Author

المعايير في مهنة المحاسبة وتحقيق الكفاءة في أسواق المال

|
في البداية يجب الإشارة إلى أن المحاسبة مهنة تمارس بشكل عملي منذ زمن ليس بالقصير للتعبير عن جميع الأحداث والمعاملات المالية والاقتصادية لاستخدام منظمات الأعمال لمواردها والصورة التي تكون عليها هذه الموارد والالتزامات المقابلة لها خلال فترة زمنية محددة عادة ما يطلق عليها بالسنة المالية، ومن ثم التقرير عن نواتج أو مخرجات هذه الأحداث والمعاملات المالية والاقتصادية من خلال مجموعة من الوسائل المتعارف عليها كالتقارير المالية في صورة رقمية ووصفية في آن واحد. ومن المسلم به أن إعداد هذه التقارير المالية ليست هدفا في حد ذاته لمهنة المحاسبة، وإنما الهدف هو استخدامها كوسيلة يتم من خلالها توفير مصدر للمعلومات المفيدة الذي تقدمة منظمات الأعمال لمستخدمي تقاريرها المالية من الأطراف أصحاب المصلحة بشكل عام. هذه المعلومات التي ترد بالتقارير المالية يطلق عليها اصطلاح ''المعلومات المحاسبية''. وإذا ما نظرنا على وجه التحديد إلى تقرير مراقب الحسابات في بيئة الممارسة الميدانية والتطبيق الفعلي لمهنة المحاسبة، فإننا سنجد أنه يتضمن فقرة تشير إلى أن هذه المعلومات المحاسبية قد أعدت وفق مجموعة من المعايير تعرف باسم ''معايير المحاسبة''، والتي على ضوئها أعدت التقارير المالية المنشورة. هذه المعايير بالطبع تم وضعها وصياغتها ونشرها عن جهة أو هيئة رسمية مختصة في بيئة ممارسات الأعمال التي نشأت من أجلها المعايير، ما يعطيها صفة القبول والانتشار الواسع لها والالتزام بها بشكل رسمي على مستوى جميع منظمات الأعمال المعاصرة في بيئة الممارسة الميدانية لمهنة المحاسبة، وذلك خدمة كما سبق القول للمصالح العامة. الأمر الذي يجعلنا نقوم بطرح هذا التساؤل المهم، وهو ،،،،،،، لماذا نحتاج في علم المحاسبة على وجه التحديد إلى معايير، في حين أن هناك علوما أخرى لا تحتاج إلى معايير؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب علينا الكشف أولاً عن المعلومات وأهميتها بصفة عامة والمعلومات المحاسبية بصفة خاصة باعتبار أن محور اهتمامات علم المحاسبة ينصب على تقديم وتوفير معلومات مفيدة تلبي عديدا من الأغراض الواسعة لمساعدة مستخدميها من الأطراف الذين لهم مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في اتخاذ قرارات أكثر صوابا. فالمعلومات بصفة عامة والمعلومات المحاسبية بصفة خاصة تستمد أهميتها من القدرة الإخبارية التي تتمتع بها، وتتوقف تلك القدرة على مستوى درجة اكتمال المحتوى من المعلومات بتوافر جميع مفردات المعلومات اللازمة لصانع القرار في قاعدة المعلومات التي تتيحها أسواق المال بشكل عام وسوق الأوراق المالية على وجه الخصوص، ومستوى الجودة في المحتوى الذي يتوافر في كل من مكوناته من خلال مدى توافر الخصائص اللازمة لتحقيق أقصى فاعلية للمعلومات وذلك في كل مفردة من مفردات المعلومات. وبالتالي فإن المحتوى الكامل من المعلومات الذي يجب على هذه الأسواق توفيره يتطلب أن يحصل المستخدمون على نوعين من المعلومات، أحدهما يتعلق بالعوامل المؤثرة في الاقتصاد ككل، بينما ينصب النوع الثاني على العوامل المؤثرة التي يعتمد عليها المستخدمون في دراسة وتقييم فرص أو بدائل الاستثمار المتاحة في هذه الأسواق والمخاطر التي ترتبط بكل منها، وتندرج المعلومات المحاسبية تحت هذا النوع من المعلومات وتشكل الجزء الأعظم منه إن لم يكن كله، فهي تشغل حيزا كبيرا