تأخر سن الزواج للفتيان والفتيات مدعاة للفساد! (3 من 3)

هذا المقال هو امتداد لحديثنا حول مشكلة تأخر سن الزواج للفتيان والفتيات، وسنحاول فيه التركيز على تلمس الحلول التي نرى أنها تخفف من آثار المشكلة، بعد أن تحدثنا في المقالين السابقين عن واقع الأزمة وأسبابها، ونتائجها السيئة على المجتمع، مذكرا في البداية بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضّ للبصر، وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، (متفق عليه)، وحديثه، صلى الله عليه وسلم، (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، (رواه الترمذي)..، راجيا التأمل في معاني هذين الحديثين لنرى أين نحن من العمل بهما، وكم من الشباب اليوم، الذين لا يجدون القدرة المادية على الزواج، يلجأ للصوم..، وكم من البنات والأسر اليوم يبحث عن الدين والخلق فيمن يتقدم للزواج، وأكثر مما يبحث عن أمور أخرى مثل الجاه والثروة.
وحين ننتقل إلى طرح الحلول فإني واثق من أننا لو أخلصنا النية، وعقدنا العزيمة على التخفيف من آثار المشكلة، إن لم يكن القضاء عليها، فإننا سننجح، بيد أن ذلك لا يتأتّى إلا بتضافر الجهود، والتعاون بين الدولة والمجتمع، والعلماء، والأثرياء، ومؤسسات المجتمع المدني، على نحو ما سيأتي بيانه:
1- قيام المجتمع، وعليّة القوم فيه بخاصة، بمبادرات تهدف إلى الحد من مظاهر البذخ والإسراف في أمور الزواج، ابتداء من عدم التشدد في طلب المهور، والاكتفاء بإقامة حفل الزواج في المنزل، أو في استراحة متوسطة، بدلا من الفنادق وقصور الأفراح، وتقليل عدد المدعوين إلى أدنى حد ممكن، وقصره على الأسرة والمعارف، فعدا عن أن هذا يسهم في تخفيض النفقات التي يكون الزوجان في حاجة إليها في بداية تأسيس حياتهما، فإن فيه توفيرا للجهود والتعب الذي يصاحب الإعداد للزواج، فضلا عما يشاهد من أن الزيجات التي تتم بهذا الأسلوب ينزل الله فيها البركة، وتكون سببا لجلب السعادة والنجاح والراحة النفسية.
2- نتمنى ونأمل أن يصدر ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين توجيها إلى الشعب بتيسير أمور الزواج، والتشجيع عليه في السن المناسبة له، وقبول من يُرتضى دينه وخلقه، عملا بتوجيه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فالناس أحوج ما يكونون إلى مثل هذا التوجيه في هذا الوقت بالذات، وأكثر ما يكونون إصغاء له.
3- نأمل كذلك أن يقوم سماحة المفتي، وهيئة كبار العلماء، كل من جانبه، بشرح معاني الأحاديث النبوية للناس، ويبينوا لهم مغبة تأخير الزواج، والتشدد في شروطه، والمبالغة في تكاليفه، ويبينوا لهم كذلك أنواع الفساد التي تنتج عن بقاء الأبناء والبنات دون زواج إلى سن متأخرة!
4- الرجاء يساق أيضا إلى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالتأكيد على الدعاة، والمرشدين، وخطباء الجوامع، باستحضار أمور الزواج، والتحدث عنها في لقاءاتهم وخطبهم، وحث الناس على تشجيع أبنائهم وبناتهم ومساعدتهم على الزواج، وتيسير أموره، والتشجيع على خفض المهور، بل وتقنينها في محيط الأسر، والقبائل، والمجتمعات الصغيرة، وإعلان ذلك للناس، حتى يقتدوا بهم.
5- يمكن أن يقوم أمراء المناطق والمحافظون، ورؤساء المراكز، بدور مباشر في النصح وتحبيذ فكرة تسهيل الزواج، وذلك بحكم العلاقة التي تربطهم بالناس وقربهم منهم، وإمكان التجاوب معهم.
6- يقوم المثقفون بمبادرات من جانبهم تسهم في التوعية، وبيان المنفعة والضرر، من خلال الكتابة في الصحف، والحديث في وسائل الإعلام، ومن خلال البدء بالتطبيق على أنفسهم، ليكونوا قدوة لغيرهم.
7- تشجيع إنشاء الجمعيات والمؤسسات الأهلية، التي تعنى بتسهيل أمور الزواج والمساعدة عليه، ودعم القائم منها، من قبل الدولة، والتجار والأثرياء، والموسرين، بما يتيسر من أموال الزكاة، والتبرعات، والأوقاف، والإشادة بما تقوم به، ونشر معلومات عنها للناس، للتسهيل على من يريد الاتصال بها، أو الوصول إليها، بما في ذلك إعلان أرقام حساباتها.
8- من المعلوم أن بنك التسليف والادخار يقوم بتقديم قروض ميسرة لراغبي الزواج، ويبلغ حد القرض الأعلى 45 ألف ريال، وبالنظر إلى تكاليف الحياة اليوم، وما تقدمه بعض الدول المجاورة، نجد أن هذا القرض متواضع، ومن المؤمل أن تتكرم الدولة برفع المبلغ إلى 50 أو 60 ألف ريال، على أن يكون نصفه قرضا ونصفه إعانة، وهو أمر غير مستبعد ولا مستكثر من الدولة على أبنائها.
9- حدثني كثيرون عن التعدد في الزواج كأحد الحلول، وأن قبوله والأخذ به من جانب الرجل القادر، ومن الفتاة التي تأخر زواجها، وكذلك من قبل الأرملة والمطلقة، سيسهم في حل المشكلة، وهو خير من البقاء دون زواج، ولدى التفكير في هذا الأمر نجد أنه يمكن قبوله كواحد من مجموعة الحلول التي ذكرناها، وذلك بشروط منها توافر المقدرة المادية والصحية لدى الرجل، فضلا عن العدل والمساواة بين الأسرتين، وألا يكون ذلك على حساب رعاية الأبناء، أو يكون سببا في تشتتهم، أو التأثير سلبا في وضعهم الدراسي. ومن ثم فإن التعدد، بضوابطه الشرعية والعرفية والأخلاقية، يمكن أن يسهم في حل جانب من المشكلة، وهو أولى من تكدس البنات في البيوت، وبقائهن دون زواج.
10- قيام العلماء، كل من جانبه، ببيان مضار العادات السيئة في الزواج، مثل مسألة تكافؤ النسب، وعدم تزويج الابنة الصغرى قبل الكبرى، أو حصر التزويج داخ الأسرة، أو عدم السماح برؤية الشاب الفتاة التي يريد أن يتزوجها، وأن يبينوا للناس الأخطار التي تنجم عن التوقف عن تزويج بناتهم لهذه الأسباب.
11- تشجيع إقامة حفلات الزواج الجماعي للشباب ذوي القدرة المادية المحدودة، من قبل الجمعيات والمؤسسات الخيرية، والحث على ذلك، ومباركته وحضوره من قبل العلماء وأمراء المناطق، والمحافظين، أسوة بما قامت به بعض الجمعيات.

نسأل الله التوفيق والهداية لأعمال الخير، وأن يعين عليها ويباركها، ويرزق كل منفق عليها خلفا.

والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي