Author

في الرياض لا أحد يخاف المطر

|
هطول الأمطار في مدينة الرياض وضواحيها لا يكشف فقط الطرقات والأسفلت ومشاريع البنية التحتية وأجهزة الدفاع المدني ورئاسة الأرصاد وغيرها, بل يكشف أيضا المجتمع بكل تشكلاته حين تتحول مخارج المدينة إلى هروب ربيعي, حيث الفضاء وملاحقة الأمطار من قبل المتعطشين لها غير مكترثين بتحذيرات الجهات الوقائية كالدفاع المدني ورئاسة الأرصاد .. منافذ مدينة الرياض شرقاً باتجاه رماح وروضة خريم, والثمامة وحافة العرمة والطوقي وروضة الخفس، وباتجاه الشمال طريق القصيم وسدير والمجمعة والزلفي, وباتجاه الشمال الغربي شعيب حريملاء والحسي والعيينة وسدوس، وباتجاه الغرب المزاحمية والجلة والقويعية, وباتجاه الجنوب الخرج والدلم والحوطة. من راقب حركة مجتمع مدينة الرياض خلال الأيام الماضية يجدهم يلاحقون السحاب, بل يطاردون كل غيمة وكل منخفض جوي وكل رياح تسوق ماء المطر, وكما قلت لا أحد في الرياض ومدن وسط المملكة يكترث للتحذيرات الوقائية. فالناس في الرياض تحب أن يبللها المطر, ويحرصون على أن يغتسلوا به وينقيهم من غبار العواصف الترابية وعوالق السماء .. للأمانة أهالي الرياض لا يخافون المطر, بل يحتفلون به بطريقتهم مثل الكرنفالات والأعراس. لا يهم إن أصبحت الشوارع (منزلقا) وتشبع أسمنت البيوت بالماء و(ماج) السيل بزبده ورغوته على الأرصفة والشوارع الداخلية, لا يهم إن ابتلت الثياب: الشماغ, المسفع, الكوفية, الشيلة, والملابس البيضاء والمشجرة, لا يهم ما دام يأتي من السماء, كما لا يهم من أين مصدره, البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي أو بحر العرب أو المحيط الهندي أو من بحر جدة وبحر شرقي الخبر. الناس في داخلها شجن طروب وتداعيات ووجدانيات وعاطفة عشق لا حدود لها تجاه الناس والأرض حتى بطحاء روضة التنهات أو روضة خريم أو شعيب حريملاء أو مسايل الحسية وكلسي ورسوبيات وادي حنيفة جميعها حتى صلبوخ المملح يحتفل بالماء. عندما تتبلل الأرض ببطحائها وكثبانها وقيعانها لتستقبل ماء المطر .. رأيت الناس في بلادي الرياض تجمع ماء المطر في أوان معدنية وفخارية لتشربه، رأيت الناس تتكشف لدقائق وساعات ليبللها ماء السماء والأيدي ترتفع والأعناق معها للابتهال والشكر لرب السماء الذي قاد إليها الرياح والسحاب لتسقي أراضي عطشى, فالناس صلوا ودعوا ربهم ليغيثهم .. في بلادي الرياض نسمي المطر الغيث لأنه يغيثنا وينقذنا من العطش والجفاف, هو رحمة من الله الذي يغيث تلك الصحارى على طول قوسي النفود الكبير والدهناء وعريق البلدان والربع الخالي .. هناك اتحاد عشق وحب بين الأرض والإنسان والمطر الذي (يليّن) قساة القلوب والحجر .. هكذا تكون بلادي الرياض عندما يغازلها المطر وتبتل أرضها بماء السماء, حيث تصبح أكثر عشقا وحميمية.
إنشرها