Author

اطمئنوا.. فلن تخصص شركة المياه الوطنية!

|
تحدثت تقارير صحافية الأسبوع الماضي عن أن مجلس الشورى طالب بعدم طرح أسهم الشركات الحكومية العاملة في قطاع المياه للمساهمة العامة وأن تحتفظ الدولة بملكية المياه ومسؤولية توفيرها للمواطن، وأود أن أطمئن الإخوة الأعضاء في المجلس أنه يستحيل تخصيص قطاع المياه في المملكة، وسبب ذلك ليس كونه قطاعاً حيوياً يجب أن يبقى في يد الدولة، وإنما لسبب مختلف تماما، وهو أن ما يجري حالياً في هذا القطاع هو عكس ما كان يجب القيام به لكي يصبح قطاعاً يمكن تخصيصه. فنحن في المملكة نتبع أسلوباً عجيباً في التخصيص يقلل من فرص نجاح عملية التخصيص مستقبلا، فبدلاً من بذل جهود لرفع كفاءة الجهاز المرشح للتخصيص وضبط تكاليفه كخطوة أولى تسبق عملية التخصيص، نجد أن الذي يحدث العكس تماما، فتكون أولى خطوات إعداد الجهاز للتخصيص تحويله إلى شركة حكومية لا تتقيد بالقيود المالية والإدارية الحكومية كما لا تخضع لمعايير الربحية وكفاءة الأداء المطلوبة في القطاع الخاص، ما يخلق بيئة مناسبة لحدوث مبالغة حادة في التكاليف التشغيلية للجهاز المرشح للتخصيص. من ثم نجد أنه مباشرة وبعد قيام ما يسمى تجاوزاً "بالشركة الحكومية" فإن العاملين أنفسهم الذين تسبب سوء أدائهم في تردي وضع الجهاز لا يفقد أي منهم وظيفته بل وترفع مرتباتهم ومخصصاتهم المالية كما تزيد مختلف المصاريف التشغيلية، ويعتبر القائمون على الجهاز أن هذا الإجراء خطوة في طريق التخصيص، بينما هي في الواقع خطوة تجعل من المستحيل تماما نجاح التخصيص. فارتفاع تكاليف الجهاز التشغيلية تجعل من غير الممكن مستقبلا أن يستطيع تغطية تكاليفه وتحقيق أرباح تغري المستثمرين بشراء أسهمه، ويصبح الحل في بقاء الجهاز كشركة حكومية، أي أن كل ما يتحقق لدوله من هذا الإجراء هو مضاعفة تكاليف هذا الجهاز عدة مرات بصورة تعيق التخصيص لا تمهد له كما يدعي القائمون عليه. لذا نجد أنه، وباستثناء شركة الاتصالات السعودية التي خصصت جزئياً في عام 2003 بطرح 20 في المائة من أسهمها في اكتتاب عام، فقد توقفت عملية التخصيص في المملكة تماما، رغم إقرار مجلس الوزراء استراتيجية التخصيص منذ عام 2002 التي حددت 20 قطاعاً حكوميا مستهدفة بالتخصيص، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى فشل نموذج التخصيص الذي طبق في عملية تخصيص شركة الاتصالات، وهو الأسلوب نفسه الذي تتبعه حاليا شركة المياه الوطنية. فارتفاع إيرادات شركة الاتصالات السعودية خاصة مع النمو الهائل في إيرادات الهاتف الجوال أنقذ مشروع تخصيص شركة الاتصالات السعودية مرحلياً ومكن الشركة أن تحافظ على مستوى مقبول من الربحية بدا معه الأمر كما لو أنه مثال ناجح يحتذى، وهو أمر غير ممكن في أي قطاع آخر من القطاعات الأخرى المرشحة للتخصيص التي لا تملك الوفرة المالية التي أتيحت لشركة الاتصالات ومع ذلك تتبع أسلوب التخصيص غير السليم نفسه. فهل ستقوم شركة المياه الوطنية برفع تعرفة المياه أضعافاً مضاعفة لكي تغطي تكاليفها المتضخمة بشكل هائل؟ الإجابة بكل تأكيد ستكون لا، ما يعني أن ما يجري حالياً في شركة المياه الوطنية لا يخدم مطلقاً هدف التخصيص ويخدم فقط القائمين على هذه الشركة من خلال ارتفاع مخصصاتهم بصورة حادة أغرتهم بالانتقال من مواقعهم في وزارة المياه والكهرباء إلى الشركة الجديدة. إن علينا أن ندرك أن جميع دول العالم التي نجح فيها برنامج التخصيص كانت عملية التخصيص خطوة أخيرة في سلسلة من الخطوات التي تستهدف زيادة كفاءة وفاعلية الجهاز الحكومي المستهدف بالتخصيص. فبعد وصول هذا الجهاز إلى أعلى درجات الكفاءة الممكنة في ظل وضعه كجهاز حكومي يلجأ إلى عملية التخصيص كخطوة أخيرة تستهدف معدلات أعلى من الكفاءة والفاعلية يمكن الوصول إليها فقط من خلال تطبيق معايير التشغيل التجاري. ما يعني أن الخطوة التي تسبق التخصيص تستدعي تقليل عدد الموظفين والحد من تكاليفهم لا العكس، والتخصيص في الواقع عملية مضنية تواجه دائما بالمعارضة الشديدة من قبل العاملين وتترتب عليها قرارات صعبة تواجهه بمقاومة شديدة من قبل المتضررين، أما نحن في المملكة فموظفو أي جهاز مرشح للتخصيص هم على أحر من الجمر ينتظرون وصول قطار التخصيص إليهم، فكل ما يعنيه ذلك هو زيادة مخصصاتهم المالية، كما حدث في البريد السعودي ويحدث الآن في شركة المياه الوطنية. وما لم نتدارك عملية التخصيص في المملكة، فإن كل ما سيترتب على الخطوات المتخذة في الأجهزة المختلفة المرشحة للتخصيص هو زيادة تكلفتها على الدولة وقطع الطريق تماماً على إمكانية تخصيصها مستقبلا.
إنشرها