default Author

كيف يؤدي انخفاض الدولار إلى ارتفاع أسعار النفط؟

|
[email protected] لا يكاد يخلو خبر عن أسعار النفط في هذه الأيام من ذكر عبارات تشير إلى دور انخفاض الدولار في رفع أسعار النفط، لكن هذه الأخبار لاتشرح العلاقة بينهما. مقال اليوم يشرح هذه العلاقة بشكل مختصر بهدف تعزيز الثقافة النفطية لدى القارئ، علما بأن البحوث العلمية في هذا المجال نادرة جداً، وأغلبها قام بها كاتب هذا المقال. حقائق 1- يتم تسعير النفط وبيعه وشراؤه بالدولار. 2- كل النفط في العالم يسعر بالدولار ولكن هناك بعض الدول التي تشترط أن تتسلم العائدات باليورو. تسلم العائدات باليورو لايعني تسعير النفط باليورو، ولايوجد أي نفط في العالم الآن يسعر باليورو. 3- تسلم أغلب الدول عائدات النفط بالدولار، ولكنها تستورد سلعاً وخدمات من دول شتى بعملات مختلفة. 4- تستثمر شركات النفط العالمية في دول مختلفة، الأمر الذي يعني أن تكاليفها تكون بالدولار وغير الدولار، في الوقت الذي يباع فيه نفطها في الأسواق العالمية بالدولار. 5- الفوائض المالية للدول النفطية موزعة على عملات مختلفة يحتل الدولار فيها نصيب الأسد. 6- أحد أسباب انخفاض الدولار هو زيادة العجز في الميزان التجاري الأمريكي. أي أن اتساع الفجوة بين ما تصدره الولايات المتحدة وبين ما تستورده يسهم في تخفيض الدولار. أثر انخفاض الدولار على المدى القصير يختلف أثر انخفاض الدولار على المدى القصير عن انخفاضه على المدى الطويل اختلافاً جذرياً، ولكن ينتج عن كليهما ارتفاع أسعار النفط، ومن ثم انخفاض الدولار مرة أخرى. فانخفاض الدولار على المدى القصير يسهم في زيادة المضاربات في أسواق النفط الآجلة، ويرفع الطلب على النفط شكلياً، الأمر الذي يرفع أسعاره، ويزيد عجز ميزان المدفوعات الأمريكي، والذي يؤدي بدوره إلى تخفيض الدولار، وهكذا دواليك. و تعود المضاربات في النفط في هذه الحالة إلى أسباب عدة أهمها أن انخفاض الدولار يجعل السلع المقيّمة بالدولار أرخص، مما يعني أن عائدها أعلى من الخيارات الأخرى. ومنها أن انخفاض الدولار يوازيه انخفاض في أسعار الفائدة، مما يجعل الخيارات الاستثمارية المرتبطة بأسعار الفائدة مثل السندات أقل جاذبية للمستثمرين. وقد أسهمت عوامل أخرى في الشهورالأخيرة في زيادة المضاربات في أسواق النفط الآجلة منها أزمة الرهن العقاري التي جعلت المستثمرين والمضاربين يبتعدون عن الاستثمار في القطاع العقاري وقطاع البنوك الممول له. من هذا المنطلق فإن قيام بعض مسؤولي "أوبك" بلوم السياسات الأمريكية على ارتفاع أسعار النفط صحيح لأن المضاربات ستكون أخف، وبالتالي أسعار النفط ستكون أقل، لولا أزمة الرهن العقاري، وسياسات تخفيض الفائدة، والسياسات الداعمة لإبقاء الدولار منخفضاَ. إلا أن البعض يرى أن المضاربات ما كانت لتحصل في قطاع النفط إذا قامت "أوبك" بزيادة الإنتاج بشكل يخيف المضاربين ويجبرهم على مغادرة السوق. أثر انخفاض الدولار على المدى الطويل 1- في الإنتاج بما أن النفط يسعر بالدولار، وبناء على الحقائق المذكورة أعلاه، ووفقاً للتحليلات الإحصائية للمتغيرات الأساسية في صناعة النفط العالمية، فإن انخفاض الدولار يؤدي إلى تخفيض الطاقة الإنتاجية وزيادة الطلب على النفط. انخفاض الإنتاج وازدياد الطلب يؤديان إلى زيادة أسعار النفط. لو نظرنا إلى الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط نجد أن انخفاض الدولار يخفض القيمة الشرائية لصادرات النفط، الأمر الذي يخفض الاستثمارات في مجالات الاكتشاف والتنقيب والصيانة، وبالتالي انخفاض الطاقة الإنتاجية عما ستكون عليه لو كان الدولار مرتفعاً. وإذا نظرنا إلى الشركات، خاصة في أوروبا، فإنها تدفع تكاليفها وأجور عمالها بالعملات المحلية وباليورو، وهي عملات ترتفع قيمتها مقارنة بالدولار، الأمر الذي يرفع تكاليف هذه الشركات، في الوقت الذي مازالت تبيع فيه نفطها في الأسواق العالمية بالدولار الذي ينخفض باستمرار. ارتفاع اليورو وانخفاض الدولار في هذه الحالة يخفض أرباح الشركات، ويؤدي بالتالي إلى تخفيض إنفاقها الاستثماري، وبالتالي يسهم في رفع أسعار النفط. وتأثرت حتى صناعة النفط الأمريكية بانخفاض الدولار حيث ارتفعت تكاليف الأدوات والمعدات المستوردة من الخارج. 2- في الطلب ينتج عن انخفاض الدولار زيادة الطلب على النفط في الدول التي ترتفع عملاتها مقابل الدولار لأن النفط يصبح أرخص في هذه الحالة. فعلى سبيل المثال، إذا كان الدولار يساوي اليورو، وكان سعر النفط 100 دولار في أوروبا، فإنه يساوي 100 يورو أيضاً. فإذا انخفض الدولار وأصبح اليورو يساوي دولارين، وبقي سعر النفط على حاله، فإن سعر النفط سيكون 50 يورو فقط. من وجهة نظر الأوروبيين انخفضت أسعار النفط بمقدار النصف بسبب انخفاض سعر الدولار. هذا الانخفاض يسهم في زيادة الكمية المطلوبة من النفط. إن انخفاض الدولار يفسر عدم تأثر كثير من اقتصادات الدول الصناعية بارتفاع أسعار النفط. أما في الولايات المتحدة فإن انخفاض الدولار أسهم ، ضمن عوامل عديدة أخرى، في زيادة الطلب على النفط. فقد نتج عن انخفاض الدولار ارتفاع تكاليف العطلات في أوروبا، الأمر الذي أجبر آلاف العائلات الأمريكية على قضاء الإجازات داخل أمريكا حيث سافروا داخلها بسياراتهم العائلية المشهورة باستهلاكها الكبير للبنزين، الأمر الذي أسهم في زيادة الطلب عليه. بناء على ماسبق فإنه يمكن القول إن سياسات الولايات المتحدة النقدية الداعمة لدولار ضعيف أسهمت، ومازالت تسهم، وستستمر بالإسهام في رفع أسعار النفط. وإذا قرر أحد لوم الولايات المتحدة على سياساتها فإن هذا الأمر يعني بالضرورة أن ضعف الدولار هو صفة "قوة" وليس "ضعفا"! خلاصة الأمر، إذا كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن ارتفاع أسعار النفط فلترفع قيمة الدولار. وإذا كانت الولايات المتحدة قلقة بشأن أمن الطاقة فإن عليها تبني سياسة دولار قوي لأن ذلك سيزيد الإنتاج وسيحد من نمو الطلب العالمي على النفط. أما بالنسبة لدول أوبك، فإن انخفاض أسعار النفط من جراء ارتفاع الدولار سيفيدها لأن العبرة في القوة الشرائية لبرميل النفط وليس في سعر النفط. فما سعر 500 دولار للبرميل إذا كانت لا تشتري إلا كيسا من الرز؟
إنشرها