أخبار

8 مقترحات لتعميق التعاون بين وسائل الإعلام المحلية وحقوق الإنسان

8 مقترحات لتعميق التعاون بين وسائل الإعلام المحلية وحقوق الإنسان

قدم الدكتور زيد بن عبد المحسن آل حسين نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان ثمانية مقترحات يراها مهمة لتعميق التعاون بين وسائل الإعلام المختلفة ومؤسسات حقوق الإنسان للوصول إلى الأسمى. واعتبر الدكتور آل حسين في ورقة ألقاها الأسبوع الماضي في الرابع عشر من نيسان (أبريل) الجاري في نادي جدة الأدبي بعنوان "حقوق الإنسان في عصر الهيمنة الإعلامية" إن مؤسسة "الإعلام" تُعد أقرب الفضاءات إلى فكرة وقيمة حقوق الإنسان وربما تكون الأكثر التصاقاً بجميع المؤسسات التي تقوم عليها المجتمعات والدول. مبينا أن دور الإعلام في خدمة قضايا حقوق الإنسان له جوانب عدة، سواء عن طريق السعي إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان أو في إبراز قضاياها أو الإسهام في الكشف عن انتهاكات قد تحصل ومواجهتها، فالإعلام متواجد منذ اللحظة الأولى للتناول الحقوقي والاجتماعي لأي انتهاكات لحقوق الإنسان على أوسع وأعلى المستويات، وله دوره البارز في فعاليات نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية الناس بها وبأهميتها. واقترح آل حسين توعية الصحافيين والناشطين الحقوقيين بالأهداف المشتركة التي تجمع بينهما، ليكونوا أكثر حرصاً على خدمتها وتعزيزها، إيجاد آلية مدروسة بين الإعلام وحقوق الإنسان، بهدف طرح أعمق وأنفع لقضايا حقوق الإنسان في وسائل الإعلام، وتدريب أفراد متميزين من الإعلاميين، على المهارات الضرورية لتناول مسائل حقوق الإنسان بمهنية عالية. وعرج نائب رئيس هيئة حقوق الإنسان على دور رؤساء التحرير والمسؤولين الإعلاميين لافتا إلى أهمية تشجيعهم للصحافيين على التخصص في مجالات محددة حتى يكونوا أكثر قدرة على العطاء والإتقان، وعوة الصحافيين والإعلاميين إلى التحلي بالتروي وممارسة محاسبة الذات أثناء خوضهم في مسائل حقوق الإنسان، فلا ينبغي السعي إلى الإثارة على حساب مصلحة بلد أو جهة أو إنسان مظلوم ، خاصةً عندما لا تكون الحقيقة واضحة، فحينها يجب الوقوف على التفاصيل الدقيقة للقضية والتأكد من صحتها لتقديم القضية بشكلٍ موضوعي. وقال إن هناك حاجة ماسة إلى التدقيق في أخبار المراسلين من جانب رؤساء التحرير، ومحاسبة المسؤولين عن الأخطاء التي كثرت الشكاوى منها في وسائل الإعلام، فضلا عن الوعي بالمخاطر الناجمة عن الانسياق وراء تضليل جهات أو وسائل إعلام أجنبية، تستهدف المملكة، بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان أحياناً، وإدراك ما يعتري مسألة حقوق الإنسان من تسييس باعتبارها إحدى وسائل القوة الناعمة Soft Power، مع الحذر من كتابات أو آراء عابرة، يتلقفها المغرضون، وتفتح أبواب الشرعلى وطن، يتربص به أعداؤه الدوائر. في مايلي نص المحاضرة: بسم الله الرحمن الرحيم "حقوق الإنسان" ... في عصر "الهيمنة الإعلامية" مــدخــل إلى حقوق الإنسان وذراعها: حقوق الإنسان فكرة قديمة يمكن استقراء وجودها عبر تاريخ البشرية فحيثما وُجد سعي لإحقاق الحق وإرساء العدالة ورفع ومحاربة الظلم فثم دلالة على حقوق الإنسان وذلك بحقيقتها لا بواقعها . وباستعراض التاريخ الإنساني يجد المتتبع المنصف أن دين الإسلام وضع الأسس الأولية لمفهوم حقوق الإنسان بالمعنى الشامل والحضاري... فالإسلام دين الحضارة الإنسانية في أرقى وأسمى صورها، وببساطة يمكن الاستدلال على ذلك بتصور أبجديات حياة المجتمع الإسلامي الأول الذي أسسه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، على أساس التآخي الإنساني والإيماني بين المهاجرين والأنصار. ولقد جسدت حياته صلى الله عليه وسلم إحقاق حقوق الإنسان وإرساء قواعدها في أسمى المعاني التي يمكن أن تتوصل إليها البشرية، فكان إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية هو السمة العامة على جميع تعاملاته وتصرفاته وقراراته وسيرته وحياته. خطبة الوداع شكلت سابقة وقد جاءت خطبة الوداع لتمثل خطاباً رسمياً كونياً أعلنه إلى البشرية جمعاء استعرض من خلاله أسس العقيدة والشريعة، وعلى رغم عمومية الخطاب وقتها إلا أن فيه مساحة كبيرة لحقوق الإنسان ، ويعرض النقاط المهمة بالتفصيل