Author

إنفلونزا الخنازير بين التضخيم والحقيقة

|
كنت في أمريكا خلال الفترة التي ظهر فيها مرض إنفلونزا الخنازير، وقد كانت الأمور تسير بصورة طبيعية جداً، فلم ألحظ المبالغة في ارتداء الكمامات، أو المبالغة في مناقشة الموضوع في وسائل الإعلام، فلم يتطرق لنقاش ذلك الوباء سوى المتخصصين، الذين طمأنوا المواطنين هناك وأزالوا الروع عنهم. ولكنا رأينا العجب العجاب عندما بدأت الحالات تنتشر في المملكة وبعض الدول العربية، حيث دب الرعب لدى جميع الناس، فأي التهاب في الجهاز التنفسي أو ارتفاع في درجات الحرارة يُدخل الناس الشك بأن لديهم احتمال الإصابة بفيروس إنفلونزا الخنازير. لذا كان لا بد من عرض هذا الموضوع المهم في نقاط مبسطة، وقبل كتابتها ناقشت فيها أصحاب الرأي من استشاريي الأمراض المعدية وأصحاب الفكر لأن الموضوع يحمل جوانب عديدة قد تكون الصحية أقلها في الأولوية: 1) أثبتت الدراسات الموثقة في الولايات المتحدة أن عدد الوفيات نتيجة الإصابة بالإنفلونزا الموسمية في أمريكا يقدر بـ 40 ألفا في السنة، وأن نحو 200 ألف يحتاجون إلى دخول المستشفى لتلقي العلاج، فهذا العدد أكثر بـ 100 مرة من معدل الإصابة بإنفلونزا الخنازير، حيث الوفيات في العالم منذ بداية ظهور الفيروس في المكسيك منذ ستة أشهر لم تصل إلى 600 شخص فقط، لذا فمن منطلق علمي أطمئن المواطن الأمريكي بأن هذا الفيروس الجديد أقل ضراوة من الفيروسات الأخرى. - قد تتحمل وزارة الصحة في المملكة بل وفي الدول العربية مسؤولية تضخيم هذا الحدث، وذلك لعدم وجود دراسات دورية منظمة حول الأمراض الأخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر هنالك الكثير من حالات الوفيات من التهابات القصيبات الهوائية نتيجة للإصابة بفيروسات الإنفلونزا الموسمية، ولكن لم تكن موثقة كالتي أشرت إليها في أمريكا. لذا فنحن بحاجة إلى تفعيل مراكز البحوث والدراسات وجعلها أكثر شفافية. 3) هنالك قصور إعلامي متمثل في تضخيم الحدث، وهذا أثر كثيراً في سمعة البلد، فلم نسمع أخبارا على الصفحات الأولى تطمئن المواطنين، وتنقل التصريحات الموثوقة من متخصصين في هذا المجال، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان لتصريح رئيس نقابة الأطباء المصرية منذ شهرين الدور الكبير في طمأنة الشارع العربي بل حتى البرلمان المصري، ولكن لم نستفد من هذه التصريحات ولم تذكر إلا في ذيل الصفحات الداخلية في صحفنا المحلية. فينبغي أن يكون دور الصحف مهدئا للمواطن العادي خصوصاً أن ليس هنالك شيء عملي يمكن أن يقوم به لتجنب الإصابة بالفيروس، ولكن المهم جداً أن الشفاء من الإصابة قد يصل إلى 95 في المائة إن لم يكن أكثر. - أما بخصوص الحجاج، فالكل يعلم أن أغلبية الحجاج قد يصابون بالالتهابات الفيروسية والبكتيرية، بل إن هنالك الكثير من حالات الوفيات قد تحدث خلال الحج أو بعده ، ذلك إذا أدركنا أن أغلبية الحجاج هم من كبار السن ومن لديهم التهابات تنفسية مزمنة أو لديهم ضعف في الجهاز المناعي كالمصابين بداء السكري، وهذه العوامل مع الكثافة السكانية والتعب البدني سوف تضاعف الإصابة بالأمراض المعدية، لذا فلن يكون فيروس إنفلونزا الخنازير إلا واحداً من جملة الفيروسات التي قد يصاب بها الحاج على أية حال، وهذا يستوجب أن يكون لدينا الجاهزية الطبية لمعالجة أي حالة من الحالات المرضية التي قد يصاب بها الحاج، وبالأخص ما يتعلق بالجهاز التنفسي. وقد تبين من واقع الإصابات أن فئة الشباب أكثر عرضة من كبار السن للإصابة بفيروس إنفلونزا الخنازير وهذا قد يستوجب أن لا يمنع كبار السن من أداء فريضة الحج، ولكن ينبغي أن يأخذ أغلبية الحجاج (خصوصاً كبار السن) لقاح الإنفلونزا الموسمية. - أما بخصوص لبس الكمامات، فحسب الدراسات المبنية على البراهين فإن هنالك مبالغة في لبس الكمامات، حيث إن التوصية في لبسها يكون للعاملين القريبين من حالات الإصابة (سواء الإنفلونزا أو أي من الأمراض الأخرى المعدية) وكذلك من لديهم ضعف في الجهاز المناعي (مرضى زراعة الأعضاء) خصوصاً عند ذهابهم لمواقع فيها حالات مصابة، أما ما نلاحظه من لبس الكمامات في الأسواق والمستشفيات بل وحتى في المصليات فهذا ليس له سند علمي، ولكن ينبغي أن يتجنب الإنسان العطس دون استخدام منديل وأن يحرص على النظافة الشخصية وغسل اليدين. - يتضح أن هنالك شركات لديها قوة في التأثير في الإعلام والسياسة، فهم من يحاول أن يضخم من معدل الإصابة بفيروس إنفلونزا الخنازير، حتى ترتفع نسبة مبيعاتهم ومن ثم أرباحهم في الشركات المنتجة للقاحات المضادة، وكذلك الأدوية المستخدمة في تخفيف أعراض الإصابة. - الاستخدام السياسي لهذا المرض وغيره لا يمكن تجاهله، فالسيناريوهات المخيفة التي وضعها مستشارو الرئيس الأمريكي باراك أوباما للعلوم في أن من 30 إلى 50 في المائة من الشعب الأمريكي قد يصاب بفيروس إنفلونزا الخنازير، وأن عدد الوفيات قد يصل إلى 300 ألف حالة، فهذا تقرير يستخدم لحماية الهيئات الصحية ويساعد في الضغط على الهيئات التشريعية (الكونجرس) على دعم القطاع الصحي ورفع ميزانيته، كما أن لهم مآرب أخرى، لذا فهذه الأوبئة هي من الأمراض السياسية، وليست الجمرة الخبيثة منا ببعيد. وختاماً أعتقد ومن واقع دراسة الكثير من التقارير الموثوقة، أن فيروس إنفلونزا الخنازير مشابه للأنواع الأخرى من الإنفلونزا، والدليل أنه في الدول المتقدمة لم نشهد لبسا للكمامات في الأسواق أو حتى للعاملين في المستشفيات عدا الطاقم المشرف على الإصابات أو من لديهم ضعف في الجهاز المناعي، وكذلك لم تؤجل الدراسة حيث بدأت جميع المراحل الدراسية هناك في 1 أيلول (سبتمبر)، كما أن موسم رمضان في مكة لم يكن مختلفاً هذه السنة عن الأعوام الماضية!! ولنا حديث عن جدوى لقاح إنفلونزا الخنازير والأعراض الجانبية له.
إنشرها