Author

لهاةُ السيد قشطة؟!

|
.. ما رأيكم اليوم أن نضع اللهاثَ وراء القضايا جانباً، ونتجاذب الحديثَ التلقائي، ونتبادل المعلوماتِ مع من سأل من القارئات والقراء في أكثر من موضوع، لنعرف كيف يفكر هؤلاءُ القراءُ الكرامُ الذين لا نراهم ولكنهم معنا أكثر مما نتصور.. فلنبدأ: *من نائلة حسن أبو العز- القاهرة: - أنا مدرّسة تاريخ في مدينة المنصورة، ووصلني مقالٌ كتبتـَهُ عن الأندلس. وحيث إن الأندلس موضوعٌ مطروق جدا، إلا أن هناك لغزا آخر محيِّرا عن توجّه الأوروبيين اللاتينيين لغزو إفريقيا، فهل هذا كان أيضا تحطيما لإمبراطورية عربية موجودة لم يُسلط عليها الضوءُ، وحيث إني لم أجد معلوماتٍ كافية هل لديك ما يمكن أن أستفيد منه؟ - ( أرسلت موضوعا مستفيضا للمعلمة نائلة من المنصورة في مصر، وأختصر ما جاء فيه). حدسُكِ صحيح يا أستاذة نائلة فالمعلوماتُ قليلة في الموضوع، وفي كتبٍ توجد في مكتباتٍ خاصةٍ في نواكشوط، وتنزانيا، وزنجبار، معلومات عن الموضوع بتفصيل تاريخي، وبعضها ما زال مخطوطا فالبرتغاليون ( نعم البرتغاليون أيضا!) أخرجوا العربَ من بلادهم في غرب الأندلس منذ منتصف القرن الثالث عشر للميلاد. وشُغِلوا بعدها بحروبهم مع مملكة «ليون»- وهي إحدى مملكتيْن في إسبانيا آنذاك. ولأن البرتغال مسدودة برّا لإحاطة إسبانيا بها من سائر الجهات فإنها منذ بداية القرن الخامس عشر بدأت تتجه للبحار. وكان أعظم شخصياتها الأشهر في تاريخ الملاحة والاكتشاف بأوروبا بتلك الفترة، الأميرُ (هنري الملاح). وبدأوا يبحرون حِذاء ساحل إفريقيا الغربي على المحيط الأطلسي تدفعهم أسطورة يا أستاذة نائلة، أسطورة توهَّمَها رهابنة الكاثوليك والمعمدانيين عن أن مملكة مقدّسة موجودة في غياهب إفريقيا هي «مملكة القديس يوحنا» وبنوا حولها الأسطورة والخرافة في شرق إفريقيا.. ثم تبين بعد أنها «مملكة الحبشة» بلا أهوال الأساطير وتهويم المقدّسات ثم تم اكتشاف رأس الرجاء الصالح وكان أكبر ضربةٍ للازدهار العربي، فتم سقوط غرناطة، ولكن كان أكبر أثره في عرب المشرق فهذا الاكتشافُ مهّدَ لسقوط دولة المماليك التي كانت تحمي بواباتِ المحيط الهادي. البرتغاليون أول من دخل باسم النصرانية للمشرق العربي عن طريق إفريقيا. على أن العربَ فيما بعد (من ساحل الخليج الجنوبي، وبحر العرب، وساحل عدن) انتصروا على البرتغاليين ودحروهم.. على أن هذه قصة ملحمية أخرى. * ومن القارئ «ميمون» من الجوف: أ- ألاحظ أنك تسمي القارئ المشارك في الردود محمود الأول، بالسلطان محمود، لماذا؟ - سؤالٌ جميلٌ ولطيفٌ يا ميمون، لم يسألنيه الصديقُ محمود ذاته. هو ما نسميه بالتداعي الذهني فقد طرأ على ذهني السلطانُ السلجوقي «محمود الأول»، ويُعرَف أيضا بالسلطان «ناصر الدين محمود». وهو أول من جمع أهم أساطير وقصص وعِبَر وأمثال وأخبار الفرس في «الشاهنامة» وتولع بها طيلة حياته. ويمتاز بالثقافة والمعرفة وعشقٍ لا مثيل له للعلوم، وهذا ما يحرص عليه صاحبنا هنا محمود الأول، ومن اسم السلطان «ناصر الدين» كان الإسقاطُ أيضا لأن محمودا صاحبنا له غيرة «محمودة» على الدين ويناصره في كل أمر. ب- ولماذا تسمي «الزعيم بالقاسم» بالزعيم الأوحد بالقاسم: - وأيضا الزعيم بلقاسم لم يسألني لمَ. وصفة الزعيم الأوحد ظهرت عند الزعماءِ الذين حطّموا الملكياتِ الموجودة في بلدانهم من أجل أن يقيموا كما ادّعوا حكمَ الناس والديموقراطية، وانتهوا بعبادة الذات، وأشهرهم عبد الكريم قاسم العراقي الذي جاء بعد الملكية، وصار يطلق على نفسِهِ «الزعيم الأوحد» أي الذي لا مثيل له ولا ينافسه أحد.. ثم كتب «غيفارا» عن «كاسترو» واتهمه بأنه يطلق على نفسه «الزعيم الأوحد لكل أمريكا اللاتينية»، وكاسترو قضى على حكم باتيستا بتهمة البرجزة والتفرد. وصاحبنا الأثير بالقاسم يرى في نادي الهلال زعيماً أوحد لا ينافسه فريق.. فأسقط التداعي الذهني الاسمَ عليه. * وانظروا لهذا السؤال الجميل من «جمانة» من الرياض- مدرسة (.. ) الصف الأول متوسط: - أنا متعجبة من أين جاء المصريون باسم «سيد قشطة» لحيوان فرس النهر؟ - سؤال من أجمل ما يسأله العقلُ الملاحظ الذي لا يأخذ الأمورَ كما هي، بل يستقصي عن كل شيءٍ مهما بدا ساذجاً، بينما يدل على عقليةٍ علميةٍ متسائلة وفاحصة. وأظن أن مِنْ المصريين مَنْ لا يعلم لماذا فالحكاية يا جمانة، أنه في نهاية القرن التاسع عشر عاش في القاهرة رجلٌ بالغ السمنةِ هائل القائمة، خفيف الروح حاضر الفكاهة، وكان من فرطِ أُنْسِهِ، ولطافة نكتته أن استعزمه الموسرون والأمراءُ والوجهاءُ ليحيي لياليهم بالسمرِ والضحكِ والمرحِ، فذاعت شهرتُه وكان اسمه «سيد قشطة». خرج مرة إلى حديقة الحيوان في الجيزة (وهي مناسبة لتعرفي مدى قِدَم هذه الحديقة) ورأى فرسَ النهر يتثاءب بفمِه الواسع حتى بانت لهاتُه، وكانت هذه هي طريقة ضحكة صاحبنا «سيد قشطة» يضحك بفمِهِ الواسع حتى تبان لهاتُه، فقال على الفور:» ياه، دَه شبـَهي». ومن ذلك اليوم لم يعد يعرف المصريون حيوان فرس النهر إلا بسيد قشطة. بقيَتْ أسئلةٌ كثيرةٌ، وضاقَ المكانُ.. ولن يضيقَ الزمان.
إنشرها