Author

هل تعاملت دول الخليج مع إفرازات الأزمة العالمية كمجموعة؟ وما الدروس المستفادة؟

|
إن الأزمة الاقتصادية العالمية بدأت كأزمة بنكية في شهر آب (أغسطس) 2007، ثم تحولت إلى أزمة مالية بعد انهيار بنك ليمان براذرز، في أيلول (سبتمبر) 2008 ثم عمت بعد ذلك جميع نواحي الحياة الاقتصادية. وقد بدأت أولا في الولايات المتحدة ثم انتقلت إلى أوروبا ومن ثم انتشرت في جميع أنحاء العالم. ورغم أن العالم واجه في الماضي أزمات اقتصادية مختلفة الحدة إلا أنه لا يمكن مقارنة هذه الأزمة من حيث الحدة والشمولية إلا بالركود الكبير الذي ألقى بظلاله الكئيبة على الاقتصاد العالمي لأكثر من أربع سنوات خلال الفترة من 1929 إلى 1933. لقد تأثرت أوروبا نتيجة للأزمة تأثراً كبيراً للغاية لدرجة أن بعضاً من دولها كان مهدداً بالإفلاس، ولا تزال بعض الدول الأوروبية الصغيرة في منطقة الخطر. وكان يتوقع أن تكون ردود الفعل الأوروبية أكثر تماسكاً، إلا أن التنسيق فيما بين دولها كان أقل من التوقعات. ولعل البنك المركزي الأوروبي في منطقة اليورو كان أكثر إحساساً بالمسؤولية، حيث إن دوره كان أكثر بروزاً من المؤسسات الأوروبية الجماعية الأخرى. وكانت الدول الآسيوية قد اتخذت بعض الاحتياطات عندما واجهتها الأزمة الآسيوية في عام 1998 ما جعلها أكثر استعداداً لمواجهة الأزمة، لذا شاهدنا بروز التنسيق فيما بينها في المجالات النقدية بشكل خاص ما جعل معدلات نموها الاقتصادي في نهاية هذه السنة وتوقعات النمو في العام المقبل أعلى من أية منطقة أخرى. لن أدخل في تقدير التأثيرات السلبية الكلية والأعباء المادية التي كتب عنها الكثير ولا تزال التقديرات بشأنها تتوالى. كما لن أتعرض لتشخيص الوضع الحالي للاقتصاد العالمي، حيث سأترك ذلك لبحث لاحق. غير أنني أورد نصاً حديثاً ودقيقاً حول الموضوع يعكس واقع الحال يقول «إن الأزمة المالية انتهت تقريباً. أما حل الأزمة الاقتصادية فلا يزال في منتصف الطريق, حيث إن الركود الاقتصادي قد ولى لكن النمو لم يبدأ إلا للتو». سأحاول، عوضا عن ذلك أن أرصد فيما إذا كانت هناك ضرورة للقيام بتحرك جماعي بين دول مجلس التعاون للتعامل مع نتائج هذه الأزمة وهل استجابت الجهات المختلفة لذلك حسبما كان متوقعاً. ثم أختتم ببعض التوصيات والدروس المستفادة. أولا يمكن أن ينظر إلى تعامل دول مجلس التعاون مع الأزمة من عدة زوايا من أهمها: أ – كدول منتجة للبترول من هذه الزاوية نلاحظ أن الطلب على البترول انخفض ثم انخفض سعره تبعاً لذلك. كما انخفض سعر صرف الدولار مقارنة بالعملات الرئيسية الأخرى مما قلل من القيمة الشرائية للعوائد البترولية. كما أن شركات البترول الرئيسية والبنوك الدولية قد أحجمت عن الدخول في مشاريع الاستثمارات البترولية وتمويلها، مما جعل عبء تمويل التوسعات في الإنتاج والنقل والتكرير والتوزيع يقع على عاتق الدول المنتجة ومنها دول مجلس التعاون. وقد أدارت دول مجلس التعاون انعكاس الأزمة على السوق البترولية باقتدار في إطار منظمة الدول المنتجة للبترول (أوبك) إلا أن التعامل مع انخفاض الدولار لا يمكن أن يتم إلا في إطار جهود دولية لإعادة هيكلة النظام النقدي الدولي، وهذا لا يتم إلا بمبادرة من الهيئات الدولية المختصة مثل مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي. وحتى الآن ليس هناك أي تقدم يذكر بهذا الشأن. أما موضوع تمويل التوسعات في الإنتاج والنقل والتكرير فقد واجهته كل دولة على حدة ومولته من مواردها الذاتية. ب – كدول مستثمرة في الأسواق الدولية يجب أن نفرق بين الاستثمارات الخاصة والاستثمارات العامة. فالاستثمارات الخاصة ترفض التدخل بشؤونها لأسباب معلومة. أما الاستثمارات العامة