ليضرب أروع الأمثلة التي يمكن للعقل البشري تصورها في الرقي القيمي شارحاً ما أنزل الله عليه من الذكر. فقد وقف رسول العالمين وخطب بالناس خطبته الأخيرة فكانت كلماته بمثابة عرض مركز ودقيق لمجمل رسالة الإسلام حيث تضمنت خطبته الأسس المنظمة لحقوق الإنسان: - حق الحرية في الحياة والمال: «يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا في بلدكم هذا». - حقوق المرأة في الحياة الكريمة: «يا أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً وإن لكم عليهن حقاً فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً ألا هل بلغت اللهم فاشهد». - حقوق المساواة ونبذ التمييز العنصري بكل صوره وأشكاله: «يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وأدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم ألا هل بلغت اللهم فاشهد». والمتأمل في هذا الخطاب يجده موجهاً للناس فهو خطاب عام للبشرية بأسرها ليقول إن هذه هي القيم الإنسانية للإسلام وستظل قائمة ومتينة، ومهما ابتعد بنو البشر فسوف يعودون يوماً إلى الصواب وتضطرهم الحاجة إلى استلهام الصواب من وحي السيرة النبوية الشريفة. عصر الظلم! لعل القرون الأخيرة من أكثر مراحل التاريخ تعقيداً وغرابة وأكثرها انتشاراً للظلم وأشكاله وأكثرها ظهوراً لمعاناة الفئات المستضعفة من بني البشر على اختلاف حالات وأشكال الاضطهاد، وبسبب كل ذلك بدأ مصطلح حقوق الإنسان بالظهور حين شعر العالم أنه بحاجة لقوانين ومواثيق تحمي الإنسان من ويلات الحروب والظلم والاستضعاف. وفي القرن الثامن عشر بدأت تظهر المصطلحات المعبرة عن الحقوق مثل: «الحقوق الإنسانية» و»الحقوق الطبيعية» و»الحقوق البشرية. وجاءت أطروحات حقوق الإنسان في القرن التاسع عشر مرتبطة بدول وجنسيات معينة مثل: الماقنا كارتا Magna – Carta عام 1215 للميلاد، وقانون حقوق الإنسان الفرنسي أو (القانون الفرنسي لحقوق الإنسان) بعد الثورة الفرنسية عام 1789 للميلاد واستمر الأمر كذلك حتى القرن الماضي حين جاءت الحروب العالمية الدامية وذهبت بالأخضر واليابس وأزهقت أرواح الملايين من الضحايا... بعدها وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1948 للميلاد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بضاعتنا ردت إلينا من جانبها حرصت المملكة باعتبارها عضواً ذا وزن وأهمية في المجتمع الدولي على الانضمام للمعاهدات والاتفاقات المرتبطة بحقوق الإنسان وهي: 1 – اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. 2 – اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. 3 – اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة. 4 – الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. 5 – اتفاقية حماية الأشخاص ذوي الإعاقة . وانضمت المملكة كذلك إلى اتفاقات منظمة العمل الدولية المعنية بحقوق الإنسان وهي: 1 – الاتفاقيتان الخاصتان بالسخرة والعمل الإجباري. 2 – الاتفاقيتان الخاصتان بالتمييز في شغل الوظائف. 3 – الاتفاقية الخاصة بمنع استخدام الأطفال والقاصرين. 4 – اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. 5 – وبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو. 6 – وبروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخصوصاً النساء والأطفال... وغيرها من الاتفاقات. وجاءت "هيئة حقوق الإنسان" واستكمالاً لجهود المملكة في هذا المجال وعلى الصعيد الداخلي وبهدف حماية حقوق الإنسان في المملكة وتعزيزها وفقاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات ونشر الوعي بها وتطبيقها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية وبما أن المحافظة على حقوق الإنسان تقع في المقام الأول على عاتق الحكومات، تم إنشاء هيئة حقوق الإنسان بقرار مجلس الوزراء رقم 207 وتاريخ 8-8-1426هـ. ومن أهم الأدوار التي تضطلع الهيئة بها : ● التأكد من تنفيذ الجهات الحكومية المعنية بالأنظمة واللوائح السارية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ، والكشف عن التجاوزات المخالفة للأنظمة المعمول بها في المملكة ،والتي تشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان ، واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في