Author

قوة خادم الحرمين دوليا: ما الغرابة؟!

|
لم يسبق لزعيم عربي، حتى إبان المد القومي، أن كان من أكثر عشرة زعماء في العالم قوة وتأثيرا. وربما لم يخطر على بال العرب أن يكون من زعمائهم من هو من بين القادة العالميين أصحاب التأثير والموقف، لهذا السبب لا يهتم المثقفون والمتابعون العرب بما ينشر من قوائم لأفضل أو أقوى شخصيات العالم نظرا للمشهد العربي برمته.غير أن التحولات الكبرى التي جرت في العقود القليلة الماضية دفعت بالسعودية لتكون لاعبا مؤثرا سياسيا على المستوى الإقليمي واقتصاديا على المستوى الدولي، فلا يمكن الحديث عن الشرق الأوسط دون الانتباه لمركز وموقف الرياض من شتى المواضيع ذات التأثير الإقليمي والعالمي. وعليه جاء اختيار مجلة ''فوربيس'' Forbes لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ليكون في المرتبة التاسعة على قائمة أكثر 67 شخصية مؤثرة في العالم ليس مفاجئا نظرا لما تتمتع به السعودية من مكانة دولية ونظرا لما يتمتع به الملك عبد الله بن عبد العزيز من قوة الشخصية والقدرة على التأقلم مع متطلبات العصر دون أن يكون ذلك على حساب الأصالة، مستذكرا ربما مقولة المهاتما غاندي الذي قال: ''لا أريد لبيتي أن تحيط به الأسوار من كل جانب إلى أن تسد النوافذ، وإنما أريد بيتا تهب عليه بحرية رياح الثقافات الأخرى لكن من دون أن تقتلعني إحداها من أرضي''. نعم، مقولة المهاتما غاندي هي أفضل تعبير عن فلسفة الحكم في السعودية وهذا هو المنطق الذي حكم سلوك الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي يبادر بنوع من الاستباقية لما فيه خير لبلده وللعرب والمسلمين، وعلى هذا الأساس أطلق الملك عبد الله مبادرة حوار الأديان لا لشيء وإنما لتعزيز القيم العالمية في التسامح والحفاظ على الأسرة. وهذه المبادرات والموقف السعودي الصلب في عديد من الملفات هو ما جعل القائمين على مجلة ''فوربيس'' ينتبهون إلى أن في العالم الثالث وفي الشرق الأوسط تحديدا من هو أهل ليكون ضمن قائمة الشخصيات القوية على المستوى الدولي.ثلاثة معايير حكمت تصنيف اللائحة التي جاء على رأسها الرئيس باراك أوباما، وهذه المعايير الثلاثة جاءت على شكل الأسئلة التالية: هل للشخص قوة تأثير في الكثير من الناس؟ ما المصادر المالية التي تحكم قوة الشخصية؟ هل قوة تأثيره متعددة المستويات؟ النتائج العامة كانت مثيرة، ففي وقت تربع فيه باراك أوباما على القائمة، لم يتمكن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش من أن يكون ضمن القائمة في حين حل بيل كلينتون في المرتبة الحادية والثلاثين. اللافت في الأمر أن هناك عددا من الشخصيات السياسية لدول قوية احتلت مواقع متأخرة مثل جوردون براون رئيس حكومة بريطانيا الذي جاء في المرتبة التاسعة والعشرين والرئيس الفرنسي ساركوزي الذي احتل المرتبة السادسة والخمسين. واللافت أيضا أن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين احتل المرتبة الثالثة على العكس من رئيس روسيا ديمتري ميدفيدف الذي جاء في المرتبة الثالثة والأربعين. وتقول مجلة فوربيس: ''أن الملك عبد الله يقود السعودية التي تحتوي على أكبر احتياطي نفط في العالم، وأقدس مدينتين في الإسلام'' وهنا المقصود المدينة المنورة ومكة المكرمة، وتضيف المجلة أن هذه هي الأسباب التي تجعل من الملك عبد الله مؤثر كبيرا في أهم مجالين حيويين في العالم وهما: الاقتصاد والدين. وعوداً على بدء، نقول إن الاعتراف الدولي بمكانة خادم الحرمين الشريفين لم يكن مفاجأة للمراقبين وقد بدت الإشارات الدولية تظهر بعد واقعتين. أولا، الطريقة التي حيا فيها الرئيس باراك أوباما الملك عبد الله بن عبد العزيز في اللقاء الأول بينهما على هامش قمة العشرين في لندن في نيسان (أبريل) من العام الجاري. فالرئيس أوباما كان يدرك أن السعودية لاعب لا يمكن تجاوزه في المسائل الإقليمية وبخاصة المتعلق منها بأمن الخليج وكذلك القضايا الاقتصادية الدولية التي يسعى ولا يزال لإحداث استقرار على المستوى الدولي ولا غنى عن دور السعودية في هذا المسعى.عبثنا حاول اليمين الأمريكي انتقاد الرئيس أوباما في انحنائه للملك عبد الله بن عبد العزيز لأن أوباما كان يعبر عن احترام شديد للملك ولكنه أيضا كان يبعث بلفتة حسن النية وهو يتعامل مع دولة بحجم السعودية، فالرسالة التي بعث بها أوباما للداخل الأمريكي هي: كفى تغطرسا فأمريكا ليس بوسعها إلا العمل مع حلفائها. وبالفعل دار نقاش داخل واشنطن حول ما إذا كان الانحناء تعبيرا عن خضوع أم أنه تعبير عن احترام وهناك فرق بين الاثنتين. وبعيدا عن النقاش يمكن القول إن الطريقة التي سلم بها ما هي إلا تعبير عن مدى الاحترام وربما حاجة واشنطن للأخذ في الحسبان حساسية الرياض ومصالحها في مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. أما المؤشر الآخر فهو دعوة السعودية لقمة العشرين واعتبارها عضوا أساسيا في هذه المجموعة المؤثرة والتي سترسم شكل اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وفي ذلك أيضا تعبير عن شعور الغرب بثقل السعودية الاقتصادي وإمكانية أن تحول السعودية هذا الثقل الاقتصادي إلى تأثير ونفوذ. فالغرب الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية منذ الركود الاقتصادي الكبير في نهاية العشرينيات من القرن الماضي يدرك أنه ليس بوسعه الاستمرار في تجاهل دول ذات ثقل وهنا تبرز السعودية كدولة مهمة يقودها ملك محنك. كما أنه لا يمكن أن نتجاهل المبادرات الملكية التي دفعت بمكانة السعودية بين سائر الأمم وهنا نتكلم بالتحديد عن اهتمام الملك عبد الله شخصيا بالعلم والبحث والذي تجلى في أبهى صوره في افتتاح جامعة الملك عبد الله والتي ينتظر منها الكثير، لكن أهم ما ينتظر منها هي أن تدخل قائمة أفضل جامعات العالم، وهو أمر إن تحقق، سيكون الأول من نوعه بين الجامعات العربية والمسلمة.تقدير المجلة للملك عبد الله هو تقدير للعرب والمسلمين وبالتالي يحق لنا كعرب ومسلمين أن ننظر إلى هذا التقدير أو الإنجاز، إن جاز التعبير، كمؤشر على صحوة أمة بأكملها طال سباتها. والدرس الذي يجب علينا أن نتعلمه من كل هذا هو أن العز والمجد والتقدير العالمي هي عناوين متشابهة لا يمكن الوقوف عليها بالتوسل أو حتى بحملات علاقات عامة وإنما بالثقة بالنفس وبتسخير المصادر لتعزيز مكانة الأمة بشكل عام وللدفاع عن قضاياها وهي جميعها أمور كانت ولا تزال الفانوس الذي يضيء تحركات خادم الحرمين الشريفين. التفوق السعودي، بهذا المعنى، على دول تعد في مصاف الدول المتقدمة جاء نتيجة لنهج مميز في الإدارة والحكم وفي العقلانية في مقاربة التحديات الجمة وبخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وظهور بعض الأصوات في الغرب التي نادت للنيل من المسلمين والعرب.باختصار، هذا الإنجاز العربي الذي جاء كتقدير لملك السعودية في حاجة للبناء عليه لتحقيق إنجازات على المستوى الدولي لها بداية وليس لها نهاية. وفي المحصلة النهائية لا يمكن أن يتم ذلك دون العمل الدءوب والرقي وهو ما تنبه له خادم الحرمين مبكرا وأوعز ببناء جامعة عملاقة ينتظر منها، كما قلنا سابقا، أن تكون في مصاف أفضل الجامعات العالمية. هذه هي الرؤية الثاقبة والفهم العميق لديناميكيات المستقبل والتي يجب علينا رصدها لكي نكون جزءا منها وسببا في تكوينها بدلا من أن نعيش على تخومها هامشيين والعالم يمضي نحو حقبة جدية.
إنشرها