فهي في الغالب في أوراق حكومية متاحة لكل المؤسسات والهيئات المشابهة من جميع أنحاء العالم ولا تتطلب أي تنسيق بين الأجهزة الخليجية المختصة. أما الاستثمارات العامة في رؤوس أموال الشركات الأجنبية فهي في العادة تخضع لمفاوضات بين طرفين لا يقبلان بتدخل طرف ثالث، ما يجعل فرص التنسيق غير واردة. أما من حيث الربحية فإنه فيما عدا الأوراق المالية الحكومية شهدت الاستثمارات برساميل الشركات والبنوك انخفاضا حادا. تسبب في بعض الخسائر للاستثمارات الخليجية وهناك تقديرات منشورة لهذه الخسائر. كما أن ارتفاعها فيما بعد حقق أرباحا لبعض المستثمرين الخليجيين. ج – كدول مستوردة لرأس المال. في هذا الإطار تنسق دول المجلس لجعل أسواقها جذابة من حيث القوانين والقواعد والإجراءات، لكنها في الحصيلة النهائية تتنافس على اجتذاب المستثمرين. ولاشك أن الاستثمارات الأجنبية قد تقلصت أثناء الأزمة وطال ذلك الجميع. دـ - كدول مقترضة. إن التنسيق قائم بين دول المجلس في المجالات النقدية والمالية والبنكية للعمل على تحسين ملاءتها الاقتراضية. إلا أنه لا يفترض أن يكون هناك تنسيق فيما بينها للحصول على القروض. وفيما عدا دول الفائض الرئيسية فإن بقية دول المجلس قد عانت كثيرا من جراء انحسار الإقراض وارتفاع تكاليفه وتعثر السداد. ويمكن الإشارة في هذا الشأن إلى ما تواجهه إمارة دبي والحلول التي وضعت لذلك في إطار الإمارات العربية. هـ – كدول مستوردة. التنسيق في هذا الإطار يكون عن طريق الاتفاقيات التجارية الجماعية للحصول على أفضل الشروط والشراء الجماعي لبعض السلع الأساسية. وهذان حاصلان قبل وأثناء وبعد الأزمة. أما عملية الاستيراد فتتم عادة بواسطة القطاع الخاص وتخضع للمنافسة حتى داخل الدولة الواحدة. وعلى أي حال فإن الأزمة الحالية قد أفرزت انخفاضاً حاداً في أسعار معظم السلع وبالتالي انخفاض فاتورة الاستيراد وجعل المشاريع التنموية التي تنفذها دول المجلس أقل تكلفة. ثانيـاً: أما إذا تتبعنا الخطوات التي اتخذتها كل دولة على حدة فسنلاحظ، عددا من المبادرات تمثلت في صدور قرارات وطنية بدعم البنوك وتوفير السيولة اللازمة لاستمرار نشاطها الإيرادي وضمان الودائع وتخفيض أسعار الفائدة إلى الحدود الدنيا وضخ مبالغ كبيرة لتوفير السيولة اللازمة للاقتصاد وزيادة رؤوس أموال بعض البنوك وقيام مؤسسات التمويل الرسمية بمضاعفة نشاطها للتعويض عن النقص الحاصل في التمويل الدولي، واتخاذ بعض الإجراءات غير العادية للوفاء بالالتزامات، كما شاهدنا في قضية إصدار السندات الخاصة بإمارة دبي والإصرار على الاستمرار بالخطوات اللازمة لإصدار العملة الموحدة. إلا أن التنسيق كان أقل من المتوقع في عدد من الحالات أورد بعضاً منها:- أ – النظر في مساعدة بعض المؤسسات المشتركة التي ضربتها الأزمة في الصميم. ب- معالجة أوضاع بعض الشركات العائلية التي كانت لها علاقة مالية في جميع دول المجلس والتي تعرضت لهزات قوية هددت كيانها وكيانات البنوك الدائنة لها. ج – إصدار بعض القرارات من طرف واحد مما أحرج بعض الدول الأخرى مثل قضية ضمان الودائع وشراء بعض الأصول المتعثرة وزيادة رساميل بعض البنوك من الخزين العامة ... إلخ. ثالثا: أما إذا حاولنا استخلاص بعض الدروس من هذه الأزمة فإنه يمكن التقدم بعدد من التصورات : 1- إن قيام دول المجلس بربط هياكلها الأساسية من كهرباء وقطارات واتصالات وطرق ومطارات وربط أسواقها المالية وتوحيد عملاتها بما في ذلك إنشاء المؤسسات المشتركة المسؤولة عن هذه الأنشطة، وتكثيف الجهود للوصول إلى اتفاقيات تجارية واستثمارية مشتركة بين دول المجلس ودول المجموعات الاقتصادية الرئيسية، إلى جانب الخبرات التي اكتسبتها دول المجلس في إدارة الأزمات، سوف تجعل دول المجلس أكثر قدرة على مواجهة أية أزمات مماثلة في المستقبل. 