الشيخ الشثري والارتهان للتوجسات!

حينما ترتهن الأمة - أيّ أمة - إلى هواجس التخوفات، وتربط مصير مستقبلها بذهنية الخوف من أي تغيير.. فقط لأسباب غير واقعية ولا منطقية، استنادا إلى تعابير إنشائية فضفاضة تدور في فلك الاحتمالات على غرار (خوفا من) أو (تحسبا لـ) أو (لكيلا يكون مدعاة) وما في حكمها من تلك التوجسات التي لا ترتبط إلا بهواجس أصحابها .. فإنها في هذه الحالة تكون كمن يُمارس الحفر في الأرض ليدفن رأسه هناك، فيما العالم يمر من أمامه آخذا بسبل الرقي والنمو والتطوير، وهو المعنى ذاته الذي أشار إليه الشاعر: (ومن يتهيب صعود الجبال ..)، والجميع يعرف بالتأكيد المكان الأمثل لمعيشة المتهيبين!.
حينما يتم الارتهان إلى هذه الذهنية التي عبر عنها بكل أسف الشيخ سعد بن ناصر الشثري .. عضو هيئة كبار العلماء، والذي طالب خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله - بمنع ما وصفه بالاختلاط في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بذريعة أنه قد يكون مدعاة لما هو أكبر، في مزايدة غير مستساغة من فضيلته، وهو من يعرف غيرة ولي الأمر وحرصه على وطنه ومواطنيه، وفي مسألة لا تقبل المزايدة وهي التي تتم في الأسواق وفي المستشفيات والطرقات ضمن إطار ثوابت الدين، وقيم المجتمع وتقاليده الأصيلة .. فإنه يكون كمن يُريد أن يضع العصيّ في الدواليب لإعاقة القاطرة التي حلم بها كل مخلص لاستنهاض الأمة من رقدتها، أو كمن يُشارك بوعي أو بغير وعي من لا يروقهم أن يروا الأمة وقد استفاقت لتستعيد مكانتها تحت الشمس بين أمم الأرض.
هذا المنطق الذي يُعيدنا إلى منطق أنا أرفض الكبريت في إشعال موقدي لطهي طعام أطفالي بحجة أن الكبريت قد يشعل الحرائق، وأرفض سكين المطبخ لأنها قد تستخدم للقتل، فوق أنه منطق ذرائعي فهو المنطق الذي جر الأمة على مدى عقود طويلة للاستكانة والخنوع لنوازع الخوف غير المبرر، الذي واجهه جلالة المغفور له الملك المؤسس وهو يسعى لتحضير مجتمعه بإدخال البرقيات والسيارة وغيرهما من أدوات العصر ووسائله، قبل أكثر من ثمانين عاما، وكان كافيا لإبقاء أبناء هذا الوطن فوق ظهور مطاياهم يجوبون الصحراء بحثا عن الماء والكلأ، لولم يتصد له الملك المؤسس بالحجة وليضع منه ابتداء المدخل لهذا الوطن الذي تتنامى فيه الجامعات والمصانع وكل عناصر التنمية ليصبح أحد أقطاب العالم العشرين على مستوى الكرة الأرضية .
إن المزايدة على ولي الأمر في صيانته لأمن مجتمعه فكريا وأخلاقيا ونفسيا وبدنيا ومعيشيا .. هي ضرب من الاستقواء بالمخاوف على ما ثبت بطلانه بالمشاهدة وبالعمل المخلص والصادق، خاصة من زعيم قال فيما قال في سياق رفضه للألقاب الدنيوية (إنه يكفيني أن أكون عبدا لله) في ترجمة صادقة لمسؤوليته الدينية عن وطن يفخر ويفاخر بأنه يضم أقدس بقاع الدنيا، أما الارتهان خلف احتمالات لا يجرّها غير الوهم في كبح جماح أضخم معقل علمي أسعد المخلصين من أبناء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها .. مثلما استدعى حسد الأعداء، فإنه لا يعدو كونه انشغالا بالهوامش التافهة على حساب مضمون الجامعة العلمي والبحثي، والذي جاء ليضع كل أسباب الوصول إلى المعرفة المتقدمة في متناول أبناء الوطن، فضلا عن أن التوقف عند هذا الهامش سواء من قبل الشيخ الشثري أو سواه .. ما هو إلا نوع من القفز فوق الحقائق متجاهلين كما قال أحد المشايخ إن هذه الجامعة ما هي إلا جزء من الأرض السعودية، وهي موجودة على ترابها ولا بد من أن تكون لها هويتها وصبغتها المميزة التي لا تنفك عن هوية الدولة والمجتمع الذي يحتضنها .. بمعنى أنها خاضعة لدستور المملكة، وبالتالي فإن وجود الطالبات لا بد أن يكون منضبطا بالآداب العامة في اللبس المحتشم والساتر.
إننا ونحن نستكثر ما صدر عن فضيلة الشيخ الشثري، وهو الذي يعرف أن مَن يقف خلف هذه الجامعة ويرعاها .. هو مَن يرعى الحرمين الشريفين، ويقرن الليل بالنهار لصون حرمات الأمة، ويتصدى للذود عن رسالة الدين الخالدة، ويحلم أن يعيد للأمة الإسلامية مجدها ومكانتها في العلم والتسامح، ويعمل بعزيمة القادة الكبار ليحقق هذه الأحلام على أرض الواقع، هذا الزعيم يستحق العون والمؤازرة .. كنا نتمنى لو توقف عند تلك المرامي البعيدة لهذه الجامعة كبيت للحكمة قادر - بمشيئة الله - على استعادة أمجاد ما عاد لها أي وجود إلا في كتب التاريخ حتى بتنا نصف مستقبلنا بالمستقبل القديم!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي