Author

فن الدخول في الاكتئاب

|
كل إنسان في داخله حب الخير والرغبة في المبادرة والتطوع حسب الإمكانات المتاحة له. وعندما تتاح لأي إنسان قنوات حب الخير والتطوع وتطلب منه المبادرة فإنه بلا شك يبادر، ولكن عندما يبادر ولا يجد صدى أو مفعولا لمبادرته فإنه ينزعج ثم يحبط وبعدها يكتئب، وفي دراسات سيكولوجية الاكتئاب أوضح العالم "سليفمان" وهو من رواد نظرية الاكتئاب, أن تكرار الإحباط على الإنسان يشل حركته ويجعله لا يرغب في أي نشاط طبيعي أو إنساني, وهو أحد أعراض الاكتئاب، والإحباط ردة فعل لعدم تحقيق الرغبات والحاجات. وعندما تلجأ أغلب الجهات الحكومية إلى توفير خط ساخن أو طوارئ أو خط مجاني ومكاتب لعلاقات العملاء والعلاقات العامة, فإننا نتوقع أن تقلل تلك الأدوات من إحباط الناس, وتفتح معهم حوارا ونقاشا وتفاعلا مع آرائهم وشكاواهم وملاحظاتهم، ويجد من يتصل بهم صدى لما يقول ومتابعة ثم شكرا على تعاونه بعد انتهاء المطلوب، أما أن تكون تلك الأدوات هي أحد أسباب إحباطه فهذه مشكلة مركبة قد تؤدي به إلى السلبية واللامبالاة ثم العدوانية بشتى ألوانها. وعندما أوضح ديوان المراقبة العامة ما أوضحه من تجاوزات سادنا نوع من الإحباط لهذه الحقيقة، فكيف لو أن جميع الدواوين وهيئات الرقابة والمباحث الإدارية وغيرها أوضحت الحقيقة ماذا نتوقع من نفسيات الناس وتفاعلهم مع مؤسساتهم والثقة المتبادلة معها؟ هذه التجاوزات هي نتيجة سلوكيات غير واعية وغير متحضرة تقابلها سلوكيات محبطة غير مبادرة وسلبية, ترى أن المسألة وحقوق الناس والتطوع وإبداء الرأي والملاحظات "لقافة" وتدخل فيما لا يعني, حتى وصلنا إلى "أنا مالي ومال الناس" أو "أنا مسؤول عن الخلق؟".. إلخ، من العبارات التي تعكس السلوك الإحباطي وضعف الإيمان بالمسؤولية الجماعية، وفي ضوء ذلك هناك أمور كثيرة لا تتحسن أو تصلح, كالحفر في الشوارع, اللمبات المحروقة, التجاوزات المرورية, النظافة في بعض الأماكن, إصلاح الأماكن العامة وصيانتها, وغيرها من الأمور التي تدفع عليها الدولة مبالغ كبيرة وتصدق تلك المبالغ بشهادات أداء عبارة عن حبر على ورق. أتمنى من أجهزة الرقابة أن تجرب و"تشوف" أداء مكاتب خدمات العملاء والأرقام المجانية وأرقام الطوارئ, فهي أكبر وأصدق محك على أداء تلك الأجهزة ومتابعتها لأعمالها وحقيقة أدائها على أرض الواقع، وكيف تتخذ أغلب تلك الجهات من تلك الأدوات لامتصاص حماس الناس وتكسير مجاديفهم وإدخالهم في حالة من الإحباطات واللا مسؤولية.
إنشرها