Author

الإنتاجية في بيئات العمل الوطنية بين الواقع والمأمول

|
القوى العاملة Workforce في أي جهة عمل خاصة كانت أو عامة هي الوقود الحقيقي الذي يرفع جودة العمل وإنتاجيته ويُحقق رِضاء مُلاكه والمُستفيدين منه (عملاء أو مراجعين)، لذا تجد كبريات الشركات الناجحة حول العالم تُولي أمر تطوير بيئة العمل أهمية كبرى لتجعل منها بيئة مُحّفزة للإنتاج.. آمنة ومستقطبة للكفاءات، وهذا الجانب هو أحد المحاور المهمة والمتكاملة في عملية بناء وتطوير العمل بشكل عام ومستمر ليحقق أعلى ربحية ونمو ممكن. جدير بالذكر هنا أن نجاح تلك الشركات جاء من وراء تطوير قِواها العامِلة وفقاً لمسار تطوير وظيفي تراكمي evolutionary improvement path يرتبط بطبيعة المسؤوليات الوظيفية المباشرة وغير المباشرة ويتبّع منهجيات تطوير إداري واضحة ومتكاملة تساعد على تحقيق أهداف استراتيجية لجهة العمل أياً كانت. تتمحور معظم منهجيات التطوير و الإدارة بكل أشكالها سواء إدارة المشاريع (مثل: PMP)1 أو إدارة الجودة (مثل: TQM أو Six Sigma أو ISO)2 أو تطوير القوى العاملة (مثل: People - CMM)3 أو غيرها من مجالات الإدارة حول ما يسمى إدارة عمليات العمل Business process management BPM، وتقوم على أساس تعريف كل العمليات والإجراءات الرئيسة التي يجب تنفيذها لتحقيق الخدمة المنوطة أو إنتاج المنتج المطلوب بالمواصفات المطلوبة ومن ثم تحديد الإدارات والأقسام والموظفين المسؤولين عن كل عملية process وما هي مدخلاتها؟ ومن أي موظف أو جهة تأتي؟ وما هي مخرجاتها؟ ولأي موظف أو جهة تذهب؟ كل ذلك في إطار عمل موثق بالشرح والرسومات التوضيحية ليكون معلوما ومطبقا من جميع الموظفين وهذا بالضبط وباختصار ما يسمى هندسة إجراءات العمل. إذاً وفقاً للمقدمة المختصرة أعلاه يمكن اختصار أهم ما يمكن أن تقدمه الهيئة أو المؤسسة لتطوير بيئة العمل وجعلها أكثر إنتاجية وجذباً للكفاءات في النقاط التالية: 1. وضوح مسؤوليات الموظف تجاه عمله وعلاقته إدارياً بأطراف العمل الأخرى بشكل دقيق. 2. العمل ضمن استراتيجية وخطة واضحة تكون بمثابة البوصلة التي تحدد اتجاه العمل والأداة التي تسهل قياس إنتاجية الموظف وترصد إنجازاته أو إخفاقاته. 3. التدريب والتأهيل وفقاً لمسار وظيفي وبشكل تراكمي يزيد خبرات الموظف بوظيفته تدريجياً مما يسهل عليه فهم عمله ويزيد من إبداعاته فيه. 4. إشراك الموظف بشكل مباشر أو غير مباشر في حياكة سمات العمل التطويرية ورسم معالمه مع تشجيعه وحفظ حقوقه الفكرية والمادية، وحقه في الترقي بناء على هذا التميز بكل إنصاف وحيادية. 5. تحديد الراتب والبدلات والحوافز بناء على المؤهلات والخبرات وطبيعة العمل والمسؤوليات بشكل شفاف بعيد عن المحسوبيات أو ما يسمى بالواسطة. وهنا وعند مقارنة ما ذكرناه حول بعض سمات ومعالم بيئة العمل الصحية، المشجعة للإبداع والمستقطبة للكفاءات بما هو مطبق في بيئات العمل الخاصة والحكومية في بلادنا الغالية نجد العجب العجاب، فالسمة السائدة مع الأسف في أكثر تلك القطاعات هي الإحباط المركب، ولكن وقبل أن أسترسل في وصف معالم بيئات العمل هذه، دعني أبدأ من باب ذكر الجميل والتفاؤل بجهود المبدعين والمخلصين من أبناء هذا الوطن الغالي بالقول إن هناك توجهات ومبادرات جميلة ورائعة من بعض الشركات الوطنية وكذلك عدد من القطاعات الحكومية لتطوير بيئات العمل وإتباع أنجح المنهجيات وتحقيق أجود المعايير مدعومين بتوجيهات وتشجيع ولاة أمرنا ـ وفقهم الله، وكذلك مبادرات بعض الصحف الوطنية وغيرها في تقييم وتصنيف بيئات العمل المختلفة ونشر أسماء الشركات أو القطاعات المتميزة ولعل ما قامت به صحيفة “الاقتصادية” السعودية في هذا المجال لعامي 2007 و2008 يعد خطوة جميلة ومثالا رائعا على تلك المبادرات التي تخلق روح التنافس على التميز والإبداع، ولكن لا بد من تشخيص بيئات العمل المحبطة وتعرية معالمها من باب نقدها نقداً بناء والبحث لها عن علاج يُصلح بها ما أفسد الدهر، ولعل كل منا اصطدم حتماً بشيء من أعراضها إما أثناء عمله في إحداها أو أثناء مراجعاته لبعض منها. يعتقد البعض أن المرتب الشهري المرتفع للموظف هو الهم الوحيد الذي يمكن أن يُرغب في بيئة العمل ويجعلها أكثر إنتاجية، والحقيقة أنه رغم أهميته وبروزه في قائمة أولويات الموظف إلا أنه لا يكفي وحده بل قد لا يُغيّر أي شيء في إنتاجية الموظف وحبه لعمله ذلك أن هناك عوامل أخرى مؤثرة في الموضوع من شأنها أن تكون عقبات في طريق الإبداع وخلق بيئة عمل منتجة ومريحة أذكر أهمها فيما يلي: 1- عدم الوضوح في مسؤوليات الإدارة والأقسام والموظفين كما هو حال كثير من الجهات الحكومية لدينا يتسبب غالباً في كثير من الخلط والخلافات وتبادل التهم بالتقصير أو التهرب من المسؤولية أو الاتكالية، وهذا ما يمكن حله عن طريق ما يسمى بإعادة هندسة الإجراءات لكل إدارة، حيث يحدد لكل إجراء أو عملية مسار تنفيذ يوضح مدخلاته ومخرجاته ومن المسؤول عنه في كل مرحلة من مراحله، على أن يكون ذلك موثقا برسومات سهلة الفهم وشروحات يمكن الرجوع إليها عند أي خلاف. 2- عدم وجود استراتيجية واضحة لكثير من الإدارات والأقسام وخاصة التي تعتمد على مبدأ الإنتاجية توضح الأهداف (القصيرة والمتوسطة والبعيدة) والآليات التي يجب إتباعها لتحقيق تلك الأهداف وخطة العمل التي تضبط الفترات الزمنية المناسبة للإنجاز والمسؤوليات، وهذا من شأنه أن يجعل معظم قرارات العمل ارتجالية تركز على جوانب من العمل وتهمل أخرى، وقد يمضي الموظفون في أداء مهام محددة يتم إلغاؤها فيما بعد بشكل غير متوقع لأي سبب مثل تغيير رئيس القسم أو المدير العام، وهذا كله من شأنه إحباط الموظف وإشعاره بالفوضى وعدم الاستقرار. 3- سلالم الوظائف الحكومية في صورتها الحالية تساوي بين جميع التخصصات والمراكز الوظيفية على المستوى أو المرتبة نفسها، مما يساوي بين المدير العام ورئيس القسم والموظف العادي في الراتب والمزايا رغم اختلاف الجهود والإنجازات، وهذا يحبط كثيرا منهم ويقلل اهتمامهم وإنتاجيتهم، ولحل ذلك يلجأ بعض المسؤولين لتعويض بعض أولئك المديرين أو رؤساء الأقسام بطرق مختلفة من بعض البنود التي تسمح بذلك دون وجود معايير نظامية موحدة مما يُخضع تقديراتهم في كثير من الأحيان للأخطاء أو الأهواء والمحسوبيات، وهذا بدوره يحبط كثيرا من الموظفين ويشعرهم بالظلم أو العنصرية. 4- الفوضى في التدريب والتطوير الوظيفي الذي لا يخضع لمعايير دقيقة لاختيار الدورات التي تتناسب مع حال الموظف وحال الوظيفة ومسؤولياتها، وهذا يهدر الأوقات والنفقات دون أن يعود بالنفع المأمول على العمل، ويتبع ذلك أيضاً عدم وجود معايير واضحة لترشيح الموظفين لتلك الدورات مما يخضع الموضوع أحياناً إما لجهود الموظف واستماتته لحضور تلك الدورات أو لقناعات المسؤولين عن التدريب وفي هذه الحالة قد لا يخلو ذلك من تأثير المحسوبيات والعلاقات الشخصية. ختاماً, فإن الحرص على هندسة إجراءات العمل وتوضيح مسؤوليات كل موظف وتدريبه وتطويره وفقاً لمتطلبات قيامه بتلك المسؤوليات الحالية أو المتوقعة مستقبلاً، واحترامه وحفظ حقوقه الفكرية والمادية والعدل بينه وبين زملائه ومشاركته في عملية تطوير بيئة العمل بشكل مباشر أو غير مباشر، إن ذلك كله من شأنه أن يجعل من بيئات العمل في بلادنا بيئات صحية، منتجة وعلى قدر التحدي في عصر العولمة الذي يزداد فيه التحدي مع كبريات الشركات العالمية ولن يبقى فيه مكان للضعيف المتخاذل. 1. منهجية PMP إحدى أشهر وأهم منهجيات إدارة المشاريع www.pmi.org. 2. إدارة الجودة الشاملة TQM ومنهجيتي Six Sigma وISO هي أهم وأشهر منهجيات إدارة الجودة المتبعة هذه الأيام. 3. منهجية People-CMM هي إحدى المنهجيات المتفرعة من منهجية CMMI والتي تعنى بإدارة وتطوير القوى العاملة وفقاً لأفضل المعايير المجربة عالمياً.
إنشرها