Author

الشركة القابضة والذمة المالية الصورية للشركات التابعة لها

|
كثر الحديث عن الشركات القابضة وتنامي انتشارها واتجاه رجال الأعمال لها لإيجاد تنوع في أسلوب الإدارة لاستثماراتهم داخلياً وخارجياً ولما لهذا الأمر من أهمية في مجال التكييف القانوني وأثر التصرفات القانونية في الشركات التابعة لها، لذا أحببت أن أعرض بشكل مختصر أبرز المستجدات فيما يسمى بالشركة القابضة، خاصة أن نظام الشركات السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 22/3/1385هـ لم يتطرق لها، بالرغم من ذلك فإدارة الشركات بوزارة التجارة والصناعة تصدر سجلات تجارية للشركات القابضة وفق ضوابط معينة يجب توافرها لمن يرغب في الحصول على سمة «القابضة»، والسؤال الذي يتبادر للذهن لماذا يتم اللجوء إلى «القابضة» وما أثر ذلك في الشركات التابعة لها؟ إن الشركة القابضة شكل من الأشكال الجديدة التي طرأت على التعاملات التجارية, يرجع أصل هذه الشركة إلى نهاية القرن الـ 19 في أمريكا، ثم عرفت في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى, وانتشرت الشركات القابضة كوسيلة لتجميع المشاريع العائدة للشركات التابعة لها في إطار الشركة القابضة التي تسيطر عليها، وهذه الشركة يمكن أن تحقق رقابة مستمرة على شركات المجموعة التي تتبع لها, وقد أقرتها عديد من التشريعات (الأردني، الكويتي، المصري، الفرنسي، الإنجليزي والأمريكي وغيرها). كما استقر لدى فقهاء الشريعة مفهوم هذه الشركة, حيث صدر قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الرابعة عشرة بالدوحة في قراره رقم 130(4/ 14) بتاريخ 8 -13 ذو القعدة 1423هـ الموافق 11 - 16 كانون الثاني (يناير) 2003 بشأن الشركات الحديثة والشركات القابضة وغيرها وأحكامها الشرعية, حيث كان تعريف المجلس للشركة القابضة بأنها: (الشركة التي تملك أسهماً أو حصصاً في رأسمال شركة أو شركات أخرى مستقلة عنها بنسبة تمكنها قانونياً من السيطرة على إدارتها ورسم خططها العامة). تعد الشركة القابضة نموذجا للتكتل الاقتصادي لإدارة الشركات والمشاريع التابعة لها، فهي تهيمن على مجموعة من الشركات التابعة لها ذات النشاط المماثل أو المكمل وتفرض عليها الالتزام بخطة اقتصادية موحدة، فينتج عن ذلك وحدة اقتصادية كبيرة تحقق التوسع المتنامي والانتشار، في أنشطة متعددة. وما هي إلا تطبيق لأحد أنواع الشركات المعروفة في القانون التجاري. ولأهمية الشركة القابضة وما تثيره من تساؤلات حول مفهومها، وطبيعة العلاقة بينها وبين شركاتها التابعة يمكن القول إن الشركة القابضة (الأم) تسيطر على شركة أخرى أو على مجموعة شركات أخرى تسمى (التابعة لها). ويمكن التمييز بين اتجاهين في تعريف الشركة القابضة، يعتمد أولهما مفهوماً ضيقاً لهذه الشركة، بينما يكرس الآخر مفهوماً واسعاً لها، ونتناول هذا الأمر بشيء من التفصيل على النحو الأتي: أولاً: المفهوم الضيق للشركة القابضة يذهب بعض الفقه إلى تعريف الشركة القابضة بأنها شركة تهدف إلى ممارسة السيطرة على شركات أخرى وذلك بتملك جزء من رؤوس أموالها دون أن تباشر أي نشاط صناعي أو تجاري أو مالي بشكل مباشر. ويرى جانب آخر من الفقه بأن الشركة القابضة هي شركة تملك أسهماً في عدة شركات أخرى تسمى «الشركات التابعة»، بالقدر الكافي الذي يمكنها من السيطرة على