هذا الشأن. ● إبداء الرأي في مشروعات الأنظمة المتعلقة بحقوق الإنسان ومراجعة الأنظمة القائمة واقتراح تعديلها وفقاً للإجراءات النظامية . ● متابعة الجهات الحكومية لتطبيق ما يخصها من الصكوك الدولية من حقوق الإنسان التي انضمت إليها المملكة والتأكد من اتخاذ تلك الجهات الإجراءات اللازمة لتنفيذها . إبداء الرأي في الصكوك الدولية وخاصة في حقوق الإنسان فيما يتعلق بانضمام المملكة إليها أو الأحكام الواردة فيها . تلقي الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان والتحقق من صحتها واتخاذ الإجراءات النظامية بشأنها . نشر الوعي بحقوق الإنسان ووضع السياسات العامة لتحقيق ذلك . زيارة السجون ودور التوقيف في أي وقت دون إذن من جهة الاختصاص ورفع تقارير عنها إلى رئيس مجلس الوزراء . رفع تقرير سنوي عن أعمال الهيئة ، وتقرير سنوي عن حالة حقوق الإنسان في المملكة إلى رئيس مجلس الوزراء . ولقد بدأت الهيئة عملها بمباركة من ولي الأمر وهي منذ الوهلة الأولى اجتهدت في تحقيق الأهداف التي أسست من أجلها وتسعى جاهدة في التواصل مع مختلف الجهات والأجهزة الحكومية والأهلية بغية متابعة تحقيق أهدافها، وسعياً دؤوباً للحفاظ على حقوق الإنسان في المملكة. الإعلام... ذراع الحقوق! الإعلام ذلك المفهوم الذي تطور عبر العصور ليصبح صناعة ومهنة، ليصبح علماً وتقنية. الإعلام هو الوسيط المتواجد في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والإنسانية ولم يجانب الصواب من اعتبر الإعلام ذراعاً حقوقية. الإعلام أضحى واحداً من أهم روافد التنمية الاجتماعية ومن أهم وسائط وأدوات التغير والتغيير الاجتماعي (Social Change, Social Transfer) ومصاحباً مؤثراً لجميع فعاليات المجتمع. وفي السطور الآتية نستعرض العلاقة المنشودة بين الإعلام وحقوق الإنسان، وما قد يعتريها من نقص لاستكماله. ومن الملاحظ – في هذا السياق –أنه ما من هيئة أو جهة أو جهاز أو جمعية أو تجمع بشري إلا ويمكن أن يكون له تعامل وعلاقة مع فكرة وقضايا منظمات وهيئات حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلى الأفراد، وجميعها تتعامل مع آليات حقوق الإنسان من خلال ما يخصها من علاقة أو قضايا حقوقية يتم تناولها، لكن مؤسسة "الإعلام" تُعد أقرب الفضاءات إلى فكرة وقيمة حقوق الإنسان وربما تكون الأكثر التصاقاً بجميع المؤسسات التي تقوم عليها المجتمعات والدول. ودور الإعلام في خدمة قضايا حقوق الإنسان له جوانب عدة، سواء عن طريق السعي في نشر ثقافة حقوق الإنسان أو في إبراز قضاياها أو الإسهام في الكشف عن انتهاكات قد تحصل ومواجهتها، فالإعلام متواجد منذ اللحظة الأولى للتناول الحقوقي والاجتماعي لأي انتهاكات لحقوق الإنسان على أوسع وأعلى المستويات، وله دوره البارز في فعاليات نشر ثقافة حقوق الإنسان وتوعية الناس بها وبأهميتها. أولا: علاقة تستعصي على النكران العلاقة بين الإعلام ومؤسسات حقوق الإنسان، الأحرى بها أن تكون أبعد من مجرد كون حقوق الإنسان أحد مصادر الأخبار، التي يبحث الصحافيون من ورائها عن سبق صحافي، أو غنيمة مهنية تجعل ذكرهم يتردد في الآفاق. فالقواسم المشتركة بين الجهتين في الغايات والمقاصد، ومن ثم الممارسات، قواسم في الأصول والجذور. ذات أهمية قصوى، نشير إلى بعضها على وجه التمثيل لا الحصر: أ – (النقد والبناء) الإعلام الهادف لا يتوقف عند مهمة الإنباء أو الإخبار فقط، بل هو قطاع مهم يتكامل مع بقية قطاعات الأمة والدولة الأخرى، فينهض بمهمة النقد البناء للممارسات السلبية، بهدف إصلاحها، وبث القيم الإيجابية، بهدف إشاعتها وإرساء دعائمها. وتلك مهمة أساسية تشاركه فيها مؤسسات حقوق الإنسان، فهي تناضل من أجل إصلاح الخلل محلياً، وتقاتل في سبيل إظهار المنجزات المتصلة بمجالها، أمام الآخرين. خصوصاً في المنتديات العالمية، المتأثرة أحياناً بدعايات مضللة ضد إسلامنا ووطننا. ب – ( المصلحة الوطنية) مؤسسات الإعلام، حتى وإن استهدفت الربح، إلا أنها في المقام الأول مؤسسات وطنية، لا مجال للمزايدة عليها في الحرص على مصلحة البلاد والدفاع عن استقرارها وأمنها. ومهما تعددت المغريات المعنوية والمادية فإنها لن تحمل الشرفاء، على التفريط في ثغورهم، كذلك المفترض بمؤسسات حقوق الإنسان أيضاً الأهلية منها والرسمية. فنحن نرى أن معظم الثغرات التي دخل منها أعداء الأمة في دول عربية أو إسلامية، كانت عبر أبنائها الذي صُدوا عن السبيل. ج- (نصرة المظلوم) الإعلام النزيه، يقف في وجه الظلم، وينحاز للبؤساء والمحرومين، لكنه يقف موقف المتثبت قبل الانسياق وراء العواطف. لأنه لا يمكن الانتصار للمظلوم بتبني وجهة نظر المدعي بوقوع الظلم عليه، دون التوصل إلى وجهة نظر المدعى عليه. كذلك حقوق الإنسان وجدت لذلك في الأساس. د- (حرية التعبير) بين جوانب علاقة الإعلام بحقوق الإنسان، حق الإعلام نفسه في العمل بحرية وعدم وجود أي عوائق أمام تأديته لرسالته. وعدم وجود القيود أمام حرية الإعلامي للعمل بمهنية في تناول شتى مجالات الحياة التي يغطيها الإعلام، ومن أهم هذه المجالات مجال حقوق الإنسان ذاته، فالعلاقة تبادلية خاصة. الإعلامي من موقعه يعتبر نفسه ناشطاً في مجال حقوق الإنسان، بعمله على صعيدين مهمين: أولها في إسهامه في نشر ثقافة حقوق الإنسان لدى مختلف شرائح المجتمع، وهذا هو الأهم في وقتنا الحاضر. وثانيها في قيامه بالتغطيات المتعلقة بقضايا حقوق الإنسان، وإبراز الانتهاكات التي قد تحدث في المجتمع والكشف عنها بغية العمل على نشر الوعي بها وكذلك الإسهام في التصدي لها بالأسلوب الإعلامي بالغ الأثر. وإضافة إلى التعاون القائم بين هيئة حقوق الإنسان والصحافة، فنحن نتطلع إلى تعاون أمثل، بين الهيئة وكل مؤسسة صحافية بمفردها، أو بين "هيئة حقوق الإنسان" و "هيئة الصحافيين السعوديين". وهناك الكثير مما يمكن إنجازه وتحقيقه في هذا الميدان. كما ينبغي على مؤسسات حقوق الإنسان ومنظماتها الدولية تطوير البرامج الفعالة لتشجيع الاحترافية الإعلامية في نقل قضايا حقوق الإنسان وذلك من خلال : تزويد الإعلام بالبرامج المساعدة . تعزيز الحوار والنقاش الداخلي بين ناشطي حقوق الإنسان حول دور الإعلام والصحافيين . التواصل المباشر مع الصحافيين والمنظمات الإعلامية لمناقشة القضايا الحقوقية في الإعلام . تنظيم اجتماعات مشتركة مع الصحافيين لمناقشة المخاوف المتعلقة بالتغطية الإعلامية لقضايا حقوق الإنسان ، وكيفية التعاون لتقديم معلومات دقيقة وموثوقة حولها . تعزيز الفهم العميق لأجندة حقوق الإنسان من خلال رعاية الجوائز الوطنية للصحافة ، وتقديم المنح في مجال العمل والبحث الصحفي فيما يتعلق بحقوق الإنسان . ثانيا: المعايير الضرورية لتناول قضايا "حقوق الإنسان" إعلامياً هناك من يتشدد في المعايير والمواصفات الواجب توفرها في الصحافي أو الكاتب قبل تناول أي موضوع بالنقد والدراسة، فهناك من يشبه كتابة التقارير الصحافية بـ "الفتوى"، التي شرط العلماء للتصدي لها شروطاً، أولها "العلم". وهناك من يمثّل لها بـ "الطبابة"، إذ قبل أن يمارس الشخص مهنة الطب يفترض به التمكن من تشخيص داء بعينه ومن ثم معالجته. الحد الأدنى من "العلم" غير أننا في مجال حقوق الإنسان، إذا طالبنا زملاءنا الصحافيين بهذا المستوى من التخصص في قضايا حقوق الإنسان قبل عرضها على الجمهور، فإن ذلك قد ينظر إليه البعض بشيء من "الاستحالة"، ولذلك سنكتفي بمطالبتهم بالحد الأدنى من العلم بما يسطرون، التزاماً بالتوجيه الرباني للمسلم في قوله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" (الإسراء 36) وفي هذا السياق لا يغيب عن الإعلامي أن "حقوق الإنسان" مفهوم واسع يمكنه أن يتعامل من خلاله مع العديد من المعاني والمفاهيم والقيم والجهات والهيئات والجمعيات والأفراد والفئات والشرائح المجتمعية. الإعلامي المحترف سيدرك من تلقاء نفسه أثناء التعاطي مع مختلف قضايا حقوق الإنسان، حاجته إلى الإلمام ببنود المعاهدات والاتفاقات والإعلانات والبروتوكولات، والبروتوكولات الاختيارية التي وقعت عليها المملكة ، والتزامات الدولة في هذا الجانب. وكذلك اللغة والمصطلحات ، فهناك الكثير من المصطلحات والتسميات التي يُعتبر الإلمام بها مطلباً ضرورياً للإعلامي المهتم بقضايا حقوق الإنسان ، وسأذكر شيئاً من هذه المصطلحات والتسميات على سبيل المثال: مصطلح القوانين القاسية والقوانين الناعمة : إن نصوص حقوق الإنسان تنقسم إلى قسمين: صلبة وناعمة، فالقوانين الصلبة تشمل الاتفاقيات وملحقات المعاهدات التي صادقت أو وقعت عليها الدولة أو قبلتها وهي قوانين