Author

إدارة المشاريع في القطاعات الحكومية .. الواقع والمأمول

|
يمثل الجزء المخصص من ميزانية الدولة للمشاريع وملحقاتها من صيانة وتشغيل أكثر من 75 في المائة من الميزانية المعتمدة للدولة في كل سنة أو أكثر من 300 مليار ريال سنوياً, مع الأخذ في الحسبان العلاقة بين التكاليف الكلية والسيولة المعتمدة لكل سنة. وتشمل المشاريع التي تغطيها الميزانية المشاريع بأنواعها مثل تشييد الطرق والجسور وبناء المباني بأنواعها والمدارس والكليات والجامعات والشبكات بأنواعها مثل المياه والكهرباء والاتصالات وغيرها. إضافة إلى ذلك من المهم أيضاً إدراج برامج أو مشاريع الصيانة والتشغيل للمشاريع القائمة ضمن المشاريع, حيث إنه تتشابه مع المشاريع الجديدة في الحاجة إلى إدارتها بطريقة احترافية. وبطريقة أخرى يمكن اعتبار جميع البنود ما عدا تلك الخاصة بالرواتب والأجور مرتبطة بشكل أو بآخر بالمشاريع. ويمر أي مشروع بعدد من المراحل العملية التي تشمل تعريف المشروع والتخطيط والتنفيذ والمتابعة وتسلم المشروع. وتمثل المرحلتان: الأولى والثانية, وهي تعريف وتخطيط المشروع أكثر من 80 في المائة من حيث الأهمية لأي مشروع. ويتطلب ضمان نجاح أي مشروع توافر عدد من العوامل من أهمها توافر موارد بشرية متخصصة ومؤهلة لإدارة المشاريع ومنهجية علمية مقبولة لإدارة المشروع التي من خلالها يتم تطوير خطة زمنية لتنفيذ المشروع وخطة لإدارة المخاطر في المشروع وخطة لإدارة الموارد البشرية في المشروع, إضافة إلى توفير التقارير الدورية والفورية وعند الطلب عن وضع وأداء المشروع. ويجب التنويه إلى حقيقة وأهمية وجود أطراف مختلفة في المشروع من أهمها الجهة الحكومية والمقاول والاستشاري. ولنا أن نتصور نقاط الاختلاف ومنها وجود مصالح مالية مختلفة ومتطلبات قانونية سواء داخلية أو خارجية. وتتمثل الصعوبة في ضرورة وجود إدارة للمشروع تستطيع أن توفق بين هذه الأطراف وتفعلها بحيث تضمن سير المشروع بالشكل الصحيح. ونعتقد أن من أهم أسباب فشل المشاريع عدم توافر إدارة مؤهلة للمشروع. ولنا أن نتساءل عن كيفية اعتماد وإدارة المشاريع في القطاعات الحكومية, ففي نهاية كل سنة مالية تقوم كل جهة حكومية بتقديم ميزانيتها المتوقعة للمشاريع المستقبلية التي تكون عادة مبنية على أرقام السنوات السابقة مع بعض الزيادات. وبعد ذلك تتم المناقشة بين ممثلين من القطاع الحكومي والجهة المسؤولة في وزارة المالية, تتركز حول مبررات الطلب ودقة المبالغ المطلوبة. وبعد عدد من جولات المفاوضات يتم اعتماد ميزانية, وهي دائماً أقل بكثير مما تم طلبه من الجهة الحكومية. ومن الواضح أن تركيز وأساس إعداد ميزانية الدولة يعتمد على نظام البنود ولا يركز على تحقيق الأهداف الاستراتيجية. وبعد اعتماد الميزانية للجهات الحكومية، تبدأ كل جهة حكومية بطرح مشاريعها من خلال إعداد كراسة الشروط والمواصفات ويضاف إليها لاحقاً الشروط العامة ومن ضمنها المتطلبات العامة والنظامية والقانونية وغيرها. وجرت العادة في القطاعات الحكومية على إعداد كراسة الشروط والمواصفات داخلياً من خلال تعديل وثائق سابقة تغطي نطاق العمل نفسه. ويقوم موظفو إدارة المشاريع أو إدارة المواد أو إدارة تقنية المعلومات وغيرها بإعداد وثائق طلب العروض. وتكمن هنا أهمية ودور وتأثير وثيقة طلب العروض في سير ونجاح المشروع. فكلما ضعف مستوى وثيقة طلب العروض من حيث ـ على سبيل المثال ـ عدم وضوح وشمولية نطاق العمل وعدم وضوح ودقة المواصفات الفنية وعدم وضوح وتحديد المسؤوليات في المشروع بين القطاع الحكومي والمقاول زاد احتمال فشل المشروع. ومن خلال ما نرى في الواقع العملي فإن هناك عددا كبيرا من المشاريع فشلت