Author

لماذا أصبحت الدراسة بهدف الشهادة فقط؟

|
علق قارئ يبدو أن لديه خبرة في مجال التدريس على مقال الأسبوع الماضي الذي تناولت فيه تطوير العملية التعليمية على أن ما قلته ''كلام فارغ'' لأنني طالبت بإعادة تنظيم أهداف العملية التعليمية، حيث تكون الرؤية الواضحة لتلك الأهداف هي التي تقود الجهد اليومي في مجال التعليم، وحتى يمكن تطوير مخرجات التعليم ويكون لدى الطلاب الحافز القوي للدراسة، وأشار القارئ في تعليقه إلى أن المدرس يضع في ''دفتر التحضير'' الذي تتم مراجعته بشكل دوري من إدارة المدرسة ومفتشي إدارة التعليم أهدافا لكل درس من الدروس وأهدافا للمنهج، ووضع مثالا بأنه في درس للغة العربية ستجد أن الهدف مثلا ''أن يتعلم الطالب تعريف الفاعل وكيفية إعرابه''. التعليق والمثال هو بالضبط ما يشرح الخلل في العملية التعليمية، لأن أهداف العملية التعليمية بنيت كما يراها المدرس ويراها واضع المنهج الدراسي، وتقوم على أهداف فرعية تنتمي لهدف عام هو الإلمام بالمنهج الدراسي والكتاب المقرر، وأهداف أخرى لا تزيد في الغالب عن معرفة كم جديد من المعلومات، والتي آمن واضع المنهج الدراسي بأهميتها للطالب ضمن عملية بيروقراطية جامدة مبنية على أسس بائتة. في زمن صارت فيه المعلومات كلها متاحة بسهولة ويسر على الإنترنت، وفي زمن ثورة المعرفة، وتمدد القدرات الشخصية، لم يعد بالإمكان أن تحدد للطالب كيف يفكر وكيف يرى ويسمع ويتكلم، بل عليك أن تبذل جهدا لإقناعه بقيمة ما يفعله وأهميته على المديين القصير والطويل، لأن العملية التعليمية في الحقيقة صارت تنافس الكثير من الأمور الترفيهية في حياة الطالب، وهو بينما يفهم لماذا يمارس الترفيه ويتصفح الإنترنت ويشاهد مئات القنوات التلفزيونية ويلعب ألعاب الفيديو وغير ذلك، فهو لا يفهم لماذا يذهب للمدرسة ولماذا يقضي السنة بعد السنة في أداء الواجبات وحفظ المعلومات قبل الاختبار ونسيانها بعد الاختبار؟ أهداف العملية التعليمية يجب أن تبنى من وجهة نظر الطالب وبطريقة قادرة على إقناعه بأهميتها حتى يأتي ولديه الحافز ليفكر ويدرس ويتعب ويركز مع الأستاذ ويشارك مع الطلاب بإيجابية وحتى لا يشاغب ولا يكره الحياة ويكره أستاذه والطلاب ويصبح إنسانا معقدا نفسيا. إذا أردت أن تدرس الطالب اللغة العربية، فعليك أن تشرح له لماذا يحتاج إلى فهم قواعد الإعراب، ولو فشلت في ذلك، فسيتحول الأمر في النهاية لعملية تشبه إلزامك بالحضور ثماني ساعات يوميا لمدة 12 سنة لتعلم اللغة اللاتينية. في الجامعات الأمور أفضل بقليل، فهناك تخصص وهناك شعور لدى الطلاب بأن معرفة معلومات التخصص ستفيدهم بشكل من الأشكال في حياتهم العملية، ولكن في كثير من الأقسام الجامعية (باستثناء الأقسام العلمية مثل الطب والهندسة) فإن كثيرا من الطلاب أيضا لا يعرف لماذا يتعلم، أو أنه مقتنع بأن هذا التعلم لن يفيده على الإطلاق في حياته العملية، ويقنع نفسه بأنه يدرس لأجل الشهادة فقط، لأن هذه الشهادة تؤمن له الوظيفة، ولذا فهو في الغالب يقوم بالحد الأدنى من المهام التي تضمن له الحصول على الشهادة رغم أنه يحضر كل يوم ويدفع أحيانا تكاليف مادية كبيرة. حتى لو اقتنع الطالب في المرحلة الجامعية بأهمية الدراسة وفهم أهدافها فهو في كثير من الأحيان أيضا لن يستفيد من ذلك لأن شخصيته عبر المراحل التعليمية المختلفة تم بناؤها كشخصية مهملة غير قادرة على تحمل المهام الصعبة ومستاءة من الجلوس على مقاعد الدراسة، وهي الشخصية التي تبقى معه عبر دراسته الجامعية ثم خلال حياته العملية بكل أسف. ملخص هذا المقال، بأن هناك حاجة ماسة ذات تأثير ضخم جدا في المجتمع لإعادة هيكلة العملية التعليمية، حيث تصبح عملية أكثر ''ديمقراطية'' تتفهم احتياجات الطالب وتقنعه بقيمة ما يفعل وترسم تفاصيل العملية التعليمية حول المهارات التي سيكتسبها الطالب، بما في ذلك مهارات التعامل مع المعرفة والمعلومات حسب المجال الذي يعمل فيه الإنسان وما يريد تحقيقه. في الأسبوع المقبل سأتحدث عن جانب آخر من جوانب تطوير العملية التعليمية ثم أغلق هذا الملف لأن الحديث عن إصلاح التعليم يشبه فتح الجروح وجلب الآلام دون فائدة تذكر. الإصلاح الشامل للتعليم يحتاج إلى عظماء يدركون ضخامة المشكلة ومدى صعوبة الحل ويحاولون بذل خطوات على طريق المليون ميل (مع التقدير الخاص لكل الذين يبذلون جهودا هنا وهناك ويعملون بصمت لعلاج الأزمة). حتى ذلك الحين، سيبقى الطلاب يغنون: أدرس ''ليه أنا ما أدري''!
إنشرها