Author

استهلاك منتجات الطاقة .. ماذا لدى الحكومة؟

|
هنا .. في «الاقتصادية».. عندما فتحنا الحوار الوطني حول أوضاع استهلاك منتجات الطاقة في المملكة كنا أمام تحدٍ كبير.. فالموضوع حيوي ويمس مستقبلنا، ولا يمكن تجاهل خطورة تبعاته على الاقتصاد الوطني في العقود المقبلة، فمعدلات استهلاك منتجات البترول محليا في تصاعد ومعدلاتها الحالية إذا استمرت فإنها في أقل من عقدين من الزمن، سوف تجعلنا نتحول إلى بلد يستهلك معظم إنتاجه من البترول. طبعا هناك مَن لم يعجبه إثارة الموضوع ورأى أنه حث للحكومة على التخلي عن سياسات دعم أسعار الطاقة، وبالتالي رفع الأسعار، وذهب معظم ردة الفعل إلى الشعور أن المقصود هو (البنزين)، رغم أن الموضوع أشمل من هذا، ولكن يبقى أن (الإنسان عدو ما يجهل). إن كثيرا من الناس يجهلون الحقائق المحيطة بهذا الموضوع، وهذا ما حاول كثير من المختصين طرحه عبر سلسلة من الموضوعات العلمية التحليلية حتى يكون الرأي العام مستنيرا لا ينجرف خلف العواطف، فمواجهة احتمالات المستقبل ومفاجآته تواجه بالقلق الموضوعي الذي لا يحتمل المجاملة أو طمر الحقائق، وعموما لا أحد يشك في أن الحكومة مدركة لسلبية الوضع القائم وخطورة استمراره على مستقبلنا، ولكن الحكومة لن تستطيع التصدي لهذا الوضع إذا لم يكن الإجماع الوطني قائما على إدراك خطورة استمرار الهدر والإسراف وتكريس سلوكيات الاستهلاك المتنامي للثروة النفطية الوطنية. لقد كانت التوجهات الحكومية تستهدف عبر خفض أسعار منتجات الطاقة، بالذات البنزين، مساعدة أصحاب الدخل البسيط والمتوسط على مواجهة تضخم الأسعار الذي واجهنا قبل سنتين، وهذا توجه حكيم وإيجابي ولكن هل تحقق فعليا دعم أصحاب الدخول البسيطة وتغير حياتهم بشكل جذري. إن خفض فاتورة البنزين لأسرة متوسطة لديها سيارة أو سيارتان 20 – 30 في المائة لن يؤدي إلى وفر في نفقات الأسرة، ولكن لو حسبنا المبالغ الكبيرة التي ضاعت من إيراد الحكومة لوجدنا أن استثمارها في مشاريع للإسكان أو للتعليم هو الذي يحقق للمواطن التبدل الحقيقي في حياته، فعندما يمتلك أصحاب الدخول البسيطة مساكن، ويحصل أبناؤهم على تعليم ممتاز ورعاية صحية متقدمة ويعيشون في بيئة آمنة مستقرة.. هذا الذي ينقلهم من حال إلى حال، ويدفن فقرهم. والآن دعونا نطرح هذا السؤال بتجرد: هل الفئات السكانية التي تستهدفها برامج الدعم الحكومي، مثل دعم (الأرز والبنزين) حققت تبدلا ملموسا في حال البسطاء؟ مَن يقول نعم، فإنه يكذب على نفسه ويخدع البسطاء ويستثمر عواطفهم لمزايدات شخصية تفيده هو ولا تفيدهم هم، وهذا هو حال الذين وتروا الرأي العام وأججوا المشاعر، وبالتالي دفعوا الحكومة إلى إجراءات تكرس ظاهرة الاستهلاك المتنامية الخطيرة على مستقبلنا، وهي خطيرة إذا لم نتدارك الوضع ونغلِّب عقولنا على مشاعرنا. الحكومة بيدها آليات موضوعية عديدة لدعم أصحاب الدخول البسيطة والوقوف إلى جانبهم وتبديل حياتهم بشكل جذري، وإحدى هذه الآليات الدعم المكثف والمنظم للإسكان، فالإنسان البسيط العفيف المتعفف ذو العيال يريد مسكنا ولا يريد خفض سعر البنزين. إذا كان هذا الإنسان البسيط لديه سيارة واحدة و(مشاويره) محدودة.. ماذا يفيده رخص البنزين؟ ثم ماذا يفيد اقتصادنا الإسراف في استهلاك البنزين؟ أعتقد أن غالبية الناس لا يدري أننا نستورد ما يقارب 70 ألف برميل يومياً من البنزين إلى وقت قريب، وهذا الرقم سوف يتراجع هذا الشهر إلى 35 ألفا، وهذا التراجع للاستيراد ليس بسبب تراجع الاستهلاك بل هو نتيجة لرفع الطاقة الإنتاجية المحلية بعد استثمار ما يقارب عشرة مليارات من الدولارات. ولعلنا ندرك أن من مصلحة اقتصادنا أن نوقف الاستيراد كليا دون الحاجة إلى استثمار مليارات الريالات لرفع طاقة التكرير المحلية. كل الذي نرجوه هو أن يقف الناس على حقائق ارتفاع استهلاك منتجات الطاقة وهو ما حذر منه وزير البترول.. وهو تقريبا ما سعينا إليه عبر فتح الملف المهم، والأمر الإيجابي أن الناس بعد استمرار مناقشة الموضوع بدأت تتفهم خطورة الوضع على مستقبلنا، والحكومة عليها أن تراجع الوضع القائم، والناس ستكون متفهمة إذا تم توجيه برامج الدعم إلى الجوانب التي تمس حياة الناس مباشرة مثل الإسكان.
إنشرها