الضوء القادم اليوم من عرفات

اليوم يجتمع الحجيج في عرفات, مشهد عظيم في يوم عظيم.. ومن منا لا يتمنى أنه معهم في هذا المقام المتفرد بالعبودية الذي يتجرد المسلم فيه من بريق الدنيا وزخرفها والزهد رائده تيمنا بما كان عليه نبي هذه الأمة محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ الذي كان أزهد الناس بالدنيا, وملامح هذا الزهد متعددة تمتلئ بها ذاكرة المسلم منا ويتجلى زهده صلاة الله وسلامه عليه في الحج بتعلقه بالآخرة حين وقف بعرفة فقال: (لبيك اللهم لبيك. إنما الخير خير الآخرة). استحضر مواقفه وهو يحج على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي، وكما ذكر ابن القيم إن حجه كان على رحل لا في محمل, ولا هودج، ولا عمارية. ومن ملامح تزهيده لأمته في الدنيا ما قاله ــ صلى الله عليه وسلم ــ عندما أذنت شمس يوم عرفة بالمغيب: (أيها الناس، إنه لم يبق من دنياكم فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه). هذا التزهيد إلى أي مدى نحن نتوخاه في حياتنا خصوصا عند أداء فريضة الحج وما يرافق بعض الحملات من البذخ والرفاهية التي لا تليق بأداء نسك عبادي! فالجوهر فيه هو العبادة والتخلص من أدران الحياة الدنيوية وليس تعزيز بريقها الذي يعمي البصيرة. فكلما تجرد الحاج من هذه الأدران اقترب أكثر من تفرد العبادة واستثمار دقائق وثواني هذا اليوم العظيم.
النموذج النبوي الذي نستحضره هو الذي يعيش في ظله من توجه بصدق ويقين إلى عرفات اليوم ليكون في ظل الرحمن يدعوه ويناجيه وهو متيقن من رحمته وغفرانه.
اليوم هو اليوم العظيم الذي يرجوه الملايين من المسلمين في أنحاء العالم ممن لم يتيسر لهم الحج وبعضهم يغادر هذه الحياة وحلمه لم يتحقق.
وأنا عائدة من مكة منذ أيام بعد إلقائي محاضرة للنساء ضمن برنامج استضافة ضيوف خادم الحرمين الشريفين لهذا العام وهو برنامج تشرف عليه وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وتسهم فيه منذ أعوام الأخت الدكتورة آمنة القثامي، كنت أستعيد ملامح هؤلاء النساء القادمات من مختلف دول العالم، تختلف لغاتهن، وملامحهن، وأعمارهن، والدول التي قدمن منها من أقصى شمال أوروبا إلى أوساط إفريقيا، بعضهن عربيات مهاجرات في أستراليا أو كندا وبعضهن من أوكرانيا أو ألمانيا. مجموعات مضيئة تلمح في عيونهن تلك السمات والمشاعر التي لا تضيء إلا في المتمسكات بتلك الخيوط الفضية المقبلة من السماء وقد لبين النداء للحج. مناخ إيماني يجمعهن معا وكأنهن حروف من صفحات تاريخ إيماني يسألن الله أن يكن ممن يكاثر بهم رسولنا الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ الأمم، حيث قال وهو واقف على ناقته في عرفات: (ألا وأني فَرَطكُم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم، فلا تسودوا وجهي، ألا وأني مستنقذ أناسا، ومستنقذ مني أناس. فأقول: يارب، أصحابي! فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).
هنا نجد التحذير النبوي لأمته من اتباع الأهواء, والابتداع في الدين. وهو ما لمسته لدى أولئك القادمات من أنحاء العالم ومجتمعات في ذلك المكان وهن اليوم مثل الملايين من الحجيج في صعيد عرفات في مرحلة تجلي وشفافية لا يدرك كوامنها إلا من أدرك عمق الوحدانية وصفاء العقيدة.
فهذا اليوم المشهود له بأهمية التضرع للخالق فيه والمناجاة والدعاء وقد وعد الله عباده بالعتق من النار لقوله ــ صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبد من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو, ثم يباهي بهم الملائكة). هذه النعم التي يحظى بها الحاج وهو في عرفة هي الخطوط الجاذبة التي تشد هذه الملايين من أنحاء العالم وكأنها ذرات مغناطيس تجمعهم وتجمعهم في صعيد عرفات. فالحج آية في الانقياد، ومدرسة في التسليم والاستسلام.
وحري بنا نحن النساء أن نزداد فخرا أن كانت آخر وصايا حبيبنا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ في خطبته في حجة الوداع تتعلق بالنساء (استوصوا بالنساء خيرا).
هذا هو الميثاق النبوي والتوجيه السامي الذي نحمله نحن النساء أمانة كي يحسن المجتمع بجميع مؤسساته أن ينفذ هذه الوصية تطبيقا لميثاق الخالق جل وعلا وإيفاء للحقوق والواجبات الشرعية للنساء، التي تحافظ على كينونتنا نساء مسلمات ولسنا ظلا لنموذج غربي لم يحمل لنسائه أي حق مقابل الواجب.
وكم هو مهم أن نوحد جهودنا ونستثمر هذه التجمعات البشرية المسلمة التي تمثل أجمل وأقوى مؤتمر عالمي للنساء وللرجال للنظر في قضايانا ونحافظ على تطبيق تشريعاتنا, فالحج المبرور الذي يجمعهم خلال أيام معدودات ليس له جزاء إلا الجنة. فلنستثمر هذا المناخ النقي لتحقيق المزيد من التوحد والعمل المشترك لخدمة قضايا أمتنا المسلمة.
**هنيئا لضيوف الرحمن هذا اليوم العظيم، وهنيئا لنا هنا في أرض الحرمين أن نكون خدما لاستضافتهم فهم ضيوف الرحمن وكفى بذلك فخرا واعتزازا. نسأل الله حجا مبرورا وسعيا مشكـورا لهم جميعا.