ومؤثرا داخل قاعدة المعلومات يتمتع بدرجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للاقتصاد ككل والمستثمرين في أسواق المال على حد السواء. وعلى الرغم من تلك الأهمية التي تتمتع بها المعلومات المحاسبية في هذه الأسواق، إلا أن الإفصاح عن هذه المعلومات يتعرض لكثير من الجدل والخلاف وعدم الاتفاق بين الممارسين في بيئة التطبيق العملي لمهنة المحاسبة حول المفردات التي ينبغي أن يتكون منها المحتوى الإخباري للمعلومات المحاسبية والإفصاح عن هذا المحتوى، ما يقف عقبة أمام تحقيق أفضل درجات الاكتمال في المحتوى الإخباري المطلوب لهذه المعلومات في هذه الأسواق، وبالتالي التوصل إلى نتائج مضللة تشتت انتباه المستخدم للمعلومات في هذه الأسواق وتكون لديه الاعتقاد الخاطئ بشكل يؤدي إلى اتخاذه قرارات عكسية، وهذا بالطبع يعود بشكل أساسي إلى التعدد والتنوع وعدم الثبات في الممارسات المحاسبية المستخدمة. إذ كانت هذه الممارسات المحاسبية القائمة في فترة ما (أي الفترة ما قبل صدور معايير المحاسبة) تدور حول ما يسمى ''بالمبادئ المحاسبية التي تلقى قبولا عاما'' أو ''المبادئ المحاسبية المتعارف عليها''، والتي كان مصدرها التطبيق الفعلي والممارسة الميدانية والاستخدام الواسع لمهنة المحاسبة، وكانت تمثل هذه المبادئ في تلك الفترة اتفاقاً ضمنياً لما أجمع عليه المحاسبون في الممارسة الميدانية والتطبيق الفعلي لمهنة المحاسبة، دون أن يكون هناك تواجد لأي مصدر رسمي موثق يجمع هذه المبادئ المحاسبية، أو حتى قائمة أو وثيقة محددة متفق عليها تضم هذه المبادئ المحاسبية التي تلقى قبولا عاما في ذلك الوقت وتجمع فيما بينها. وبعيدا عن الدخول في التفاصيل المتعلقة بهذه الممارسات المحاسبية المتعددة المتنوعة يمكن القول أنها أفرزت معها بهذا الشكل محتوى يتصف بالتباين وعدم الاتساق في مخرجاته من المعلومات المحاسبية، وبالتالي فإن هذا التباين في المحتوى المحاسبي للمعلومات هو تباين في قدرة المعلومات المحاسبية على توفير جميع احتياجات المستخدمين من المستثمرين في أسواق المال بشكل عام وفي أسواق الأوراق المالية على وجه التحديد، وهو أيضا تباين في قراراتهم الاستثمارية من حالة لأخرى. وبالتالي يصبح اتخاذ القرار في ضوء ما توفره هذه الأسواق من معلومات تتصف بهذا التباين في القواعد والإجراءات والأعراف والسياسات المحاسبية هو بمثابة المغامرة غير المحسوبة والتي تدفع بالمستثمر في النهاية إلى تجنب هذا الشريان المهم والرئيسي من شرايين الاستثمار في سوق الأوراق المالية، ليتوجه باستثماراته إلى أسواق استثمار أخرى منافسة تتيح له ما يحتاج إليه من معلومات. وهكذا، ينتهي الأمر بأن تصبح سوق الأوراق المالية على وجه التحديد منفرة وغير قادرة على جذب الاستثمارات إليها. ونتيجة لما سبق أصبح استخدام هذه المبادئ المحاسبية المتعارف عليها أو التي تلقى قبولا عاما غير كاف للاستخدام بتوسع في الحياة العملية لمهنة المحاسبة، على أساس أنها أدت إلى استخدام مجموعة من الممارسات والإجراءات والمعالجات والطرق المحاسبية غير المتسقة بمرور الوقت والذي ترتب عليها مستويات مختلفة من المحتوى الإخباري للمعلومات المحاسبية ومستوى جودته، وأنه حان الوقت إلى وضع وصياغة مجموعة من المعايير الموحدة تعرف ''بمعايير المحاسبة'' يكون مصدرها هيئة أو جهة مختصة في البيئة محل التطبيق والممارسة المهنية لعلم المحاسبة، بحيث تعمل هذه الهيئة أو الجهة بشكل مستمر على وضع ونشر معايير يتعين مراعاتها عند إعداد المعلومات المحاسبية من خلال عرضها في التقارير المالية للمستخدمين في هذه الأسواق من المستثمرين، وتحظى بالقبول الواسع لها والالتزام بها على الصعيد المهني لعلم المحاسبة، وذلك خدمة للمصلحة العامة. وهكذا جاء ظهور مصطلح المعايير المحاسبية باعتبارها الأداة الفاعلة القادرة على معالجة وتجنب الآثار السلبية للمشكلات التي تتعرض لها المحاسبة نتيجة التعدد والتنوع في الممارسات والمعالجات المحاسبية غير المتسقة، وبالتبعية زيادة فاعلية تلك المعلومات عند توظيفها في عملية اتخاذ القرار الاستثماري بشكل خاص. وفي ضوء ذلك تهدف هذه المعايير المحاسبية بصورة أساسية إلى تحقيق أفضل مستويات الاكتمال وأعلى درجات الجودة في المحتوى من المعلومات المحاسبية من خلال تحسين منفعة المعلومات المحاسبية وتحقيق التوافق والتجانس والاتساق في التعليمات والإجراءات المتعلقة بإصدار المعلومات المحاسبية عن طريق التخلص من التباين في الممارسات المحاسبية، وبذلك تتحقق القابلية للمقارنة بين فرص أو بدائل الاستثمار المختلفة للمتعاملين في هذه الأسواق المالية من خلال توفير هذه المعايير لمعلومات محاسبية مفيدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية بشكل عام والاستثمارية بشكل خاص في بيئة الأسواق المالية الحديثة. وبهذا الشكل تكون المعايير المحاسبية هي الأداة القادرة بإجماع الغالبية العظمى من ذوي الاهتمام على اختيار الإجراءات والأساليب التي تضمن تحقيق الارتقاء باكتمال المحتوى من المعلومات المحاسبية في ضوء إجراءات وأساليب وسياسات محاسبية تكفل تحقيق محتوى محاسبي محدد ومستوى جودة معين في هذا المحتوى يحظى بقبول وإجماع الغالبية العظمى من ذوي الاهتمامات والمتخصصين في بيئة منظمات الأعمال التي نشأت المعايير من أجلها. وأخيرا،،،،،، تكمن خلاصة هذا الحوار في إبراز الدور المهم الذي تقوم به المعلومات المحاسبية في تحقيق الكفاءة في أسواق المال بشكل عام وفي أسواق الأوراق المالية بشكل خاص، ودورها أيضا في توفير الوعي الاستثماري باعتبارها أحد أهم المقومات الأساسية والضرورية في كسب ثقة المتعاملين في هذه السوق، وذلك عن طريق توفير جميع الاحتياجات من المعلومات المرتبطة بالأوضاع المالية والاقتصادية لمنظمات الأعمال الخاضعة أوراقها المالية للتداول في السوق، ومساعدة المتعاملين في من المستثمرين على اختيار أفضل محفظة للأوراق المالية، وبالتبعية اتخاذ القرار الاستثماري السليم الذي يحقق المنفعة المطلوبة. وحتى يتم تحقيق ذلك في السوق بشكل فعال ظهرت الحاجة إلى وجود مجموعة من المعايير في علم المحاسبة دون غيرها من العلوم الأخرى، لإضفاء وكسب مزيد من الثقة في المعلومات المحاسبية المتاحة لجمهور المستثمرين في السوق من خلال دورها - أي المعايير المحاسبية – في تحقيق الاكتمال في المحتوى من المعلومات المحاسبية في ضوء احتياجات المستثمرين في سوق الأوراق المالية مع إلزام جميع منظمات الأعمال التي تسجل أوراقها المالية في هذه السوق بتوفير هذه المعلومات، وثانيا تحقيق التوازن المتكافئ والمدروس بين احتياجات المستثمرين متعارضي المصالح من المعلومات المحاسبية، وأخيرا تحقيق أفضل مستويات الجودة في المعلومات المحاسبية من منظور القابلية للمقارنة أو دقة المعلومات وصدقها وخلوها من التحيز، وذلك بالطبع من خلال الاختيار الواعي والمدرك للإجراءات والسياسات والمفاهيم والمبادئ التي تتبناها هذه المعايير.
إنشرها