Author

نعم .. توقيت الدوام الحكومي لا يساعد على الإنتاج!

|
أشير إلى ما كتبه الزميل الدكتور عبد العزيز الخضيري بعنوان ''7:30 صباحا .. هل ما زالت ضرورة؟!'' في صحيفة ''الاقتصادية'' بتاريخ 21/11/1430هـ, الذي طالب من خلاله بمراجعة وقت بدء العمل في الدوائر الحكومية, ودراسة بدائل مختلفة يمكن من خلالها اقتراح البديل الأنسب الذي يحقق القدرة على الالتزام والإنجاز والإتقان! ومع إشادتي بأهمية الطرح, وأهمية الموضوع, وتعلقه بإنجاز مصالح المواطنين التي غدت محل شكوى مستمرة نتيجة التعطيل والتأجيل, وتعلقه قبل ذلك بمسيرة التقدم والإنجاز في المملكة على كل المستويات, أتمنى أن تستمر مناقشة الموضوع في محاولة للوصول إلى رؤى وحلول تتلافى السلبيات وتحقق الغايات. وكمقدمة أرى أنه لا بد منها لإيراد نبذة عن التطور التاريخي للدوام الحكومي, أشير إلى أن أول تنظيم للدوام الحكومي تم في عام 1345هـ بحيث يبدأ في الساعة الثانية صباحا (بالتوقيت الغروبي) إلى أذان العصر, عدا أيام الجمع, (تعميم وزير المالية رقم 1534 بتاريخ 29/10/1345هـ), وفي عام 1374هـ نظم الدوام بحيث يكون لفترة ثماني ساعات لمدة ستة أيام عدا أشهر الصيف وشهر رمضان, حيث كان الدوام خلالها ست ساعات (قرار مجلس الوزراء رقم 164 بتاريخ 16/11/1374هـ), وفي عام 1395هـ أعيد تنظيم الدوام بحيث يكون ثماني ساعات على فترتين صباحية ومسائية باستثناء أشهر الصيف فكان الدوام خلالها ست ساعات (قرار مجلس الوزراء 102 تاريخ 18/9/1395هـ), بيد أن هذا التنظيم لم يستمر سوى فترة وجيزة, لما أحدثه من إرباك لحركة المرور, حيث جرى اعتماد التوقيت الحالي للدوام بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 1757 تاريخ 3/12/1395هـ. وكانت أهم السلبيات التي صاحبت العمل بهذا التنظيم, وظهرت فور تطبيقه هي الآتي: 1 ـ أنه من أقصر أوقات العمل التي تأخذ بها الدول, إذ القاعدة الغالبة هي العمل لفترة ثماني ساعات لمدة خمسة أيام في الأسبوع, وهو ما يتطابق مع ما كان معمولا به في الماضي كما رأينا. 2 ـ أنه يصعب الالتزام بالحضور مع بداية الدوام المبكرة, التي تصادف طلوع الشمس في بعض الفصول في مناطق من المملكة, ولذا كانت الشكوى مستمرة من عدم تمكن الموظفين من مباشرة العمل في هذا الوقت المبكر, وأحسن الإدارات التي تبدأ بعد الثامنة حتى وإن حضر الموظف قبل ذلك, لأنه يقضي بعض الوقت في تناول الإفطار, وتقارير الجهات الرقابية, سواء التابعة للجهة ذاتها أو الخارجية كهيئة الرقابة والتحقيق تثبت ذلك! 3 ـ تلازم الدوام مع خاصية تدني مستوى الإنتاجية, أولا لبدئه مبكرا, كما ذكرنا, وثانيا لاستمراره فترة واحدة دون وقت للراحة أو الطعام, وهناك أبحاث ميدانية أظهرت أن معدل ساعات الإنتاج للموظف لا يزيد على ثلاث ساعات فقط, ولعل هذا ما يفسر تذمر المواطنين وشكواهم من تعطيل مصالحهم وعدم إنجازها في الوقت المحدد! وهو ما أدى بالتالي إلى تضخم الجهاز الإداري للحكومة بسبب كثرة التوظيف نتيجة ضعف الإنتاج, ويؤدي كذلك إلى تراكم الأعمال ومن ثم تكليف الموظفين بالعمل الإضافي لإنجازها, وهو ما يرهق ميزانية الدولة. 4 ـ أن طبيعة الدوام في الحكومة أثرت سلبا في الإنتاج في القطاع الخاص, ولا سيما في الشركات المساهمة, التي أخذت تقتدي بالحكومة في تحويل الدوام إلى فترة واحدة دون فاصل, مع عطلة يومين في الأسبوع, وهو ما أضعف من قدرة هذا القطاع على الإسهام في التنمية وتحقيق التقدم! إن المتابع المتأمل لمراحل تطور الدوام يدرك السبب وراء اعتماد التنظيم الحالي, بيد أنه, أي التنظيم, قد غُلّبت فيه مصلحة الموظف وراحته على المصلحة العامة, إذ لا يوجد في الدول الأخرى موظفون ينهون أعمالهم عند الساعة الثانية والنصف ظهرا ليمضوا بقية النهار في النوم والراحة, بل وممارسة التجارة من قبل البعض منهم, إلا عندنا, بالضبط كما هو الوضع في المدارس حيث أصيب توقيت الدراسة بالعدوى من توقيت العمل, وأصبحنا نختص بأقصر يوم دراسي في أقصر عام دراسي, دون أن تظهر لنا فائدة واحدة من خروج الطلبة من المدارس مع صلاة الظهر أو قبلها, في بعض المراحل, أو حتى دخولهم إليها مع طلوع الشمس في بعض المناطق, حيث تصارع الأم (أو الخادمة غالبا) في انتزاع الطفل من فراشه ليبدأ الدرس وعيناه مغمضتان! لكننا نتمنى أن يكون هذا الأمر من ضمن ما يأخذه مشروع تطوير التعليم في الاعتبار! لا أريد أن أنفرد بتبني رأي محدد, لكني أطرح المشكلة وأترك الفرصة للبحث والاجتهاد, على أن من المفروغ منه أن البداية الحالية للدوام غير ملائمة البتة, وأن أي بداية بعدها كأن تكون الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف, أو حتى التاسعة, ستكون مقبولة من الناحية العملية, على أن يبقى هيكل الدوام وهو سبع ساعات لخمسة أيام كما هو, وعلى أن تتخلله ساعة (غير محسوبة من الدوام) لأداء الصلاة وتناول وجبة خفيفة. إن المفكرين وأصحاب الرأي والمخلصين من رؤساء الإدارات, فضلا عن المواطنين الذين يراجعون الإدارات لقضاء مصالحهم, يرون أن الدوام الحالي يحتاج إلى المراجعة وإعادة النظر, بل والتطوير بما يتماشى مع منظومة الإصلاح والبناء والإنجاز, التي يدعو إليها ويقودها خادم الحرمين الشريفين, وأن أحرى من يتلمس سلبيات الوضع ويعمل على إنهائها هو مجلس الشورى ومجلس الخدمة المدنية وهيئة الرقابة والتحقيق. والله من وراء القصد.
إنشرها