ملزمة . أما القوانين الناعمة فهي تتضمن إعلانات ومبادئ وخطط العمل والتعليمات وهي غير ملزمة قانونياً . رغم ان لها ثقل سياسياً . إن التعامل مع هذه القوانين يتطلب الالتزام بضوابط ومحددات يكون منها: التوقيع : ويعني الإشعار بنية الدولة في التصديق على اتفاقية الدولة في وقت لاحق . ولا يلزم الدولة بالاتفاقية . التصديق : ويعني المصادقة على الاتفاقيات المتعددة الأطراف من التمثيل العام كالبرلمانات ومجالس الشورى ، وهذا يعني الالتزام بماء جاء في تلك الاتفاقيات . الموافقة : وهذا يعني ما سيأتي بعد التوقيع وهي بمثابة المصادقة. القبول : مثل المصادقة لكنها تتطلب شرط إضافي وهو إيداع وسيلة الموافقة . التحفظ : ويأتي التحفظ في ما لا يتعارض مع جوهر الاتفاقية أويناقض الغرض منها علماً بأن بعض الاتفاقيات لا يقبل فيها التحفظ . الانسحاب : لا يقبل في بعض معاهدات حقوق الإنسان مثل ICCPR ، CESCR ، CEDAW ( العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ) . مصادر التشريع المحلية وحتى يكمل الإعلامي تميزه المهني، لا بد أن يكون على قدر من التأهيل، يجعله يستوعب المبادئ الأساسية التي تستمد منها المملكة نظرتها إلى حقوق الإنسان، مثل تعاليم الكتاب والسنة، والنظام الأساسي للحكم، إلى جانب القيم الدينية، والأعراف الاجتماعية المعتبرة شرعاً. إن مراعاة "البيئة" التي يجري الحديث عنها وفهمها بدقة، أمر ضروري لا يتحقق الإنصاف ولا الموضوعية من دونه، ومن هنا أوتي المحررون الأجانب، إذ يأتون بلدانا ليسوا من أهلها فيستعجلون في إطلاق تقاريرهم دون فهم خلفيات ما يجري وأسباب وتعقيداته. رغم أننا لا ننكر وجود مراسلين أجانب أكثر دقة وموضوعية أحياناً من بعض محررينا المحليين. وفي هذا المقام تلاحظون كيف يجتهد المحررون الغربيون في إتقان التخصصات التي يكتبون ويتحدثون عنها، على نحو يثير الإعجاب. فترى أثناء الحروب مثلاً محررين عسكريين، متمكنين مما يسألون عنه، ويفهمون تعقيدات الحروب وتكتيكاتها ، ويمكن للمتتبع آن يرى العديد من الأمثلة أثناء تغطية حرب الخليج الثانية مثل حرب الخليج الثانية . وتجنباً للتكرار فإن كثيراً من المعايير المهنية الضرورية ستأتي في صدد الحديث عن عوائق الكتابة البناءة عن قضايا حقوق الإنسان، إذ أن الأشياء إنما تتضح بأضدادها. ثالثاً: عوائق التغطية البناءة لمجالات حقوق الإنسان منذ فترة مبكرة من التعاطي مع الشأن الإعلامي والصحافي، لاحظت خللاً في التعاطي الإعلامي مع عدد من القضايا، ولأن هذا الأمر شاهدت بأم عيني أضراره وتأثيره، حاولت فهم ما يجري، ومبرراته، وسألت زملاء لهم باع في الصحافة، وآخرون تعاطوا مع الشأن الإعلامي بوصفهم مسؤولين أو محررين. الخلاصة التي توصلت إليها هي أن عموم شكوى الناس على اختلاف طبقاتهم من الصحافة والإعلام، مردّها ليس إلى قلة إيمانهم بدورها، أو وجود كره فطري لروادها، وإنما إلى إشكالات، حتى العاملين في الحقل يعانون مرّ فظائعها. وقبل الخوض في تلك الإشكالات بهدف طرحها للنقاش مع الحضور، أحب التأكيد على أن "حقوق الإنسان" أكثر المجالات حاجة إلى الإعلام – كما مضى -، فهي كأي ثقافة أو مفهوم، يعتبر الإعلام وسيلة إيصالها الوحيدة إلى الجمهور المستهدف، فمهما أخلصنا نحن معشر المكلفين والمهتمين بثقافة حقوق الإنسان، لن يجدي ما نقوم به نفعاً، إن لم تتعامل معه الصحف والقنوات والمجلات بحس المسؤولية. كما أن فرط حساسية مفردة "حقوق الإنسان" عالمياً، تجعل التعاطي مع المصطلح وكافة مفرداته، أمراً يحتاج إلى احتراف في المعالجة، ودقة في النقل. أما الإشكالات التي تعود إليها معاناة كثيرين من الإعلام فهي، حسب النشوء: 1) (ضعف الملكة اللغوية) لا يسع أحد منا نكران، ضعف القدرات اللغوية لدى أبنائنا وطلابنا، رغم كثافة الكمية التي يدرسونها في دور التعليم والفصول. فليس غريباً أن تجد طالباً تخرج من الجامعة يرتكب أخطاء فاحشة في تركيب الجملة، ناهيك عن "النحو" الذي أصبح عقدة أبنائنا مثل "الرياضيات" الحديثة. إذا كان هذا واقع خريجي الجامعات فماذا عسى أن يكون من دونهم، من المتسربين في التعليم العام، وكلهم يمتهنون الصحافة. وفي هذا الصدد تجد كثيرين يعتقدون أن (الملكة اللغوية تخصص)، بينما هي في الحقيقة "مهارة" يفترض، أن يكون الحد الأدنى منها متوفراً لدى المتخصص في الكيمياء والهندسة والرياضيات والطب. لأنه بدون (اللغة)، لا أمل في الاستيعاب والفهم، فضلاً عن النقل والصياغة والكتابة، وتقديم المادة المشوقة. 