Author

البيع العقاري

|
عندما يتفق شخصان على بيع عقار يحرران عقدا بينهما ينظم عناصر هذا البيع من جهة التزامات البائع, كتسليم المبيع في الموعد المتفق عليه وضمان عيوبه, أو ضمان التعرض له من الغير. أو من جهة التزامات المشتري كدفع الثمن في الأجل المحدد وسوى ذلك من بنود خاصة بكل عقد, حسبما يتفق عليه الطرفان. وفي كثير من الحالات ينشب خلاف بين البائع والمشتري حول التأخر في تسليم المبيع أو وجود تعرض له قبل تسليمه, أو حول تأخر المشتري في تسلمه, أو في دفع ثمنه حسب الاتفاق. ويؤدي هذا الخلاف إلى ظهور رغبة لدى الطرفين في فسخ العقد أو في تنفيذه, وفق ما يراه الطرف مناسبًا لمصلحته, وقد يصل الخلاف إلى القضاء بطلب تنفيذ العقد المتفق عليه مع مستلزماته. إذن «بيع العقار هو عقد يلتزم به البائع أن ينقل للمشتري من السجل العقاري ملكية عقار بمقابل متفق عليه». والتزام البائع بنقل الملكية في السجل العقاري، شرط أساسي بوصفه طرفا أول في العقد، والتزام المشتري بأداء الثمن شرط أساسي كذلك بوصفه طرفا ثانيا في العقد ذاته. ولهذا كان الالتزام بنقل الملكية واجبا في السجل العقاري أو السجل المؤقت، أو قيود مؤسسة الإسكان، أو سوى ذلك من سجلات أو قيود بدأت تأخذ دورها في التشريعات الحديثة. وبيع العقار ينصب على ملكية حق عيني، وبما أن نقل الملكية وتسجيلها في السجل العقاري ناجم عن العقد، فإن هذه الملكية المسجلة تعد منتقلة من وقت العقد لا من وقت التسجيل، لما يترتب على ذلك من آثار قانونية بين الطرفين، أما بالنسبة للغير، فإن انتقالها لا يكون نافذًا في حقه إلا من وقت التسجيل. وعلى هذا فعلى البائع أن يلتزم بالقيام بكل ما هو ضروري لنقل ملكية العقار إلى المشتري، وبأن يكف عن أي عمل من شأنه أن يجعل نقل الحق مستحيلا أو عسيرا، فإذا امتنع عن القيام بما يلزم لنقل الملكية بالذهاب إلى الجهة المختصة لإجراء التسجيل ، فللمشتري أن يجبره على تنفيذ التزامه بنقل الملكية عن طريق دعوى تثبيت البيع، وذلك بطلب إلى المحكمة المختصة يطلب فيه الحكم بصحة عقده ونفاذ البيع في حق البائع، فإذا أصدر له حكم، قام بتسجيله منفردًا دون حضور البائع بواسطة دائرة التنفيذ، وبذلك يكتسب حق الملكية، الذي يقوم بالتسجيل عندئذ هو الحكم وليس العقد. يتصف عقد البيع العقاري بأنه يعبر عن إرادة طرفية في إحداث أثر قانوني ينتج عنه إنشاء التزامات عليهما ويمر هذا العقد بمرحلتين, مرحلة الاتفاق على البيع ومرحلة تنظيم العقد المنشئ لالتزامات المتعاقدين. إن الاتفاق على البيع مرحلة سابقة للتعاقد وهو بدوره نوعان: الوعد بالبيع والاتفاق الابتدائي, وفي الوعد بالبيع يتفق بائع العقار مع راغب الشراء على شروط خاصة تبقى موقوفة لمدة معينة، يفصح المشتري خلالها عن رغبته في قبول الشراء أو لا، فكأن القبول مؤجل للمدة المتفق عليها. إذاً «هو عقد بمقتضاه يلتزم شخص، هو الواعد، بأن يبيع عقاره من شخص آخر، هو الموعود له، لقاء ثمن معين إذا رغب في شرائه، في مدة معينة». ويشترط في الوعد بالبيع تعيين العقار المبيع وتحديد الثمن وتحديد مدة الاتفاق على دفع الثمن يظهر خلالها المشتري رغبته في قبول الشراء، حينئذ يتم انعقاد العقد . ويكون الوعد بالبيع بسند خطي يحرره الواعد لشخص معين أو للآمر مع جواز تظهيره، بشرط تدوين تاريخ التظهير مكتوبا بجميع حروفه، وبشرط توقيع المتنازل (الموعود له) على التظهير، مع تصديق التواقيع من قبل الكاتب في العدل، فالوعد بالبيع العقاري ملزم لجانب واحد، هو الواعد ببيع العقار أو الموعود له، فلا يترتب عليه أي التزام وعلى الملتزم الواعد ألا يبيع العقار أو يرتب عليه أي حق عيني خلال مدة الاختيار الممنوحة للشاري. فإذا أظهر المشتري رغبته في الشراء خلال مدة الاختيار فإن البيع النهائي يعد قد تم بمجرد إبداء هذه الرغبة، ولا حاجة إلى رضا جديد من الواعد، ومن ثم ينقضي حق الخيار لتحقيق الغرض من إنشائه كما ينقضي هذا الحق بالتعبير عن عدم الرغبة في الشراء. وفي الوعد بالبيع يجب الاتفاق على المدة التي يتم فيها إبرام العقد الموعود به، فإذا لم تعين هذه المدة لم ينعقد الوعد أو وضع باطلا بطلانا أصليا، ولم يترتب عليه أي أثر، فلا يجوز للواعد أن يعين هو من تلقاء نفسه مدة يعلنها الموعود له، ولا يجوز للمحكمة أن تكمل العقد بتحديدها مدة يستعمل خلالها الموعود له حقه في الشراء» والسبب في ذلك أن هذا الوعد يحمل إيجاب البائع فقط، لأنه لم يقترن بعد بقبول الموعود له، ما دام الوعد خاليا من مدة لتقرير هذا القبول ما يجعله معدومًا ويصرف الوعد بجملته إلى الانعدام. والاتفاق الابتدائي هو مرحلة سابقة للعقد وربما لا يؤدي إليه، أما العقد فهو نتيجة لهذا الاتفاق، وموثق له، إذ كثيرا ما يتفق الطرفان على تنظيم اتفاق ينص على وجوب إعداد عقد مفصل نهائيًا. وإن الاتفاق الابتدائي الذي يسبق عقد البيع النهائي المتعارف على تسميته القطعي، مع تعليق تنفيذ بنوده من التزام بنقل الملكية للمشتري والتزام بدفع الثمن للبائع إلى حين تحرير العقد النهائي المبرم، فالبائع لا يطالب بتحرير الثمن إلا بعد إبرام هذا العقد القطعي، وكذلك المشتري لا يطالب بالإفراغ أو تسلم المبيع، وينقلب الالتزام على كل منهما إلى التزام بعقد البيع النهائي، ومن مبررات هذا التعليق، البيع الابتدائي، أي تعليق الاتفاق إلى الوقت الذي يبرم فيه الطرفان بيعا نهائيًا قطعيا. - بالنسبة للمشتري: أن يجد المشتري العقار مثقلاً بحق عيني لم ترد إليه إشارة في البيع الابتدائي، فيحق للمشتري في هذه الحالة الامتناع عن إبرام البيع النهائي وفسخ العقد الابتدائي. - بالنسبة للبائع: توقع البائع ألا يستطيع المشتري أداء تتمة الثمن لظروف تتعلق به ووصلت إلى علمه فيريد البائع أن يحتاط كيلا يقع في مغبة إفلاس المشتري قبل أداء تتمة الثمن. وسوى ذلك من تصورات تبرر عدم قطعية البيع. ومثال ذلك البيع بالعربون, إذ يبرم المتعاقدان بيعا ابتدائيا، ويحددان ميعادا لإبرام البيع النهائي الذي يتفقان فيه على عربون يدفعه المشتري للبائع ، فإذا امتنع المشتري عن إبرام البيع النهائي في الميعاد المحدد، فسد العربون الذي دفعه، وسقط البيع، وإذا كان البائع هو الممتنع سقط البيع أيضا. ليس لعقد البيع شكل محدد معين، وما نراه بين أيدي المواطنين من نسخ مطبوعة سلفًا، مع فراغات معدة لتعبئها بأسماء البائعين والمشتري، وأرقام العقاري ومناطقها وشروط أخرى خاصة بالثمن والتسليم والكسوة، إنما هي عقود تجر مشكلات على أطرافها، والسبب في ذلك أن هذه النسخ توهم بكونها رسمية أصولية لأنها مطبوعة وفيها زيادات لا مبرر لها وتحجب عن أصحاب العلاقة كتابة الشروط الخاصة بكل عقد. وفي عقد البيع تذكر المسائل الجوهرية والمسائل التفصيلية اللازمة للعقد . والمسائل الجوهرية تكون في طرفي العقد وماهية العقار وسبب العقد وثمن المبيع.أما المسائل التفصيلية تكون في تسليم المبيع وكيفية دفع الثمن وشروط أخرى يفضل ذكرها منعا لأي خلاف, مثل التسليم ومدته ونوعه وشروط البناء بما يتعلق بالهيكل والكسوة، ويتعلق ونوع الكسوة ونوع موادها ومدة إنجازها وسوى ذلك من شروط مفصلة. وضمان التعرض، وهذا الضمان المترتب على البائع يوجب عليه: التدخل مع المشتري في الدعوى المقامة عليه باستحقاق المبيع شرط إخطاره من المشتري بوجود الدعوى، كما يضمن أداء ما دفعه المشتري من استحقاقات على المبيع لتوقي استحقاقاته ويضمن أداء قيمة المبيع وقت الاستحقاق مع الفوائد وقيمته ما أداه المشتري من ثمار إذا استحق المبيع للغير، وضمان نواقص المبيع بما كفله البائع في العقد. والضمان الأخير هو الشرط الجزائي, وهو الشرط المتعارف عليه بغرامة النكول لإخلال طرف ما بالتزاماته المنصوص عليها في العقد.
إنشرها