بسبب ضعف وثيقة طلب العروض. ولا يعني أن مشروعا ما تم إنجازه يمثل نجاح المشروع. إن نجاح أي مشروع يتطلب توافر عدد من مقاييس النجاح وهي تحقق جميع معايير الأداء المطلوبة من المشروع بعد تنفيذه وتنفيذ المشروع ضمن الميزانية المتوقعة وخلال المدة المتوقعة. وإذا رجعنا إلى جميع المشاريع التي تم ويتم تنفيذها وتم تطبيق معايير تقييم المشاريع عليها لكانت النتيجة وجود قصور في أغلبية المشاريع الحكومية في أحد أو كل معايير النجاح. فكم من المشاريع الحكومية متأخرة وكم منها تجاوز الميزانية المعدة له, وكم منها تجاوز المدة المعدة له؟ وكم من المشاريع تم تكراره؟ وكم هذا التأخير وتجاوز المدة والميزانية يكلف ميزانية الدولة؟ وكم يكلف الدولة أيضاً الخسائر الناتجة من اللجوء إلى التحكيم في المشاريع المتعثرة سواء في المحاكم الداخلية أو في المحاكم أو التحكيم الخارجي؟ ولا غرابة أن نجد أن الأرقام لهذه التكاليف والخسائر غير المبررة أضعاف أضعاف الميزانية المعتمدة للمشاريع. ورغم هذه الحقائق المرة ما زالت طريقة العمل في المشاريع الحكومية هي هي لم تتغير, بل إن هناك إصرارا متزايدا من قبل البعض في القطاعات الحكومية على صحة المنهجية المتبعة في اعتماد وتنفيذ المشاريع الحكومية وإصرار أكبر أيضا من قبلهم على نجاح المشاريع وأن أي معوقات إنما هي بسبب عوامل خارجية وليس للجهة الحكومية أي تأثير. ولذا نسمع دائماً تصريحات من الجهات الحكومية أن سبب تأخر المشاريع المقاول, وهذا من منطلق ومبادئ إدارة المشاريع غير صحيح البتة, حيث إن المقاول ليس مسؤولا وحده عن أداء المشروع فهو أحد أطراف المشروع وليس الكل, فهناك الجهة الحكومية (العميل) من إدارة المشروع ومستفيدين وإدارة مالية والأهم الإدارة العليا وأيضاً وزارة المالية. ومن العوامل الأخرى التي تعانيها الجهات الحكومية عدم وجود إدارة احترافية متخصصة في إدارة المشاريع. عادة تتم إدارة المشاريع سواء توريد مواد أو أجهزة أو تشييد وبناء أو مشاريع استشارية أو تقنية معلومات من قبل موظفين في الإدارة المعنية أو من خلال تعيين لجنة لإدارة المشروع. وأياً كان الخيار فإن الموظف المعني بإدارة مشروع ما يقوم بذلك إلى جانب أعماله اليومية, بل إن أغلبية الموظفين في هذا المجال يعملون على إدارة أكثر من مشروع وفي الوقت نفسه بجانب أعمالهم اليومية. يضاف إلى ذلك عدم وجود المعرفة العلمية والخبرة العملية في إدارة المشاريع لأغلبية هؤلاء الموظفين إن لم يكن كلهم. إذاً في ظل مثل هذه الظروف كيف نتوقع أن تتم إدارة مشاريع عملاقة بالملايين وبعضها بالمليارات؟ إنما ما يحصل من قبل الموظفين المنوط بهم إدارة المشاريع هو قيامهم وبمهام بسيطة تتمثل غالباً في التنسيق بين المقاول والجهات المالية, خصوصاً فيما يتعلق بمتابعة المستخلصات المالية. أما النشاطات الأساسية في إدارة المشاريع من تعريف وتخطيط وتنفيذ ومتابعة وتقييم وإدارة مخاطر فهي على حد كبير غير مطبقة في الجهات الحكومية. كما لنا أن نتعرض بشكل عام لبعض العوامل الأخرى والمؤثرة في أداء وسير المشاريع الحكومية. ومن هذه العوامل الأنظمة والسياسات والإجراءات الحكومية ذات العلاقة بالمشاريع, فنظام المشتريات الحكومية ما زال يمثل عائقاً أمام إدارة المشاريع بشكل احترافي. ومن العوامل الأخرى أيضاً عدم وجود آلية ومرجعية واضحة في تأهيل وإدارة الموردين كما يتم العمل به في أغلبية الدول المتقدمة, وكذلك الشركات العالمية. ويضاف إلى هذا العامل عدم وجود نظام جزائي رادع للشركات عند ثبوت تقصيرها أو إهمالها بشكل متعمد. وسنتعرض لهذه العوامل وتأثيرها في المشاريع الحكومية في مقالات قادمة - إن شاء الله. وللحديث بقية..
إنشرها