** اتكاءة الحرف

دأبت اللجنة النسائية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض التي تأسست عام 1420هـ، منذ تأسيسها على تنفيذ مشروع ثقافي ترفيهي يخدم شريحة النساء والفتيات والأطفال من خلال الاحتفال بعيد الأضحى المبارك الذي يكون عرضه في ثاني وثالث ورابع العيد من كل عام. حفل هذا العام يحكي عن شابة طبيبة غربية اعتنقت الإسلام هنا في وطننا في إحدى القرى، وأعجبت بمظاهر كثيرة، وتعجبت من أخرى. استثمرت اللجنة هذا الحدث وستستعرض سلبيات وإيجابيات هذه المظاهر في العرض لهذا العام (إيوان القرية) حيث ستحكي هذه المرأة قصتها المضيئة واعتناقها للإسلام، أيضا هناك مواقف مهمة تعزز من خلالها اللجنة النسائية في هذا الحفل الاهتمام بقضايا المسلمين من خلال (أرواح مُّحلقة) تتحدث عن شوق المسلمين للمساجد الثلاثة، و(مجاهل إفريقية) تتحدث عن معاناة المسلمين في إفريقيا وكيف يتعاطف ويتكاتف معهم الأطفال والأسر في السعودية، و(مملكة بلقيس) الذي يناقش صفات وميزات القيادة عند الفتاة المسلمة، أما التشجيع على أهمية الاختراع والإبداع لدى الصغار فنجده في الحديث عن مخترعة طفلة سعودية لديها براءة اختراع إنسان آلي يساعد في تنمية المجتمع من خلال فقرة (الشارع رقم 70). أثق بأن اللجنة النسائية للندوة العالمية للشباب الإسلامي تستحق التهنئة مقدما على هذا الحفل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي