default Author

إلى مَن قال إن التمويل الإسلامي هو الحل للأزمة الأمريكية .. ما رأيكم في دبي؟

|
قبل أن أُرْمَى باتهامات باطلة من قراء العناوين ورؤوس الأقلام، أكرر ما كتبته في الماضي عدة مرات، وبشكل خاص في مقال بعنوان «سبب الأزمة المالية.. أنتم!», الذي نشر في «الاقتصادية» منذ نحو 16 شهراً والذي ورد فيه: «.. رغم إيماني بأن الإسلام، الدين الشامل والكامل، هو الحل، ورغم إيماني الكامل بأن الربا بجميع أشكاله حرام، وأن جميع البيوع التي تتحايل على الربا حرام، إلا أنني لا أستطيع أن أخفي دهشتي من المقالات والخطب التي نعت الرأسمالية والعولمة وحرية الأسواق، والمقالات والتعليقات التي يقصر فيها كتابها سبب الأزمة على الربا، موحين بأنه لو حرّمت أمريكا الربا لما حصلت الكارثة. طبعا لم أفاجأ بهذه المقالات، ولكن فاجأني منطقها. مثلا، ماذا سيكون موقف هؤلاء الخطباء والكتّاب والمعلقين لو تجاوز الاقتصاد الأمريكي هذه الأزمة وبدأ بالنمو من جديد؟ وماذا لو حصل هذا النمو والازدهار في فترة انخفضت فيها أسعار النفط وبدأت دول الخليج بتحقيق عجز في موازناتها وبدأت بالاستدانة من الدول التي يشمت بعضهم فيها الآن؟ والأنكى من ذلك، ماذا لو بدأت هذه الدول بالاستدانة من البنوك نفسها التي يشمت بعضهم فيها الآن؟ هل ما أقوله ضرب من الخيال، أم أنه يمكن أن يتحقق بين عشية وضحاها؟». وجاءت التطورات الأخيرة في دبي لتضع النقاط على الحروف: إذا كان السبب هو الربا، فكيف نتجت هذه الكارثة، الأكبر من نوعها في تاريخ الشرق الأوسط، من صكوك إسلامية؟ أكرر.. إسلامية؟ الذين قالوا إن السبب هو الرأسمالية والرأسماليون الذين يعيشون على أكتاف الفقراء، هل يمكن أن يشرحوا لنا كيف «أفلس» هؤلاء «الرأسماليون» الذي يتعاملون بـ «الصكوك الإسلامية» أنفسهم بأيديهم؟ الذين قالوا إن حل الأزمة المالية في أمريكا هو «التمويل الإسلامي» هل لهم أن يشرحوا لنا الآن كيف يمكن أن ينقذ «التمويل الإسلامي» أمريكا، وقد فشل في عقر دار المسلمين، ونتج عنه كارثة مالية سيذكرها التاريخ؟ وورد ما يلي في مقال آخر بعنوان « هل يمكن أن تصاب البنوك الإسلامية بأزمة مالية مماثلة؟ «نشر في «الاقتصادية» في الفترة نفسها تقريبا التي نشر فيها المقال المذكور أعلاه: «إن عدم وجود أزمة مالية مماثلة في البنوك الإسلامية، وأؤكد هنا على كلمة «مماثلة»، لا يعود إلى «تطبيق الشريعة»، إنما إلى الشروط الصارمة التي يتم بناء عليها تمويل البيوت والعقارات وغيرها في البنوك الإسلامية، ولكن إذا تم التساهل في هذه الشروط، إما بسبب المنافسة، كما أشار بعض الكتاب، وإما بسبب الضغط الحكومي كما حصل في أمريكا، فإنه يمكن لهذه البنوك أن تصاب بالإفلاس إذا تباطأ النمو الاقتصادي، وارتفعت معدلات البطالة، وعجز الناس عن الدفع». مرة أخرى، الأزمة التي تعانيها دبي هي عجزها عن «الدفع»، دفع ماذا؟ دفع الصكوك الإسلامية التي حان وقت استحقاقها. لم يكن هناك ربا، بل عملية تمويل «إسلامية» أجازتها مجموعة من كبار الفقهاء في العالم الإسلامي. قد يقوم البعض، وبشكل عاطفي، بالبحث عن المسوغات للرد على ما ذكرته أعلاه. قد يلومون دبي، وقد يلومون أطرافا أخرى. مهما كانت هذه المسوغات، فإن الحقيقة لن تتغير: الأزمة المالية واحدة سواء في الولايات المتحدة وسنداتها الربوية أو في دبي وصكوكها الإسلامية، وهذه المشكلة تتمثل في عدم القدرة على الدفع. العواطف.. والتطبيق الشرعي للمعاملات الاقتصادية يظن البعض أن أي شيء مرتبط بكلمة «إسلامي» يعني الكمال والتنزه عن الخطأ، من هذا المنطلق الظني يعتقد البعض أن تطبيق «الاقتصاد الإسلامي» و «التمويل الإسلامي» يعني بالضرورة حل المشكلات الاقتصادية في المجتمع، متناسين أزمة دبي، ومتناسين الحقائق التالية: 1- أنه رغم أن الإرشادات إلهية، إلا أن التطبيق بشري، والبشر غير معصومين عن الخطأ. 2- أن المشكلات الأساسية في أي اقتصاد، خاصة التضخم والبطالة، وجدت في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -وفي عهد الخلفاء الراشدين. 3- أن هناك بابا في كتب الفقه يسمى باب «الإفلاس» ويناقش ما للمفلس وما عليه. 4- أن قصر الاقتصاد الإسلامي على أمور التمويل يتنافى مع المبادئ الإسلامية التي أقرتها كل مصادر التشريع. 5- أن الاقتصاد الإسلامي جزء من نظام كامل وشامل، وتطبيق جزء منه فقط يتنافى مع «كمال وشمولية» النظام. 6- أنه لا يوجد شيء اسمه «تمويل إسلامي» أو «بنك إسلامي», واستخدام هذه التعابير في هذا المقال وغيره هو بسبب شيوع الاستخدام. الصحيح هو «تمويل يتوافق مع الشريعة» وبنك «يتعامل وفقا للأحكام الشرعية». 7- أن هناك معاملات عدة تجيزها بعض الهيئات الشرعية لبعض البنوك بينما تحرمها أخرى، كما أن هناك معاملات حرمتها بعض الهيئات ثم أجازتها فيما بعد، الأمر الذي يتطلب استخدام تعابير مثل «مطابق للأحكام الشرعية» أو «متفق مع الشريعة» بدلا من «إسلامي». الأزمة الأمريكية وأزمة دبي: السبب واحد بينتُ في مقالات سابقة أن سبب الأزمة المالية في الولايات المتحدة لاعلاقة له بالربا أو بالرأسمالية، وإنما كان سببه التدخل الحكومي الذي أجبر البنوك على إقراض من لا يمكن إقراضه في نظام رأسمالي، وهذه المقالات موجودة في أرشيف «الاقتصادية» الإلكتروني. فقد أجبرت الحكومة الأمريكية بقوة القانون وتحت طائلة العقوبات البنوك على تمويل أصحاب الملاءات الضعيفة لشراء بيوت لا يمكنهم الحصول عليها لولا التدخل الحكومي. الأمر نفسه ينطبق على دبي, حيث إن التدخل الحكومي، سواء عن طريق إنشاء شركات حكومية توحي بأنها مضمونة من الحكومة، أو عن طريق إصدار قوانين تدعم هذه الشركات، أو التدخل الحكومي لصياغة أسواق الصكوك الإسلامية، هو السبب الرئيس للأزمة. لو تم تقييم الشركات العقارية في دبي على أنها شركات خاصة لاعلاقة لها بالحكومة على الإطلاق، هل كانت تستطيع هذه الشركات اقتراض هذه الكميات الهائلة من الأموال؟ وهل كان لسوق الصكوك الإسلامية أن تكون بهذا الحجم؟ باختصار، سبب الأزمة الرئيس هو التدخل الحكومي، والأزمة تتعلق بالقدرة على الدفع، بغض النظر عما إذا كان النظام رأسماليا أو إسلامياً.
إنشرها