2) ( عدم الاهتمام بالتخصص). يفهم البعض أن المتخصص في الشيء هو المحيط بكل جوانبه وأسراره، وهذا شيء رائع، لكن الذي نعنيه بالتخصص هنا الحد الأدنى من "الإلمام" بما يكتب عنه الصحافي أو يسأل عنه المذيع. وهذا الحد يأتي عبر (تحديد المجال، ثم القراءة فيه، ومتابعة ما يستجد فيه، وتوسيع قاعدة المعلومات الذهنية والمكتبية عنه، والحصول على المهارات اللازمة في المجال عبر التدريب المستمر، والتمكن من فهم مصطلحاته وأبعاده حتى يتمكن من دراسته وإعداده وتقديمه). بينما الواقع الذي بعضكم به أعلم أن هذا النهج معدوم في معظم الصحف، ونادر في القليل منها. فتجد صحافياً بدأ في الرياضة، ينتقل مباشرة إلى الشأن السياسي- رغم اعترافي بأن الكثيرين ممن أتوا بخلفية صحافية رياضية تمكنوا من حيازة مهارات فائقة والبعض منهم قد مكنته من الحصول على الريادة ، والسر هنا هو الاهتمام والمتابعة وفهم أبعاد ذلك المجال وأسراره- وقل أن تجد في صحفنا محرراً محدداً في (الشؤون العسكرية. مراسل حربي. محرر علمي. محرر ديني أو فكري. محرر في شؤون الطاقة. محرر في البيئة). وقل مثل ذلك في تقاسم الاهتمامات، فلو كان لديك بحث عن قضية في المغرب العربي، لما وجدت متخصصاً إعلامياً سعودياً فيها. فمعظمنا ينتهج ثقافة (الكشكول). هو كل شيء، وليس شيئاً! 3) (ضعف الرقابة المهنية). عدم الدقة في الاهتمام بالتخصص، يزيد شناعة، عندما يكون التخلي عنه، نهجاً للصحيفة أو الوسيلة تساعد عليه وتؤسس له بشكل مباشر أو بغض الطرف عن الأخطاء المهنية التي يرتكبها الصحافيون. فقليل من الصحف تلك التي لديها مراكز تدريب لإعداد كوادرها في (مجالات محددة)، وبعضها تعتبر الخطأ الفاحش في حق القارئ أو المصدر، شيئاً يسيراً ينتهي في أحسن الأحوال بتصويب، أو فصل الصحافي الذي هو "ضحية" بحكم أنه لم يؤسس مهنياً، ولم يوجه التوجيه السليم. بينما الصحف المتقدمة لديها أقسام متخصصة، تصحح أخطاء المراسلين أو المتدربين البسطاء. 4) (ضعف الأخلاق المهنية والقيمية). لكل مهنة أخلاق، يجمعها احترام الإنسان، والوقوف مع الضعفاء والمظلومين والمحرومين، ونصرة القضايا العادلة. والاعتذار عند حدوث الخطأ. ولا أحدثكم عن كيف تجاوزت معظم وسائل الإعلام هذا الأمر. فكل له قصة معها. فثمة أخطاء متكررة من قبيل (استخدام لغة متحيزة، أي غير محايدة، وانتقاء ما يخدم الوسيلة الإعلامية بغض النظر عما يمثله من أهمية في حقيقته، والاختزال المفرط، والإثارة السلبية، وبتر الكلام عن سياقه أو القضية عن مسارها) ، ناهيك عن التقول والافتراء المحض. ولسوء الحظ فإن هذه الجزئية ليست شكوى منظمات حقوق الإنسان المحلية فحسب، ولكن أيضاً شكوى منظمات عالمية أخرى. كما أثبت تقرير أعدته جمعية فرنسية حول "معاناة حقوق الإنسان من وسائل الإعلام" رغم الفارق في نوع الخطاء والممارسة . 5) (التحريف، والتلفيق، والتحوير... بقصد الإثارة). الإعلامي المتمكن والمحترف، هو من لا يحتاج إلى أي من أبعاد هذا (المثلث) لجذب القارئ إلى مادته، فهو بذكائه وقدراته وأدواته، قادر على صناعة مادة جاذبة، بغض النظر عن أشخاصها أو أبعادها ولكن الذي يحدث في بعض الصحف ولا أستثني من هذا البعض بعض صحفنا وهن قلَّة ، نظراً لكل الأسباب التي ذكرتها سلفاً، أصبحت أخطاؤها مزعجة على هذا الصعيد. فمن لا يحسن (لغة) الخطاب، كيف يفهمه؟ ومن لم يفهم كيف ينقل بإتقان؟ ومن ضعفت أخلاقه وأمانته ومهنيته، كيف يتورع عن التحريف أو التلفيق؟ رابعاً: الانقياد بحسن النية الانقياد في جوهره هو "الاستسلام". وذلك ليس لأنه بلا شرط أو قيد، وإنما لا فتراض أنه انقياد يتم بلا شعور أو وعي من المنقاد. وبوسع الراصد لتفاعل العالم مع وطننا أن يلاحظ انحيازاً وهجمة واضحة ضده في كثير من المواقف، ما يخشى معه تأثر الجمهور، إذا لم يجد تبصيراً من جانب قادة الإعلام والفكر. وحتى لا أذهب في التنظير بعيداً أضرب لكم أمثلة ببعض المواقف الجديرة بالتأمل، وهي ليست في صلب حقوق الإنسان وحدها، حتى لا يفهم إنني أتحدث من وجهة نظر المدافع عن مجاله : اتهام المملكة بالإرهاب يعلم الجميع أنه ما إن حـدثت أزمة 11 سبتمبر حتى وجهت إمبراطورية الإعلام الغربي والأمريكي منه على وجه الخصوص كل أصابع الاتهام إلى المملكة بوصفها الدولة التي ينتمي إليها معظم منفذي التفجير الإرهابي في الوقت الذي كانت المملكة فيه تعاني من الإرهاب أو بالأصح الإفساد في الأرض في حين كان العالم يقف موقف المتفرج. لكن الغريب ليس العداء الموجه إلى المملكة، بقدر غرابة الصوت الوطني الذي يتقاطع مع الأجنبي في إدانة الوطن بأمر هو منه براء. وهذا ما لاحظه الشيخ صالح الحصين رئيس شؤون الحرمين الشريفين، وهو يدشن كتاب الدكتور محمد السلومي " ضحايا بريئة " حين أبدى دهشته أنه في وقت كان منتظراً من الكتّاب السعوديين أن يدافعوا عن وطنهم ومنجزاته الحضارية والإنسانية، كان بعضهم شركاء في الحملة ضده. 2)محاصرة المناهج إنني مع تطوير المناهج باستمرار وهو إجراء لم يتوقف أبداً وظل مستمراً حتى اليوم رغم بطئه ولا أنفي أن المناهج ينقصها الكثير ولكن أن يقال إنها تحرض على الإرهاب فذلك اتهام باطل لا دليل عليه. وأنا أكتب هذه الورقة التفت فوجدت أقرب المناهج إلي مقرر السلوك للصف الثاني الابتدائي (بنات) فنظرت إلى أول درس فيه لأرى كم يحمل من القيم الإيجابية فوجدت الدرس : آداب التعامل مع الناس. الفتاة المسلمة مهذبة في تعاملاتها فهي : تحترم من هو أكبر منها. ترحم من هو أصغر منها0 لا تزاحم الفتيات بل تلتزم بالنظام " وبوسع أي قارئ أن يستخرج منه أصولاً من القيم التي سيتأثر بها الطالب إيجابياً حتماً، إن استوعبها وتلقاها على نحو صحيح. ومع ذلك قال بعض إعلامنا في مناهج وطنه ما لم يقله مالك في الخمر، منذ أن انطلقت الحملة المسعورة ضدها غربياً، حتى كانت العنوان الرئيسي لأحد تقارير منظمة إيباك اليهودية عام 2002م ، ولا شك أن المناهج تحتاج إلى التطوير والتغيير لتواكب العصر وهذا لا يتأتى إلا بعد التقويم والتقويم المستمر . 3)أزمة الإرهاب المحلية هنا لن أضيف أي شيء من عندي بل أترك تقريراً صادرا عن جريدة الحياة يتحدث : " دان باحث في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية في دراسة تقدم بها لنيل درجة الماجستير الصحافية العربية بالافتقار في تغطيتها لقضايا الإرهاب إلى استراتيجية واضحة ومتماسكة لوضع خطط لمعالجة قضايا الإرهاب، متهماً صحافييها بقلة الاحتراف والمهنية. وأكد الباحث إسماعيل وصفي الآغا في دراسة تحليلية عن "معالجة الصحف العربية لظاهرة الإرهاب" أن غياب الاستراتيجية الواضحة الذي لا حظه أدى في النتيجة إلى خلل في التصدي لموضوع الإرهاب صحافياً. وأشار في خلاصة عن أهم النتائج التي توصل إليها بعد تحليل أجراه على جمع من الصحف العربية (معظمها سعودية)، إلى أن الصحف العربية اليومية المدروسة أقل من مستوى المسؤولية مقابل التحديات العالمية لتشويه صورة العرب والمسلمين، واقتصرت على الوصف ولم تقدم معالجة صحافية تحليلية للموضوع... إلخ" 4)صدى للإعلام الخارجي سبق أن أشرت في محور سابق إلى أن احترام انظمة وقوانين وأعراف وتقاليد أي بلد جانب مهم مراعاته عند الحديث عن حقوق الإنسان فيه سلباً أو إيجاباً ولكن الذي حصل أن بعض وسائل الإعلام السعودية في هذا الزمن الذي يكتسب فيه الإعلام خطوة فائقة، ظلت من حيث تشعر أو لا تشعر، تقفوا إثر إعلام معاد،ٍ له أهدافه وأبعاده الخفّية ما كاد أن يحدث بلبلة اجتماعية، مثالاً على ذلك : * إثارة القضايا المذهبية، والحديث عن الأكثرية والأقلية. * تأجيج الصراع بين أفراد المجتمع عبر التصنيفات الفكرية والإقليمية. * الدفاع بإرغام المجتمع على أشياء تُثير حفيظة الغالبية مثل قيادة المرأة السيارة. رغم وجود فرصة سامحة للحوار الهادئ والهادف للمشكلة الذي يتقيد بأسس الحوار واحترام رأي الأخر * الهجمة القوية والمركزة على الحسبة التي تجاوزت النقد إلى المطالبة بإلغاء الجهاز أحياناً وتصيّر الأخطاء وكأن رجال الحسبة معصومون لكن علينا أن نقدم النقد في أيطار قيمه وضوابطه وأهمها التحقق وعدم التعميم . وفي قضايا حقوق الإنسان تتذكرون كيف تعاطى الإعلام مع قضايا مثل "تكافؤ النسب، وتزويج القاصرات"، بنفس يتجاوز حجم تلك القضايا دون التحقق من تفاصيلها سواء من جهات الضبط أو التحقيق أو المحاكمة. مما فتح الباب أمام الإعلامي الأجنبي الذي تخصص بعضه في الافتراء ضد