية والعسكرية في المنطقة، وانعكاسات ذلك على الاحتياطي الحكومي.
كما يتوقع أيضا أن يسهم التحويل إلى حساب تسديد الدَّين العام في تعزيز جانب الاقتصاد الاقتصادي لمنظومة الاقتصاد السعودي عن طريق تقليل الالتزامات المستقبلية للمنظومة، والتي قد تشكل تحديا يعوق نمو منظومة الاقتصاد السعودي بداية العقد المقبل.
أحد أهم الانعكاسات الإيجابية للتحويل إلى حساب تسديد الدَّين العام هو زيادة مستوى السيولة في المصارف السعودية بعد إتمام عملية شراء سندات الدين العام قبل موعدها. وزيادة السيولة ستدعم تنافسية المصارف السعودية في تطوير قنوات استثمارية جديدة غير السوق المالية من خلال مشاركة القطاع الخاص في مشاريعه التوسعية. وهنا نافذة ضوء ستحملها مشاريع القطاع الخاص المقبلة في استثمار رأس المال الفكري السعودي، في إطار سياسات وأهداف خطة التنمية التاسعة، ووفق أولويات المجلس الاقتصادي الأعلى.
أحد أهم المخرجات غير المباشرة في تطورات جانب الاقتصاد الاقتصادي من منظومة الاقتصاد السعودي أنها ستتدفق، بعون الله، في الجوانب الثلاثة المتبقية من جوانب منظومة الاقتصاد السعودي: الاقتصاد التنموي، الاقتصاد الاجتماعي، والاقتصاد السياسي، وذلك لتشكل أرضية انطلاق متينة لمنظومة الاقتصاد السعودي في موجته الخمسينية الثانية (2000/2050)، بعون الله.
إقرار مجلس الوزراء الموقر للميزانية العامة للدولة للعام المالي الجديد مساء أمس الأول هو تجسيد جديد لسياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله، في دعم عملية تنمية واستدامة منظومة الاقتصاد السعودي.
أسال الله رب العرش العظيم أن يديم علينا نعمه، وأن ينفع الوطن والمواطن بهذه الميزانية المباركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي