Author

إصرار على التحفيز الاقتصادي

|
ليس من المستغرب أن تصدر وزارة المالية الميزانية التقديرية الأكبر في تاريخها لعام 2010 بإنفاق يقدر بنحو 540 مليار ريال وبعجز متوقع بنحو 70 مليار ريال نظراً للدخل الذي قدر بنحو 470 مليار ريال. هذا الإصرار من وزارة المالية على تحفيز الاقتصاد تدعمه بيانات الميزانية الفعلية لعام 2009 التي اختتمت العام بعجز فعلي بلغ نحو 45 مليار ريال يقل عن العجز المقدر للعام نفسه بنحو 20 مليار ريال وبإنفاق فعلي بلغ نحو 550 مليار ريال ودخل فعلي بلغ نحو 505 مليارات ريال، أي أن الإنفاق الفعلي لعام 2009 زاد عن المخطط له بنحو 75 مليار ريال. وهذا التوسع في السياسة المالية للعامين 2009 والعام القادم 2010 يصب في سياق التزام المملكة في اجتماع مجموعة العشرين ورصدها نحو 400 مليار ريال للتحفيز الاقتصادي الذي يأتي في ظل تراجع أداء الاقتصاد العالمي وتدهور معظم اقتصاديات العالم وخصوصاً العالم الغربي. إن الاعتماد على السياسة المالية للتحفيز الاقتصادي في الفترة الراهنة بات ضرورة ملحة مع تراجع فاعلية السياسات الاقتصادية الأخرى كالسياسة النقدية التوسعية في ضوء تلكؤ البنوك في التوسع في عمليات الإقراض وحساسيتها المفرطة تجاه ارتفاع معدلات المخاطرة واحتمال شح السيولة. وتشكل البيانات الاقتصادية التي صدرت مع بيان وزارة المالية أمس الأول دليلاً مسانداً لسياسة التوسع المالية. فالمالية العامة للدولة تتمتع بعوائد نفطية تراكمت في السنوات الخمس الماضية وتمكنها بكل سهولة من سد أي عجز متوقع بجانب تخفيض القيمة المطلقة للدين العام التي انخفضت بنحو 12 مليار دولار لتصل إلى 225 مليار في عام 2009. أما مؤشرات نجاح السياسة المالية التوسعية فبالإمكان ملاحظتها في المؤشرات الاقتصادية التي تم الإعلان عنها، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي نحو 1.384 تريليون ريال. وقد كان نمو الناتج المحلي الاسمي غير النفطي بنحو 5.5 في المائة منها نمو بمقدار 10.5 في المائة للقطاع الحكومي غير النفطي ونمو بلغ 2.85 في المائة للقطاع الخاص غير النفطي. لذا، فالإنفاق الحكومي كان هو قائد قاطرة النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي وليس القطاع الخاص، حيث إن ارتفاع حجم الإنفاق الحكومي تزامن مع مصاعب سوق الائتمان العالمية وارتفاع معامل المخاطرة عند إقراض البنوك للقطاع الخاص، ما يؤدي بطبيعة الحال ومع اجتماع أمور أخرى تتعلق بالطلب الكلي المحلي وتراجع مستويات الاستهلاك إلى أن تتقدم مساهمة القطاع الحكومي في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بتزامن مع الصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص وخصوصاً من جانب الحصول على التمويل. ختاماً، مازال بإمكان السياسة المالية التوسع ورفع مستويات الإنفاق خصوصاً في ظل وجود فائض القدرة الذي تولد جراء تراجع عمليات القطاع الخاص مع بعضه بعضا وإمكانية توظيف فائض القدرة في التعامل مع القطاع الحكومي ومشاريعه. فائض القدرة لدى القطاع الخاص مع بقاء معدلات التضخم ضمن التحكم واستمرار تحقيق فائض في الحساب الجاري جميعها مؤشرات اقتصادية تدعم أو على الأقل لا تعارض التوجه نحو سياسة مالية توسعية هدفها النهائي التحفيز الاقتصادي.
إنشرها