المملكة، وبعضه الآخر في تضخيم ما يحدث فيها من ممارسات مخالفة. أن مسالة تكافؤ النسب , وتزويج القاصرات ممارسات لا تقبل في عصر مثل عصرنا كما أن رأي الشرع لا يقر ما ينتج من أضرار وهنا لا ندافع عن هذه الممارسات ولكننا نناقش أسلوب تغطية لقضايا وأحكام محدودة كما أننا نرفض ما اقترنا بها من تعميم وتضخيم فأصبح وكأنه السائد في مجتمع سعودي متحضر تحكمه قيم الخالق التي تسود حياة الغالبية التي شذ منها حادثة أو اثنتين أو حتى عشر أو عشرين في مجتمع تعداد سكانه أكثر من عشرين مليون وخلاصة القول أنني أدعو نفسي وزملائي الإعلاميين إلى الفطنة والحذر، أثناء تناولهم للقضايا الحقوقية، والتفاعل مع ما يثار ضد بلادهم من نقد بحق أو باطل، فاستهداف بلادنا في استقرارها وأمنها واضح، ويمكن ضرب أمثلة حية على وجوب الحذر: * في 10 أبريل الجاري نشرت وكالة الأنباء الفرنسية خبراً عن إعدام سعودي بتهمتي السطو المسلح والاغتصاب، نقلاً عن وكالة الأنباء السعودية. إلا أن الوكالة الفرنسية اغتنمت الفرصة للإساءة للمملكة، وأكدت في خلفية الخبر أن "منظمة العفو الدولية تقول إن معظم الذين يتم إعدامهم في السعودية هم من العمال الفقراء أو السعوديين الذين ليست لديهم علاقات في الأوساط القضائية". بربكم أي إساءة أكبر من هذه؟ وإن كانت باسم الدفاع عن حقوق الإنسان. * كتبت إحدى الصحافيات عن الهيئة رواية صورت فيها هذا الجهاز بأنهم مجموعة أشرار يفسدون على الناس حياتهم، ويمنعون ممارستها بشكل طبيعي. من يقرأ هذه الرواية ماذا يمكن أن يتصور عن بلاد هذا جهاز رسمي فيها؟ لست ضد نقد أخطاء الهيئة، ولكن تصوير جهاز رسمي في الدولة له نظامه ومهامه بتلك البشاعة، بسبب أخطاء مهما كبرت، أمر أبعد ما يكون عن الموضوعية. خامساً: مقترحات لترسيخ علاقة تعاونية، وشراكة متينة بين الإعلام وحقوق الإنسان أقترح ما يلي، أخذاً مما ورد أعلاه: توعية الصحافيين والناشطين الحقوقيين بالأهداف المشتركة التي تجمع بينهما، ليكونوا أكثر حرصاً على خدمتها وتعزيزها. إيجاد آلية مدروسة بين الإعلام وحقوق الإنسان، بهدف طرح أعمق وأنفع لقضايا حقوق الإنسان في وسائل الإعلام. تدريب أفراد متميزين من الإعلاميين، على المهارات الضرورية لتناول مسائل حقوق الإنسان بمهنية عالية. تشجيع رؤساء التحرير للصحافيين على التخصص في مجالات محددة حتى يكونوا أكثر قدرة على العطاء والإتقان. دعوة الصحافيين والإعلاميين إلى التحلي بالتروي وممارسة محاسبة الذات أثناء خوضهم في مسائل حقوق الإنسان، فلا ينبغي السعي إلى إثارة على حساب مصلحة بلد أو جهة أو إنسان مظلوم ، خاصةً عندما لا تكون الحقيقة واضحة، فحينها يجب الوقوف على التفاصيل الدقيقة للقضية والتأكد من صحتها لتقديم القضية بشكلٍ موضوعي. الحاجة الماسة إلى التدقيق في أخبار المراسلين من جانب رؤساء التحرير، ومحاسبة المسؤولين عن الأخطاء التي كثرت الشكاوى منها في وسائل الإعلام. الوعي بالمخاطر الناجمة عن الانسياق وراء تضليل جهات أو وسائل إعلام أجنبية، تستهدف المملكة، بذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان أحياناً، وإدراك ما يعتري مسألة حقوق الإنسان من تسييس باعتبارها إحدى وسائل القوة الناعمة (Soft Power) . الحذر من كتابات أو آراء عابرة، يتلقفها المغرضون، وتفتح أبواب الشرعلى وطن، يتربص به أعداؤه الدوائر. خاتمة ليس ما سبق إلا محاولة في إصلاح خلل قد نكون في هيئة حقوق الإنسان شركاء فيه، بوصفنا جزءاً من المجتمع، مثلما يجب أن نكون أيضاً شركاء في حله. وفي صحفنا ووسائل إعلامنا قادة ونبلاء مدركون للتحديات التي تواجه بلادهم وأمتهم، ولديهم الصدق والأمانة الكافية للقيام بدور بناء في الموازنة بين النقد البناء والحفاظ على أمن بلادهم واستقرارها، وفي مجال الإعلام روادٌ كُثر ولولا الحرج لذكرت الكثيرين ممن يتسنمون رئاسات تحرير بعض الصحف، وقد وقفت على ما يسوغ لي ذلك عندما كلفتني جامعة الدول العربية بإعداد كتاب عن "رواد الصحافة في المملكة". والحق أن صحافة المملكة إذا ما قورنت بنظيرتها العربية والإسلامية نجدها في تحسن مطرد، لم يقذف بها في أتون صراعات الفضائح والإثارة والمتاجرة بقضايا الوطن. وما زادها ذلك بحمد الله إلا مصداقية ونماء.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار