Author

معركة التورق

|
تشهد المصرفية الإسلامية على المستويين المحلي والعالمي تطوراً كبيرا في مجال الصناعة المصرفية، ما لفت الأنظار إليها وجعلها تنافس لتحتل مكانة مرموقة في الاقتصاد العالمي، إلا أنه من المؤسف أن تجد بعض الباحثين والمتخصصين في مجال المصرفية الإسلامية يسهمون من حيث لا يشعرون في تراجع هذه الصناعة ويقفون أمام تطورها وتقدمها بطريقة غير مباشرة؛ وذلك عندما تطرح منتجات المصرفية الإسلامية للحوار والنقاش تجد الاختلاف، وهذا أمر طبيعي، إلا أنه يتطور حتى يصل إلى النزاع والانقسام ويخرج عن طور الخلاف العلمي، فمنتج التورق وهو أحد وسائل التمويل المستخدمة حالياً في المصرفية الإسلامية عندما أجيز من بعض الهيئات الشرعية وبدأ تطبيقه، بدأت حملات من بعض المجيزين والمحرمين في التراشق والانتقادات، فالمحرّمون يرون أن المجيزين متساهلون، والمجيزون يرون أن المحرّمين متشددون فأصبحوا فريقين فريق التشدد وفريق التساهل! بل للأسف تم إنزال مثل هذه الألقاب على علمائنا الأفاضل، والتشدد مذموم والتساهل والتراخي في الفتوى أيضاً مذموم، فإذا قسمنا علماءنا بين متشدد ومتساهل، فماذا بقي؟ إننا بهذا نكون قد تعدينا على علمائنا وأخطأنا أكبر الخطأ عليهم، حيث بهذا التقسيم كلهم مخطئون وكلهم محل انتقاد!، إن الواجب علينا البلاغ المبين وأن نتقبل الرأي الآخر إذا كان مبنياً على الدليل ومما يقبل فيه الخلاف، وألا يشنع بعضنا على بعض أو أن ندخل في النيات أو في التصنيف، فالنوايا أمرها إلى الله. سارت وتسير عجلة التطور والتقدم في العالم بشكل متسارع يوجب علينا أن ننظر إلى المستقبل بشكل جاد وحازم، خاصة في المجال المصرفي الإسلامي فإن في ذلك خدمة لديننا الإسلامي؛ لهذا على من يحرّم أيا من منتجات المصرفية الإسلامية أن يبحث ويبتكر ويطور منتجات مصرفية حديثة يمكن تطبيقها وتحقق عوائد مالية مقبولة للمؤسسات المالية متوافقة مع الأحكام الشرعية، كما أن من يجيز أياً من منتجات المصرفية الإسلامية عليه أن يراعي مقاصد الشريعة الإسلامية ومآلات الأفعال حتى لا تكون بعض المنتجات سبباً في تراجع الصناعة وتدهورها، كما عليه ألا يقف عند حدود المنتجات الموجودة لديه، بل عليه أن يسهم في التطوير والابتكار، بل وفي التطبيق للمنتجات الإسلامية المستجدة بما يحقق للصناعة الإسلامية تميزها ويخدم رسالتها في خدمة المجتمع وتعزيز التنمية الشاملة. إن المصرفية الإسلامية بشكلها الحديث خرجت من بطون الكتب المستمدة من الكتاب والسنة أخرجها علماء مجتهدون وباحثون متمكنون بعد جهود مضنية في التأمل والبحث والاستقراء والمقارنة والقياس لتخرج إلينا هذه الصناعة المصرفية بشكلها الحديث، التي بدأت بمنافسة المصرفية التقليدية، وأصبح العالم يتسامع بهذه المصرفية وبدأت حتى الدول التي لا تطبق الإسلام في تطبيق هذه المصرفية. لقد حققت المصرفية الإسلامية مكتسبات علينا ألا نغفلها أو أن نهدمها من حيث لا ندري، بل علينا أن نقوم المسيرة ونصلح الخلل وأن ننظر إلى مقاصد الشريعة عند تطبيق الأحكام، فالجميع مخاطب والجميع مسؤول، فالتورق أو التورق العكسي، الصكوك، البطاقات الائتمانية الإسلامية، المشتقات المالية بصيغة الوعد أو العربون، والجاري المدين الإسلامي، وغيرها كلها منتجات تطبقها بعض المؤسسات المالية بإجازة من هيئتها الشرعية وبعض الهيئات تحرمها، فعلينا أن نرفق ببعضنا البعض ونحسن الظن عند الخلاف، فالضمائر والسرائر موكلة إلى بارئها وسيختبرها الله في يوم تبلى السرائر، عندها لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
إنشرها