2 – لقد نجحت البنوك المركزية في مواجهتها الأزمة. ولا شك أن وجود فوائض كبيرة لدى عدد من الدول ساعدها على ذلك، كما ساعدتها الخبرات التي اكتسبتها في التعامل مع الأزمات التي واجهتها في السابق أثناء الحرب العراقية الإيرانية والاحتلال العراقي لدولة الكويت والأزمة التي واجهتها المنطقة أثناء حرب تحرير الكويت. إلا أن هناك بعض نواقص برزت في معالجة بعض جوانب الأزمة مثل الأزمة العقارية التي ما زالت تواجه بعض الإمارات، وعدم شراء أصول بعض الشركات والبنوك المتعثرة فيما عدا بعض الحالات النادرة، وتلكؤ البنوك في تقديم القروض لكي ينهض الاقتصاد من كبوته ومجالات أخرى ذكرتها أعلاه. لذا فالمجال واسع لمزيد من التنسيق بين البنوك المركزية حول مختلف القضايا ذات العلاقة. كما أن الإسراع في إنشاء مجلس النقد ومن ثم البنك المركزي الموحد سيسهم في تحسين قدرة دول المجلس على مواجهة الأزمات مستقبلاً. 3 – لايزال ينظر إلى عضوية مجالس إدارات الشركات والبنوك على أنها للوجاهة. فبعض أعضاء مجالس هذه الإدارات لا يتابعون ما يجري داخل الشركات. وكثيراً ما تترك أوراق مجلس الإدارة دون قراءة. فلابد أن تكون هناك قواعد واضحة لعمل أعضاء مجالس الإداراتتنص على محاسبتهم عما يجري في هذه الشركات من تجاوزات وتحديد مدد زمنية لعضويتهم لا يجوز تخطيها، وأن تتأكد الجهة الرسمية المختصة كوزارة التجارة ومؤسسة النقد من تطبيق هذه القواعد. 4 – أظهرت الأزمة نقصاً في قدرة بعض إدارات الشركات خصوصاً العائلية على التصرف بحكمة وحزم لمواجهة تبعات هذه الأزمة. ولهذا لابد من النظر بجدية لفصل الملكية عن الإدارة. 5 – تلعب الشركات العائلية دوراً مهماً في قيادة وتحريك اقتصاديات دول المجلس وتوفير قدر كبير من احتياجات السوق في القطاعات التجارية والصناعية والمالية والخدمة والمقاولات. وقد وصلت إلى هذا المستوى بفضل بُعد نظر أصحابها وجدهم واجتهادهم، وبفضل النمو السريع الذي شهدته المنطقة، وكذلك بفضل الفرص التي أتاحتها لهم الجهات الرسمية. إلا أن الأزمة المالية الحالية أظهرت هشاشة بعض هذه الشركات وفرضت ضرورة إعادة هيكلتها بما في ذلك إمكانية تحويلها إلى شركات مساهمة. لذا يحسن للجهات الرسمية تسهيل الأنظمة التي تسمح بإعادة هيكلتها، وأن تتدخل عند الحاجة لوضع الحلول المناسبة. 6 – أثبتت الأزمة نقصاً في أدوات وأجهزة تحليل المخاطر خصوصاً لدى بعض البنوك بما في ذلك البنوك الإسلامية. لذا لابد من تحسين هذه الأدوات وإنشاء الأجهزة المؤهلة لتحليل المخاطر، كما يجب على مجالس الإدارات أن تلعب دوراً قيادياً في هذا الشأن من حيث وضع الأنظمة ومتابعة التنفيذ، إضافة إلى قيام الأجهزة الرقابية بواجبها في هذا المجال. 7 – إن موضوعي الشفافية والإفصاح رغم ما كتب بشأنهما ورغم القوانين والأنظمة التي أكدت توافرهما، إلا أن توافرهما لايزال محل تساؤل في عدد من الشركات والبنوك بما في ذلك البنوك الإسلامية والشركات العائلية. لذا لابد أن تقوم الأجهزة الإشرافية المختصة بالتأكد من توافر الشفافية اللازمة والإفصاح الكافي، حماية للمستثمرين والمودعين والاقتصاد الوطني ككل. 8 - إذا كانت للأزمة الاقتصادية الحالية من حسنات فقد يكون أهمها اقتناع المستثمرين من دول مجلس التعاون بأن الاستثمار في بقية الدول العربية أصبح أكثر جاذبية وذلك بعد أن تكبدوا خسائر كبيرة من الاستثمار الدولي وبعد أن أقفلت تقريباً الملاذات الضريبة التي كانت منتشرة حول العالم. لذا فإن على الدول العربية المستوردة للاستثمارات أن تحسن قوانينها وبيئتها الاستثمارية لاستقبال الاستثمارات الخليجية.
إنشرها