Author

اللغة العربية ليس لها إلا عبد الله بن عبد العزيز (1 من 2)

|
أن يعتبر تقرير منظمة اليونسكو اللغة العربية إحدى اللغات المرشحة للانقراض في نهاية القرن الحالي كما لو أنها إحدى لغات الأدغال الإفريقية وليست لغة يتكلم بها ما يزيد على 300 مليون شخص والوعاء الثقافي لدينٍ يتبعه ما يزيد على ربع سكان الكرة الأرضية، أو أن يطلق تقرير التنمية الإنسانية العربية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي صرخة مدوية عن حجم ونطاق التخلف المعرفي للغة العربية بقوله ''إن ما ترجم إلى العربية منذ عهد المأمون وحتى الآن لا يتجاوز ما تترجمه إسبانيا في عام واحد''، كل ذلك دليل على انهيار حضاري نعيشه يؤكده واقع ندركه جميعا في حياتنا اليومية. فلم نعد نسمع أي ذكر للمجامع اللغوية منذ زمن الشاطر والمشطور وبينهما طازج، والجامعات العربية تتسابق فيما بينها لتحويل لغة التعليم إلى الإنجليزية غير آبهة بدورها الكارثي في صياغة وجدان وثقافة الأمة، وفي معظم الدول العربية لا تستطيع أن تقضي بعض حاجاتك البسيطة ما لم تكن تجيد اللغة الإنجليزية التي أصبحت لغة قطاع الأعمال دون منازع. وإذا أخذنا في الحسبان أنه لم تستطع أي أمة في التاريخ أن تنهض دون أن تعتني بلغتها الوطنية وتتبنى مشروع ترجمة ضخما ينقل إلى لغتها حصيلة المعرفة الإنسانية من الثقافات الأخرى، فإن من يدعي أنه يمكن لأمتنا أن تنهض دون ذلك فإنه لا بد أن يكون قد جاء من كوكب المريخ ولم يطلع على تاريخ الحضارة الإنسانية على الكرة الأرضية. فالنهضة الإسلامية في عهد الدولة العباسية تحققت بفضل إقامة الخليفة المأمون لدار الحكمة التي كان عملها الوحيد ترجمة تراث الأمم والحضارات الأخرى، حيث سخر لها المأمون أفضل العقول وبذل لهم أجزل العطايا، فتمكنت هذه الدار من ترجمة أمهات الكتب من الحضارات اليونانية والإغريقية والفارسية والهندية، ومن ثم قامت حضارة زاهرة جعلت الطلاب يأتون من شتى بقاع الدنيا للدراسة في الجامعات العربية في الأندلس وغيرها. والنهضة الأوروبية لم تبدأ إلا بعد تبني الحكومات الأوروبية للترجمة الكثير من التراث العربي في العلوم كافة، والذي لم يحتو على إنجازات العرب العلمية والثقافية وإنما أيضا تراث الحضارات السابقة، حيث كان لترجمتها العربية دور أساس في حفظها، وكان من الممكن فقدها إلى الأبد لولا ترجمتها العربية. والنهضة اليابانية في القرن الـ 19 لم تتحقق من خلال تهميش اللغة اليابانية وإنما نتيجة برنامج ترجمة ضخم جداً تبناه الإمبراطور الياباني المتنور مايجي، واستمرت على النهج نفسه جميع الحكومات اليابانية المتعاقبة منذ ذلك الوقت وإلى يومنا الحاضر، حيث تعتبر الحكومة اليابانية الآن واحدة من أكثر حكومات دول العالم اهتماما بالترجمة وتدفع أجزل المكافآت للمترجمين بحيث تترجم في كل يوم مئات الكتب إلى اليابانية. أما نحن، عرب القرن الـ 21، فلا يسعنا ما يسع الأمم الأخرى التي نهضت وأصبحت منبراً للتقدم والعلم، وأصبحنا نرى أن تقدمنا لا يمكن إلا من خلال تدمير لغتنا وطمس هويتنا الثقافية، ومن الغريب أن يكون من يتبنى ذلك هم مثقفونا والقائمين على أنظمتنا التعليمية، وهو ما يظهر مدى التردي الذي وصل إليه وضعنا وإدراكنا للعالم من حولنا. فأهم الدروس المستفادة من تجارب النهضة العالمية بدءا من بيت الحكمة ومروراً بالنهضة الأوروبية وحتى اليابانية هو استحالة قيام نهضة حقيقية في أي أمة ما لم يكن هناك اعتناء فائق بالترجمة إلى لغتها الوطنية الذي يسمح بقيام نهضة ثقافية وعلمية شاملة وليست محصورة في النخبة ومن يجيدون اللغات الأجنبية. والدرس المهم الآخر هو أنه لا يمكن أن تترك الترجمة للجهود والاجتهادات الفردية بل يجب أن يكون برنامج حكومي ينفق عليه بسخاء تام، وهذا ما لم يحدث حتى الآن في عالمنا العربي، حيث تركت الترجمة في الغالب للجهود الفردية، فيما عدا مجهودات محدودة هنا وهناك لا تكفي ولا يمكن أن تغير من الواقع الكارثي للمحتوى المعرفي في اللغة العربية. خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي ارتبط عهده الميمون باهتمام غير مسبوق بالتعليم والثقافة، الذي يتجلى في النمو الكبير في التعليم العالي في المملكة، وتخصيصه لمبالغ ضخمة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وإطلاقه لأكبر مشروع في تاريخنا لتطوير التعليم خصص له مليارات الريالات، وتبنيه لجائزة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز للترجمة، جميعها تؤكد إيمانا عميقا لدى خادم الحرمين بأهمية التعليم والثقافة في حياة أمتنا وقناعة أكيدة بأنه الطريق الوحيد لنهضة أمتنا. من ثم فإن خادم الحرمين خير من يعول عليه، بعد الله، ليس فقط للحفاظ على لغتنا العربية وإنما أيضا لتحويلها إلى لغة علم وثقافة عالمية، من خلال إنشاء دار حكمة جديدة تكون مركزا عالميا للترجمة إلى العربية، مهمتها ترجمة أمهات الكتب من اللغات المختلفة إلى العربية في جميع العلوم والتخصصات دون استثناء ومتابعة كل جديد ومهم يصدر في اللغات الأخرى ليترجم إلى العربية دون أدنى تأخير. وسيكتب التاريخ اسم خادم الحرمين بماء الذهب نتيجة لهذا العمل الجبار وستخلد هذه الدار ذكراه - إن شاء الله - لمئات السنين كما خلدت دار الحكمة المأمون.
إنشرها