إدارة هذه الشركات. وتعتبر هذه الشركات التابعة أعضاء في مجموعة واحدة تسيطر عليها الشركة القابضة، بحيث تبدو وكأنها مجرد فروع تابعة لشركة واحدة هي الشركة القابضة. يتضح مما سبق أنه يشترط في الشركة القابضة السيطرة على شركة أو مجموعة من الشركات بالمشاركة في رؤوس أموال تلك الشركات بنسبة معينة تحقق السيطرة المطلوبة، بل إن البعض يحدد النسبة اللازمة لها في ملكية رأسمال الشركة التابعة بـ (51 في المائة)، بمعنى أن الشركة تعتبر قابضة إذا تملكت نسبة لا تقل عن 51 في المائة في رأسمال شركة أو شركات أخرى، وبما أن هذا المفهوم الضيق للشركة القابضة قد لا يستقيم مع الواقع العملي في الكثير من الحالات لأن السيطرة على الشركة وإن كانت تنشأ أساساً من خلال تملك نسبة كبيرة من رأسمالها، إلا أن ذلك ليس ضرورياً في جميع الأحوال، فقد تسيطر شركة على أخرى رغم تملك نسبة قليلة في رأسمالها وذلك إذا تم توزيع أغلبية أسهم الشركة بين عدد كبير من صغار المساهمين الذين لا يحرصون على حضور اجتماعات الجمعية العمومية والمشاركة في إدارتها، فتكون السيطرة من الناحية الفعلية للشركة القابضة التي تملك جزءاً يسيراً من رأس المال. وقد تلجأ شركة ما إلى الاتفاق مع شركة أخرى على منحها بعض الامتيازات والسلطات الإدارية ليكون هذا الاتفاق سبيلاً للسيطرة على شركة لا تملك فيها غير جزء قليل من رأس المال. مما سبق يتبين أن العنصر الجوهري في الشركة القابضة هو السيطرة على عملية إصدار القرار في شركة أخرى. وقد أثبت الواقع العملي أن تلك السيطرة يمكن أن تتحقق بوسائل قانونية مختلفة منها ملكية الشركة أغلبية رأسمال شركة أخرى، أو أن يبرم بين الشركتين اتفاق معين يخول إحداهما حقوقاً في إدارة الشركة التابعة وتوجيهها، والغالب أن يتم الجمع بين الوسيلتين معاً خاصة عندما تمتلك الشركة القابضة جزءاً يسيراً من أسهم شركة أخرى لا تخولها حقوقاً كثيرة في التصويت والإدارة فتعمد إلى الاتفاق معها على منحها حقوقاً في الإدارة تفوق مقدار الأسهم التي تملكها. ثانياً: المفهوم الواسع للشركة القابضة تذهب كثير من القوانين المقارنة إلى اعتماد مفهوم واسع للشركة القابضة، والمثال على ذلك قانون الشركات الفرنسي لسنة 1966، الذي يقرر أن الشركة القابضة هي شركة تقوم بالسيطرة على شركة أو مجموعة شركات باتباع إحدى الوسائل القانونية التالية: أن تتملك بشكل مباشر أو غير مباشر قدراً من أسهمها يمكنَّها من السيطرة على إدارتها وتوجيهها. أن تتمتع بالحق في تعيين أعضاء مجلس الإدارة فيها بمقتضى اتفاق مبرم بينهما. أن تسيطر من الناحية الفعلية على إدارتها بحيث تخضع لرقابتها وتوجيهها. ويؤكد قانون الشركات البريطاني هذا الاتجاه صراحة، حيث يقرر أن الشركة تكون قابضة إذا تحققت إحدى الحالات التالية: إذا كانت تمتلك أغلبية الأصوات في الجمعية العمومية لشركة معينة نتيجة ملكيتها جزءا مهما من رأسمالها. إذا كانت تتمتع بالحق في تعيين أغلبية أعضاء مجلس الإدارة في شركة معينة. إذا كانت تمارس سيطرة مؤثرة في كيان شركة معينة بمقتضى عقد تأسيسها أو بموجب اتفاق مبرم معها. يتضح مما تقدم أن المفهوم الواسع للشركة القابضة يتأسس على تحليل واقعي لعلاقة السيطرة التي تربط بين هذه الشركة والشركات التابعة لها. فإذا كان الأصل أن تنشأ هذه العلاقة من خلال ملكية الشركة القابضة أغلبية رأسمال الشركة التابعة، فإنها يمكن أن تنشأ كذلك من خلال رابطة عقدية تخول الشركة القابضة سلطة التوجيه والرقابة على الشركة التابعة. يظهر من خلال قراءة الاتجاهين السابقين أن هناك عنصرين اثنين ينبغي أن يتوفرا في الشركة القابضة، هما: أن تكون هناك شركة أو مجموعة من الشركات تتمتع كل منها بشخصية قانونية مستقلة، وتمارس نشاطاً صناعياً أو تجارياً معيناً. أن تخضع هذه المجموعة من الشركات لسيطرة اقتصادية موحدة تمارسها شركة أخرى. ومن تحليل هذين العنصرين يتبين لنا ما يأتي: أن الشركة القابضة تلتزم بوجود مجموعة من الشركات التابعة لها, وهي شركات تمارس نشاطاً تجارياً معيناً، كما أن كلاً منها يتمتع بشخصية قانونية مستقلة. إلا أن هذه المجموعة من الشركات ترتبط مع الشركة القابضة بروابط قانونية واقتصادية بحيث تبدو وكأنها شركة واحدة فهذه الشركات وإن كانت مستقلة قانوناً إلا أنها تخضع من الناحية الاقتصادية لسيطرة مباشرة أو شبه مباشرة تمارسها الشركة القابضة فهذه الأخيرة هي التي تحدد لشركاتها التابعة منهجية العمل وبرامج التشغيل فيها والمشاريع الاستثمارية التي تزمع القيام بها. وبهذا التصور فإن التناقض بين الاستقلال القانوني لكل شركة من الشركات ضمن المجموعة وبين تبعيتها الاقتصادية للشركة القابضة يبدو جلياً ويؤكده واقع الحال إذ إن الاستقلال القانوني للشركات التابعة لا يعد أن يكون وهماً خادعاً ومظهراً خارجياً فقط. وحقيقة الأمر أن هذه الشركات بمثابة وحدات يكمل بعضها بعضا من الناحية الاقتصادية، بحيث تشكل مع الشركة القابضة شركة واحدة من الناحية الاقتصادية، فكأن الشركات التابعة أطراف لجسد واحد تمثله الشركة القابضة فالأصل أن تتحقق سيطرة الشركة القابضة من خلال مساهمتها في رأسمال الشركة التابعة بنسبة تحقق لها أغلبية الأصوات في الجمعية العمومية. ويمكن أن تتحقق هذه السيطرة للشركة القابضة حتى في حال ملكيتها أقلية رأس المال في الشركة التابعة، بعبارة أخرى أن سيطرة الشركة القابضة لا تتطلب بالضرورة تملكها نسبة تزيد على (50 في المائة) من رأسمال الشركة التابعة فقد تتحقق هيمنة الشركة القابضة رغم تملكها نسبة لا تزيد على (20 في المائة) من رأسمال الشركة التابعة. ومن جانب آخر فإن الشركة القابضة قد تلجأ في حال ملكيتها لجزءا قليلا من رأسمال الشركة التابعة، إلى إبرام اتفاقات إدارية أو فنية مع الشركة التابعة بهدف تعزيز سيطرتها عليها. وبناءً على ما تقدم فإنه يمكن تعريف الشركة القابضة بأنها: شركة تسيطر سيطرة مالية وإدارية على شركة أو شركات أخرى عن طريق تملك جزء من رأس مالها أو بالسيطرة في تعيين أعضاء مجلس الإدارة فيها أو عن طريق إبرام اتفاقات إدارية أو فنية معها. خصائص الشركة القابضة تتميز الشركة القابضة بجملة من الخصائص أهمها ما يلي: أولاً: تكون الشركة القابضة وبالضرورة شريكاً رئيسياً في الشركة التابعة، حيث تستأثر في الغالب بنسبة كبيرة من أسهم تلك الشركة. وتحقق لها هذه الملكية سلطات إدارية ومالية واسعة في مواجهة الشركة التابعة، أما إذا كانت الشركة القابضة تملك جزءاً قليلاً من أسهم الشركة التابعة فإنها تلجأ إلى وسائل قانونية أخرى لتكريس سيطرتها على تلك الشركة.وإذا كانت الشركة القابضة شريكاً في الشركة التابعة فإن العكس غير جائز قانوناً. إذ لا يجوز للشركة التابعة أن تكون مساهماً في الشركة القابضة. لأن مثل هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى صورية رأسمال كلتا الشركتين ويلحق بدائنيهما أضراراً كبيرة. فضلاً عن أن الشركة القابضة هي التي تتولى إدارة الشركة التابعة وتوجيهها، فلا يجوز لهذه الأخيرة أن تمتلك أسهماً في الشركة القابضة بحيث تخولها الحق في إدارة وتوجيه تلك الشركة القابضة. وتطبيقاً لذلك تُحظر كثير من القوانين المقارنة على الشركة التابعة تملك الأسهم في الشركة القابضة. ثانياً: تخضع الشركة التابعة لسيطرة مالية وإدارية تمارسها الشركة القابضة، ومع ذلك فإن هذه الشركة التابعة تحتفظ بشخصية معنوية مستقلة بكل ما يترتب على ذلك من آثار، إذ تكون لها أهلية تمكنها من اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات. كما تكون لها جنسية خاصة بها قد تختلف عن جنسية الشركة القابضة. ويؤدي هذا إلى قيام الشركة المتعددة الجنسية، حيث تمارس الشركة القابضة نشاطها في دولة معينة، وتهيمن على شركة تمارس نشاطها في دولة أخرى، فتتمتع كل من الشركتين بجنسية معينة تختلف عن جنسية الأخرى. من جانب آخر، فإن هذه الشخصية المعنوية المستقلة للشركة التابعة تؤدي إلى تمتعها بذمة مالية مستقلة عن الشركة القابضة، بيد أن واقع الحال ليس كذلك، إذ إن علاقة السيطرة تخول الشركة القابضة حق التدخل في القرارات المالية الصادرة عن الشركة التابعة، حيث تستطيع الشركة القابضة بمحض إرادتها أن تنقل الأرباح التي تحققها إحدى الشركات التابعة إلى شركة تابعة أخرى، أو أن تستخدم بعض الأصول المالية المملوكة لإحدى تلك الشركات لتمويل نشاط شركة تابعة أخرى. وبناء على ما تقدم يذهب القضاء المقارن في عديد من أحكامه إلى عدم الاعتداد باستقلال الذمة المالية للشركة التابعة، حيث يقرر مسؤولية الشركة القابضة عن ديون شركاتها التابعة، كما يقرر أن إفلاس إحدى الشركات التابعة يؤدي إلى امتداد الإفلاس إلى الشركة القابضة والشركات التابعة لها حتى إذا ثبت أن بعضها موسر لا تتوافر بشأنه شروط شهر الإفلاس. وتطبيقاً لهذا المفهوم صدر قرار وزير المالية رقم ( 1005) وتاريخ 28/4/1428هـ الموافق 15/5/2007، المتضمن توحيد الوعاء الزكوي للشركة القابضة والشركات التابعة لها وتنص بعض القوانين على أن تكون السنة المالية للشركة القابضة متفقة مع الشركات التابعة لها، وأن تحدد الأخيرة في ميزانيتها التزاماتها وديونها تجاه الشركة القابضة، بل إن بعض القوانين تعتبر الشركة القابضة مسؤولة عن دفع أجور العاملين في الشركات التابعة لها في حال تخلف الأخيرة عن الوفاء بذلك. مما سبق يتأكد وجود ضوابط نظامية تحدد علاقة الشركة القابضة بالشركات التابعة لها والآثار المترتبة في ذلك بالرغم من أن نظام الشركات لم يتطرق لها حين صدر في عام 1385هـ، ولمواكبة المستجدات في القانون التجاري فقد سعت وزارة التجارة والصناعة لتنظيمها ضمن نصوص مشروع نظام الشركات في الباب الثامن. في الختام آمل أن تكون هذه المعلومات المستقاة بتصرف من بحث للدكتور دريد السامرائي عن «الشركات القابضة .. المفهوم وآلية التكوين» ذات نفع لمن يقرأها من أصحاب الفضيلة القضاة في الدوائر التجارية بديوان المظالم ورجال الأعمال والقانونيين، سائلاً الله بأن يمن على الجميع بمزيد من التوفيق.
إنشرها