Author

هل يرث اليوان الصيني عرش الدولار الأمريكي (1 من 2)

|
في الربع الثاني من هذا العام أضافت الصين إلى احتياطياتها من النقد الأجنبي 178 مليار دولار، لتتجاوز بذلك احتياطيات الصين من النقد الأجنبي حاجز تريليوني دولار، وذلك نتيجة ارتفاع تدفقات رؤوس الأموال إلى الصين للاستفادة من فرص النمو الاقتصادي المرتفع للاقتصاد الصيني وكذلك احتمال ارتفاع قيمة اليوان. العالم كله يتحدث الآن عن تحول اليوان الصيني (أو الرينمينبي والتي تعني في اللغة الصينية عملة الشعب) إلى عملة احتياط عالمية، لينافس في ذلك الدولار الأمريكي في تشكيلة الاحتياطيات من النقد الأجنبي للبنوك المركزية في العالم. حيث تسعى الصين حاليا إلى إضافة اليوان إلى سلة العملات التي يتم على أساسها تقييم وحدات حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي، كذلك بدأت الصين في استخدام اليوان في تسوية المعاملات التجارية بينها وبين بعض دول العالم، هذه الخطوات نظر إليها على أنها بداية تحول اليوان إلى عملة دولية، وتصاعدت التوقعات بأن يتحول اليوان إلى عملة احتياط عالمية. على سبيل المثال أعلن وزير المالية الروسي أن الصين أمامها نحو عشر سنوات لكي تتحول عملتها إلى عملة احتياط دولية، أي لكي يكون هناك طلب كاف على اليوان، حيث يرتفع نصيبه في الاحتياطيات العالمية من النقد الأجنبي لدى البنوك المركزية للعالم. وهكذا يبدو أن الصين بعد أن طالبت العالم بالبحث عن عملة احتياط بديلة للدولار في اجتماع مجموعة العشرين، فإنها تحاول الآن أن توجد مثل هذه العملة بنفسها من خلال تكثيف استخدام اليوان عالميا. عملة الاحتياط الدولية هي العملة التي يتم الاحتفاظ بها بكميات كبيرة من قبل البنوك المركزية لدول العالم كجزء من احتياطياتها بالعملات الأجنبية، كما يتم استخدامها في عملية تسعير السلع التجارية الدولية مثل الذهب والنفط وغيرها. ولأن العالم يحتاج إلى كميات كبيرة من عملة الاحتياط، لأغراض بناء احتياطياته من النقد الأجنبي، فإن الدولة صاحبة عملة الاحتياط تكون في مركز متميز يمكنها من الحصول على احتياجات الاقتراض اللازمة لها بتكاليف أقل من غيرها من الدول، كذلك فإنها تتمكن من شراء احتياجاتها الاستيرادية من الخارج باستخدام عملتها الوطنية بشكل مباشر، أي دون حاجة إلى تحويلها إلى عملة أجنبية، مما يقل من تكلفة المعاملات لعمليات الاستيراد إضافة إلى العديد من المزايا الأخرى. وبدءا من كانون الأول (ديسمبر) الماضي بدأت هونج كونج في استخدام اليوان لتسوية التجارة بين مجموعة مختارة من الشركات الصينية في إقليم جنوب جوندونج مع ستة بنوك مركزية في تعاملات تجارية يقدر حجمها بنحو 95 مليار دولار. وفي الأسبوع الماضي نشرت بلومبرج أن ثلاث من أكبر الشركات الصينية هي: Shanghai Silk Group وShanghai Electric Group Co. وShanghai Huanyu Import & Export Co.، قد بدأت بالفعل في توقيع عقود تسوية صفقات صادراتها ووارداتها باليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي مع هونج كونج وإندونيسيا. كذلك بدأت الصين بالفعل منذ الشهر الماضي بإجراء عدد من الترتيبات المتبادلة في اليوان الصيني Swaps بمقتضاها تقوم الصين بتوفير اليوان للبنوك المركزية ليتم استخدامه لأغراض تمويل المعاملات التجارية مع الصين وذلك لكل من الأرجنتين وهونج كونج وإندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية، وبمقتضى اتفاقيات الترتيبات المتبادلة مع البنوك المركزية الخارجية ستسمح الصين لتلك البنوك بأن تقوم ببيع اليوان الصيني للمستوردين في تلك الدول لتمكينهم من استيراد السلع الصينية باليوان. ولا شك أن مثل هذه الخطوة ستقلل من مخاطر معدل الصرف للشركات الصينية، والتي تتعرض لها في ظل النظام الحالي الناجم عن التقلبات الكبيرة في معدلات صرف العملات الدولية بصفة خاصة الدولار واليورو. تسوية المعاملات التجارية باستخدام اليوان يعد إذن أكثر مناسبة لكل من الشركات الصينية والأجنبية التي تتبادل تجاريا مع الصين. حيث سيساعد تلك الشركات الأجنبية على التقليل من تكاليف المعاملات التي تتحملها من جراء تحويل عملتها المحلية إلى الدولار الأمريكي، ويساعد الشركات الصينية على التقليل من مخاطر تقلبات معدل صرف الدولار. كذلك قامت الصين بعقد صفقات تجارية مع البرازيل باستخدام العملات المحلية للدولتين لأول مرة دون استخدام الدولار كعملة وسيطة. بمقتضى هذه السياسات تحاول الصين أن تقلل من تراكم فوائضها التجارية بالدولار الأمريكي. وينظر البعض إلى تزايد الاستخدام لليوان الصيني بدلا من الدولار الأمريكي بأنه يمثل تهديدا للدولار، بل وأنه يمثل تحولا في طبيعة القوى الاقتصادية على المستوى العالمي وتزايد أهمية بعض الاقتصاديات الناشئة مثل الصين. من ناحية أخرى، فإن الصين تدعو العالم وبإلحاح إلى اعتماد عملة احتياط عالمية أخرى غير الدولار هي وكل من روسيا والهند، بسبب المخاطر التي تحيط بالدولار الأمريكي حاليا نتيجة لتصاعد حجم الدين المحلي واتباع الاحتياطي الفيدرالي لسياسات التيسير الكمي على نحو يمكن أن يؤدي إلى حدوث تضخم يطيح بالقوة الشرائية لاحتياطيات العالم من الدولار. كذلك دعا المستشار الاقتصادي للحكومة الهندية هذا الشهر رئيس الوزراء الهندي بضرورة أن تنوع الهند من احتياطياتها بالنقد الأجنبي بعيدا عن الدولار الأمريكي، كذلك وفي أكثر من مرة ادعى الرئيس الروسي ميدفيديف أن الدولار الأمريكي لم يعد يصلح لأن يكون عملة الاحتياط للعالم. إن تعدد عملات الاحتياط يعد في صالح العالم لأنه يعطي الفرصة للبنوك المركزية بأن تدير احتياطياتها من النقد الأجنبي بشكل أفضل وأن تنوع تلك الاحتياطيات، ومن ثم تقلل مستوى المخاطر المصاحبة لتركز هذه الاحتياطيات في عدد محدود جدا من العملات. ومن المؤكد أنه إذا تصاعد دور اليوان عالميا فإن ذلك سيحدث آثارا سلبية على الولايات المتحدة، حيث إن الدور الذي يلعبه الدولار عالميا كعملة الاحتياط الأولى يمنح العديد من المزايا للولايات المتحدة، إذ يمكن ذلك الولايات المتحدة من الاحتفاظ بعجز كبير في ميزان مدفوعاتها دون قلق لسهولة تمويله من الخارج، واستمرار الاحتفاظ بعجز في ميزانيتها العامة عند مستويات مرتفعة ومن ثم الدين العام الأمريكي دون آثار كبيرة على مستويات النشاط الاقتصادي فيها نظرا لاستمرار الطلب على الدولار عالميا، وتمكين الولايات المتحدة من إصدار أدوات الدين العام بعملتها المحلية بدلا من العملات الأجنبية، واستمرار الاقتراض من الخارج بمعدلات فائدة منخفضة، كما أن أي انخفاض في قيمة الدولار الأمريكي سيتحمله المقرضون للولايات المتحدة أساسا.
إنشرها