Author

احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه في أوروبا: بين الواقع والطموح

|
الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC قد حدد تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه باعتبارها التكنولوجيا التي من شأنها أن تسهم إسهاما كبيرا في تخفيف نمو انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض. وقد بيّن هذا الفريق أن لهذه التقنية القدرة على احتجاز وتخزين بين 200 و2000 Giga-tons من غاز ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2100. هذا يمثل ما يقارب 15 إلى 55 في المائة من الجهد العالمي اللازم لتخفيف وتثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض. إن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه يمكن تطبيقها على المصادر الكبيرة والثابتة لانبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومعامل الصلب والحديد والأسمنت. احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون من غازات العادم من محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم الحجري وتخزينه تحت الأرض يعد حيويا، بسبب ارتفاع نسبة الكربون في الفحم ولكون الفحم أرخص مصدر للطاقة في العالم، ولكن أيضا أكبر مساهم في تغير المناخ. وحسب تقديرات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإنه بحلول عام 2050 يمكن احتجاز نحو 20 إلى 40 في المائة من الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أوكسيد الكربون من الوقود الأحفوري، بما في ذلك 30 إلى 60 في المائة من انبعاثات البلدان المتقدمة صناعيا، التي لديها القدرات المالية والتقنية، وكذلك تتحمل المسؤولية التاريخية لانبعاث الغازات الدفيئة، خصوصا غاز ثاني أوكسيد الكربون، لذلك ينبغي أن تأخذ هذه البلدان على عاتقها زمام المبادرة في نقل وتطبيق تقنية احتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، في عام 2008 نشرت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها عن آفاق تكنولوجيا الطاقة المنخفضة الكربون، التي حددت فيها التقنيات المنخفضة الكربون اللازمة لتحقيق الاستقرار في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون على المستوى المستهدف البالغ 450 جزءا في المليون. ولتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وحدها، أوصى التقرير إلى أنه في المتوسط؛ يجب أن تكون سنويا 35 محطة كهربائية تعمل بالفحم و20 محطة تعمل بالغاز الطبيعي مزودة بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، بين عامي 2010 و2050. على الرغم من أن مفهوم وأهمية تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه معروفة جيدا، إلا أن أساليب التشجيع وتقديم الحوافز للمشاريع لم يتحقق حتى الآن بصورة وافية، حيث إنه لحد الآن لم يتم تطبيق مشاريع متكاملة من تقنيات احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه على نطاق واسع، كما هو الحال مع جميع التكنولوجيات الجديدة، حيث إن هناك حاجة إلى دعم إضافي للبرهنة على التكنولوجيا على نطاق كامل. تطوير والتثبت من أداء هذه التكنولوجيا الناشئة سيساعد على خفض التكاليف وتحسين الكفاءة وانتشار تطبيقها على نطاق واسع. إن تقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه بالتزامن مع استخدام أنواع الوقود الأحفوري أصبحت واحدة من العناصر الرئيسية في سياسة الاتحاد الأوروبي المناخية، حيث إن الاتحاد الأوروبي يعمل بنشاط على تشجيع وتطوير التقنيات ذات الصلة باحتجاز وتخزين الكربون. في هذا الصدد، اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على أهداف طموحة لبناء 10 إلى 12 مشروعا لاحتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه في أوروبا بحلول عام 2015، لكن هذه الأهداف الطموحة لقادة الاتحاد الأوروبي لمكافحة تغير المناخ تواجه انتكاسة في الوقت الحاضر، حيث إن كثيرا من المؤسسات العلمية والخبراء في هذا المجال والمراقبين ينظرون إلى أهداف الاتحاد لبناء 10 إلى 12 مشروعا لاحتجاز الكربون وتخزينه في أوروبا بحلول عام 2015 هدف غير واقعي وغير قابل للتطبيق في الموعد المحدد، وذلك لأن الاتحاد الأوروبي قد لا تكون له أي محطة مبنية حديثا تعمل بالفحم مزودة بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2015، في إطار هدف الوصول إلى 12 مشروعا على نطاق تجاري لاحتجاز الكربون وتخزينه بحلول ذلك الوقت، حيث إن الحكومات قد أوقفت المساعدات المالية في هذا المجال نتيجة الأزمة الاقتصادية والكساد العالمي. في هذا الصدد أشار أحد المختصين من جامعة كامبردج في هذا المجال، إلى أن احتمال وصول الاتحاد الأوروبي إلى أهدافه بدأ يتلاشى، وإذا ما حقق خمس (محطات) بحلول عام 2015 وعشر بحلول عام 2020 ربما يكون إنجازا كبيرا، على حد قوله. في السياق نفسه أشار خبير آخر إلى أن تزويد محطة جديدة تعمل بالفحم في جنوب إنجلترا بتقنية احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، من المتوقع أن لا يتم إلا بحلول عام 2016، ويتوقف هذا أيضا على الفوز في المنافسة والحصول على التمويل المناسب، أما التشغيل الكامل لوحدة احتجاز الكربون وتخزينه سيستغرق "بعض الوقت" بعد ذلك. ليست أوروبا فقط هي المتأخرة في هذا الجانب، حيث ليس هناك حتى الآن في أي مكان في العالم مشروع يتم بناؤه على النطاق التجاري. مشروع احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه يستغرق نحو أربع سنوات من أجل بنائه، بعد الحصول على الموافقات والتمويل اللازمين التي من المرجح أن تستغرق عدة سنوات أيضا. عليه لن يكون أي مشروع في الاتحاد الأوروبي عام 2015 على نطاق تجاري لاحتجاز الكربون وتخزينه، على حد قول أحد مستشاري لجنة الاتحاد الأوروبي، حيث سيتكلف بناء أي مشروع من هذا النوع نحو مليار دولار أكثر من المحطة الكهربائية الاعتيادية العاملة بالفحم، وحتى الآن لم يتم وضع الحوافز اللازمة لذلك. أحد خطط التحفيز في الاتحاد الأوروبي لاحتجاز الكربون وتخزينه هو منح نحو أربعة مليارات يورو (5.89 مليار دولار) على شكل منح من مبيعات حقوق التلوث في الصناعة، ضمن إطار المرحلة الثالثة لتجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي المخطط لها بين عامي 2013 و2020. كما أن الاتحاد يمكن أن يخصص أيضا 1.2 مليار يورو من الأموال لدعم مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه في إطار الإنفاق "الأخضر" على الانتعاش الاقتصادي، لكن الاتحاد الأوروبي له السلطة المطلقة في هذا المجال، كما أن عديدا من الدول الأعضاء ما زالوا يختلفون حول حصص انبعاثات الكربون، بعد صدور حكم ضد لجنة الاتحاد الأوروبي أخيرا وضع سلطتها موضع تساؤل، وأثر في مصداقيتها في مكافحة تغير المناخ. إن الحوافز المرتبطة بخطط تجارة الانبعاثات لن تتحقق إلا في المرحلة الثالثة لتجارة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي، أي اعتبارا من عام 2013 فصاعدا. إذا تمت إضافة الوقت اللازم للبناء، تقريبا أربع سنوات، فقط يمكن أن تكون المشاريع عاملة بحلول عام 2017 على أحسن تقدير. عليه من المتوقع أن يتم بناء محطات كهربائية مزودة بتقنية احتجاز الكربون وتخزينه بدرجة أسرع نوعا ما في أماكن أخرى من العالم من أوروبا، على سبيل المثال عدد من المحطات الكهربائية المزودة بتقنية احتجاز الكربون وتخزينه من المرجح أن تكون جاهزة في الولايات المتحدة بحلول عام 2015، في ولاية إيلينوي وكاليفورنيا. أما في أوروبا فإن أفضل ما هو متوقع هو مشروعان في المملكة المتحدة وفي ألمانيا في عامي 2014 و2015 على التوالي. إذا أراد الاتحاد الأوروبي أن يحقق أهدافه أو حتى يقترب منها، على عديد من الدول أن تحذو ذلك، لكن الاتحاد الأوروبي أكثر تفاؤلا في هذا الجانب، حيث إن الاتحاد على ثقة بأن هذه الأهداف قابلة للتحقق في الموعد المحدد، إذا ما استمر الحفاظ على الزخم الحالي وإذا احترمت الدول الأعضاء والصناعة الأوروبية تخصيص الموارد اللازمة وفقا لتصريحاتها العلنية في هذا الصدد.
إنشرها