Author

الجاسر وحديثٌ عن السياسة النقدية

|
ألقى الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد محاضرة قيمة في الغرفة التجارية في جدة يوم الأربعاء الماضي، تحدث فيها عن دور السياسة النقدية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي. بدأها قائلا إن اعتماد اقتصادنا على عوائد النفط المتذبذبة يجعله أكثر تقلبا من الاقتصادات المعتمدة على مصادر دخل متعددة. لذا كانت أولوية سياساتنا الاقتصادية المالية والنقدية هي المحافظة على استقرار اقتصادنا من آثار تقلبات الدورات الاقتصادية. ففي حين تميل سياسات بعض الدول في فترات معينة إلي مجاراة اتجاه الدورة، فإن سياساتنا تتوخى تلطيف حدة الدورة رواجا وانكماشا. فعندما كانت عوائد النفط متراجعة تبنت الحكومة لسنوات عديدة سياسة مالية توسعية فاقت فيها النفقات العامة الإيرادات، وتمت تغطية العجز بدين عام مستمر حتى بلغ حجمه نحو 100 في المائة من الناتج المحلي. ثم عندما بدأت فترة الرواج في السنوات الأخيرة وتراكم الفائض، تم ضبط الإنفاق الحكومي بالقدر الذي يستوعبه اقتصادنا، مع خفض الدين العام تدريجيا حتى بلغ الآن نحو 15 في المائة من الناتج المحلي. أما فيما يتعلق بالسياسة النقدية فركزت على استقرار سعر الصرف، وضبط تحركات الريبو والريبو العكسي. وفي الوقت نفسه كان هناك رقابة وإشراف دائم على عمل كامل الجهاز المصرفي من خلال السيطرة على حجم الائتمان ومنع الاندفاع المفرط في منح القروض، وفي الوقت ذاته حماية خدمات التمويل من التقلبات الكبيرة بين فترات الانكماش والرواج. وترتب على ذلك نجاحنا في المحافظة على ملاءة جيدة لجهازنا المصرفي برمته. والحقيقة أن المحافظ جذب انتباه الحضور، فقد كان كعادته متحدثا بارعا، وعندما فتح باب الحوار أجاب عن جميع الأسئلة باقتدار وشفافية، ورحابة صدر ووجه طلق تعلوه ابتسامة جميلة تعكس ثقة عالية بالنفس. وعندما جاء دوري في الحوار، قلت للدكتور الجاسر: لا شك أن المؤسسة نجحت في ضبط الائتمان المحلي وقت الرواج، وصانت فوائض البلاد من الانزلاق في استثمارات عالية المخاطر، بيد أن نجاحها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وبالذات استقرار الأسعار كان محدودا ! فقد عانى الناس خلال فترة الرواج وحدث تدهور ظاهر في مستوى معيشة الطبقتين المتوسطة والفقيرة. فأجابني الدكتور الجاسر وابتسامته الساحرة تعلو محياه: إن وظيفة المؤسسة كبنك مركزي هي توفير بيئة صحية تتسم بالاستقرار المالي والنقدي تساعد المختصين والمعنيين بالشأن التجاري والاستثماري على التوقع وحسن اتخاذ القرارات، وبذلنا أقصى جهدنا في المحافظة على قوة الريال محليا، لكن ليس من مهامنا المباشرة تبني برامج عدالة اجتماعية، فهذه مسؤولية جهات أخرى. ثم سئل الدكتور محمد الجاسر عن سياسات تحفيز البنوك على توفير الائتمان في الوقت الراهن، فأجاب أن الرغبة في تحقيق الربح هي أكبر حافز لدى البنوك، فالتمويل الذي تجد البنوك فيه مصلحة لها ستتبناه حتما. ومع ذلك فقد اتخذت مؤسسة النقد أخيرا عددا من الإجراءات المناسبة لتوفير السيولة، ويبقى على كل بنك تقدير المخاطر والمجالات التي تسمح له الظروف الراهنة بالولوج فيها. ثم بين الدكتور الجاسر أن سبب تأخر فتح حسابات بنكية للجمعيات الخيرية يعود لإجراءات نظامية لا تتعلق بالمؤسسة، وأن عدم قدرة المرأة على فتح حسابات بنكية لأبنائها القصر أو الاكتتاب لهم، يعود لأسباب تشريعية ليس للمؤسسة دور فيها، فالزوج يمكن له شرعا الاستيلاء على هذه الحسابات، وقد يسبب هذا إشكالات عائلية. وأخيرا طمأن المحافظ أن فوائض الدولة واحتياطاتها تدار بمهنية واحترافية عالية تتوخى تقليل المخاطر وضمان توفير السيولة عند الحاجة. قد تختلف الاجتهادات حول بعض سياسات مؤسسة النقد، لكن كفاءة وقدرات ومهنية وشخصية محمد الجاسر الاستثنائية لا خلاف حولها. إنه مفخرة وطنية تنتزع الإعجاب والاحترام.
إنشرها