Author

تغيير مناهج التعليم الذي نريد

|
عندما تواجه الدول الأزمات والمحن، مثل الأزمات الاقتصادية أو الهزائم الحربية الكارثية، أو عندما تتأخر الدول عن منافسيها في السباقات الصناعية والاقتصادية، فأول ما تفكر تلك الدول فيه عند البحث عن المسببات والبحث عن الحلول، يأتي نظام التعليم. الدول التي كان لتطوير التعليم شأن في تقدمها أو في ظهورها كثيرة ومنها أمريكا فعندما سبق الروس الأمريكان في النصف الثاني من القرن الماضي في غزو الفضاء، نوه مفكرو الدولة الأمريكية بأن المشكلة ليست إلا تعليمية، ولم تمض عشر سنوات إلا وحازت أمريكا قصب السبق. كذلك ألمانيا عندما هُزمت أمام فرنسا في القرن الـ 19 استيقظ الشعب الألماني من هول الهزيمة على وقع خطب فلاسفتهم ومفكريهم التي توضح أن الهزيمة لم تكن عسكرية على قدر ما كانت تربوية، لهذا أعادت ألمانيا بناء نظامها التربوي التعليمي حتى أصبح من أرقى الأنظمة التعليمية في العالم، وكانت ألمانيا عند قيام الحرب العالمية الثانية من أكثر الدول مخترعات وعلماء، وأثناء الحرب وبعدها هاجر كثير من العلماء الألمان إلى الولايات المتحدة مما كان له عظيم الأثر في الثورة التقنية الأمريكية. وبعد الحرب كان للتعليم الفني في ألمانيا أثر عظيم ما أمكنها من تبوؤ مركز متقدم بين الأمم الصناعية في النصف الثاني من القرن الماضي وبداية القرن الحالي. أما في اليابان فكان للتعليم دور فاعل مما جعلنا نسمع عن النهضة اليابانية والمعجزة اليابانية وغير ذلك من النعوت التي تمجد الحضارة اليابانية، وعندما يطلق تعبير الدولة المعجزة يتبادر إلى الذهن في الحال اليابان. بدأ تطوير النظام التعليمي والتربوي في اليابان في النصف الثاني من القرن الـ 19 في عهد الإمبراطور العظيم الملقب بميجي Meiji أي المصلح. حيث إن التغيير يولد من رحم الأزمات والمحن فقد أتى إصلاح النظام التعليمي والتربوي في اليابان إثر إجبار اليابان على توقيع اتفاقية كاناجوا Kanagawa المجحفة والمذلة بحق اليابانيين، والتي أجبرت اليابان على فتح موانئها أمام الملاحة الدولية، وكان أشد بنود الاتفاقية إجحافاً والذي يعد انتقاصا للسيادة اليابانية هو البند الذي ينص بعدم مثول الأجانب أمام المحاكم اليابانية، مما نتج عن ذلك سعي القيادة اليابانية إلى بناء دولة مركزية قوية على أساس التقاليد الموروثة ونحو هدف رئيسي شعاره (بلد غني وجيش قوي). في سبيل تحقيق هذا الهدف قام الإمبراطور ميجي بإرسال بعثات مختارة من خيرة علماء اليابان ومن مختلف التخصصات وإرسالهم إلى دول أوروبا والولايات المتحدة. هذا ولم يكتف الإمبراطور الياباني المصلح بإرسال البعثات، ولكن في سبيل تسريع تحقيق الهدف المنشود (بلد غني وجيش قوي)، بدأ بجلب العديد من العلماء والخبراء من الدول الغربية ولم يكن الهدف من كل هذا هو جلب التقنية الغربية بل كان الهدف هو تعلم التقنية الغربية، لذلك بعد عودة البعثات اليابانية من الخارج تم الاستغناء عن الخبرات الأجنبية. لم يكن الانفتاح على الغرب والاستفادة من التقنية الغربية هو سر النجاح والنهوض الياباني، بل كانت المحافظة على الثقافة اليابانية والتراث الياباني هي الأخرى سبباً لا يقل أهمية عن الانفتاح على الآخر واكتساب المعرفة والخبرة. ولإنهاء هذه الفقرة يمكن القول إن الحضارة اليابانية الحديثة قامت على شعارين مهمين الأول ـ بلد غني وجيش قوي، وقد تحقق هذا الشعار، حيث كان الجيش الياباني من أكبر وأقوى الجيوش في النصف الأول من القرن العشرين، وكانت اليابان دولة صناعية على الرغم من عدم تملكها للمواد الأولية للصناعة. أما الشعار الثاني فهو (تقنية غربية وروح يابانية)، وفعلا كان للمحافظة على التراث الياباني والثقافة اليابانية أثر كبير في النهضة اليابانية، وكان من أهم ما يميز المجتمع الياباني، والذي يميزه عن نظيره الغربي هو روح العمل الجماعي. وما كان لليابان أن تبلغ ما بلغت من النهضة والتقدم وأن تنعت بالدولة المعجزة وتحقق هذين الشعارين، لولا الاهتمام بالنظام التعليمي التربوي الديناميكي المطور باستمرار حسب الأحداث وحسب الواقع العالمي. في السنوات الأخيرة وفي كثير من الدول العربية والإسلامية كثر الكلام عن ضرورة تغيير مناهج التعليم لتتماشى مع واقع الحياة وتساير المدنية المعاصرة، وليتسنى اللحاق بركب الحضارة والتقدم. ولا أظن أن أي عاقل يعترض على التغيير، فالتغيير هو أحد سنن هذا الكون، والاستخلاف وعمارة الأرض هو أحد مسببات وجود الإنسان في هذه الحياة. نعم لا بد أن نؤمن بحتمية التغيير، والتغيير المستمر وبالوتيرة نفسها ووقع المتغيرات. هذه حقيقة لا بد من التسليم بها، ولا يعارض ذلك إلا متخلف ومتحجر. بعد كل هذا نصل إلى السؤال الذي يفرض نفسه وهو ما هو التغيير الذي ننشده؟ ولو أردنا أن نضع قرار التغيير على طاولة المناظرة لوجدنا المعارضين ضد التغيير أكثر من الموافقين، وهذا فعلا شيء محير، فهل السواد الأعظم مع الركون والتجميد ضد الحياة والتقدم؟ ولكن لو أرجعنا البصر كرة ثانية لرجع إلينا البصر ولوجدنا عذرا مقنعاً للمعارضين، ولوجدنا أن المعارضة ليست ضد التغيير في حد ذاته، بل المعارضة تكمن في مضمون التغيير. الدول ذات السيادة تريد تغيير يصدر من ذاتها لا يفرض من الغير. لا اعتراض على تغيير له علاقة بالحياة المدنية المعاصرة، لكن الاعتراض هو ضد أي تغيير يتعرض من قريب أو من بعيد للثوابت الدينية والاجتماعية والثقافية. عندما تكون الشريحة الأكثر تأثراً بالتغيير هم الشباب مكمن الثروة الحقيقية لأي أمة، فعلينا أن نعيد التفكير في مضمون التغيير بدل المرة ألف مرة. إن ما يستجد على حياتنا اليومية من مظاهر غريبة وشاذة – أؤكد على شاذة – لأنها فردية وشاذة من قبل بعض الشباب، مثل التقليد الأعمى للغير والانسلاخ من جذور الآباء والأجداد، ولنضرب مثلا بسيطا للتدليل على هذا القول، فمثلاً أصبح من المألوف مشاهدة بعض الشباب المسلم السعودي يمشي في الشارع ومعه كلبه فمرة يمشي بجانبه وتارة يحمله وأخرى يقبله، وهذا المشهد رأيته أكثر من مرة، إلا أننا نعيد ونقول إن ذلك حالات شاذة ولكنها كانت بالأمس القريب غير موجودة أو فلنقل محرمة. شاب مسلم وسعودي يحمل كلب نجس الجميع يعلم بنجاسته والنهي عن تربيته إلا في الحالات التي أوضحها الدين ثم يأتي هذا الشاب يحمله ويقبله! ألا يعني هذا طغيان ثقافة على ثقافة أخرى بالنسبة لذلك الشاب؟ أتينا بهذه الحالة كضرب مثل وإلا فإن الحالات الغريبة الطارئة على مجتمعنا يعجز هذا المقال عن استيعابها، لهذا فلا غرابة إن وجدنا معارضين للتغيير. إن شباب الأمة هذه الأيام مثل قارب وسط محيط هائج تتقاذفه الأمواج من كل جانب، فالغزو الفكري الهابط الموجه من أعداء الإسلام من خلال السماء المفتوحة للمحطات الفضائية الهابطة من جهة أو من خلال الإنترنت والمواقع المشبوهة من جهة ثانية، أو من خلال المجلات وكتب الأدب والروايات السخيفة من جهة أخرى. كل هذا في غياب القدوة الحسنة والمثل الأعلى والحضور اليومي الفعال لقدوة النجم! نجم الكرة ونجم الفيلم، والنجم الكبير الفنان.. ونجم مقطع فيديو الكليب..... إلخ، ويا كثرة النجوم هذه الأيام. في غياب القدوة الحسنة والمثل الأعلى، لا غرابة أن تكون ثروة الأمة (الشباب) معرضة للتشريق والتغريب، ولا غرابة أن نجد للتغيير معارضين وبقوة. إننا في أشد ما نكون من أي وقت آخر في حاجة إلى تغيير جذري في التعليم، إن الواقع من حولنا يتغير بسرعة هائلة، وأساليب الحياة تتغير ومن ضمن ذلك أساليب التعليم. إننا نعيش في عالم التفاعل – التعليم التفاعلي، التجارة التفاعلية، الإعلام التفاعلي، وباختصار الحياة التفاعلية. لهذا لا بد من التغيير، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا يجتاحنا "سونامي" التغيير في طريقه ونصبح أمة مسخا دون هوية، لا بد أن يكون شعارنا (تكنولوجيا عالمية وروح إسلامية عربية). إننا في خضم هذا العالم المتغير في أشد حاجة من أي وقت مضي إلى وجود قدوة وقائد وفنار يقود السفينة إلى بر الأمان. وهل هناك قدوة أشرف وأفضل من محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم جميعاً وجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء؟ لهذا وبما أننا نتحدث عن ضرورة تغيير المناهج التعليمية نرى أن أهم تغيير يجب أن يتم من ضمن التغييرات الأخرى هو إدخال دراسة السيرة النبوية العطرة وبكثافة في جميع مراحل الدراسة من أولى متوسط حتى ثالث ثانوي، وأن تُعطى من الأهمية أكثر من أي مادة أخرى. إن الشباب أكثر حاجة هذه الأيام إلى الوقاية من الأمراض الاجتماعية والثقافية الوافدة أكثر من حاجتهم إلى الوقاية من الأمراض الفيروسية.
إنشرها