Author

تساؤلات قانونية بشأن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة

|
تُثار في الآونة الأخيرة قضية مهمة ولها تداعيات سياسية وقانونية ملموسة وهي قضية إصدار مذكرة توقيف من المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، وخاصة بعد أن أعلنت القمة العربية الحادية والعشرون التي اختتمت بالعاصمة القطرية الدوحة، يوم الإثنين 30/3/2009م، تضامن الرؤساء والملوك العرب مع الرئيس السوداني عمر البشير، ورفض مذكرة الاعتقال التي أصدرتها بحقه المحكمة الجنائية الدولية، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات القانونية عن مدى أحقية هذه المحكمة في إصدار مثل هذه القرارات، بل ومدى أحقيتها في محاكمة رؤساء الدول ورؤساء الجيوش وقادة الأركان وغيرهم من كبار المسئولين عن الأعمال التي تصدر منهم أو من مرؤوسيهم وتشكل جريمة من الجرائم التي تختص تلك المحكمة بمحاكمة مرتكبيها؛ فكيف نشأت هذه المحكمة؟ وهل هناك سوابق تاريخية لإنشاء محكمة جنائية دولية؟ وما أسباب أو مبررات إنشائها؟ وما الجرائم التي تختص بها ؟ وما شروط اختصاصها؟ وكيف يتم تشكيل المحكمة ؟ وكيف تحال الدعوى إليها؟ وما القانون الذي تطبقه ؟ وكيف تصدر أحكامها ؟ وكيف يتم تنفيذها؟ فهذه التساؤلات وغيرها تتطلب إجابة قانونية واضحة تزيل ما يبدو على الساحة العربية من لغط ولبس بشأن هذه المحكمة، وخاصة إذا لم تكن الدولة المعنية طرفاً في النظام الأساسي للمحكمة، أي إذا لم تنضم إليها فهل يحق للمحكمة أن تتخذ إجراءات توقيف ومحاكمة ضد أحد مواطنيها؟ ونتناول تباعاَ الإجابة عن هذه التساؤلات في عدد من المقالات المتتالية: أولاً: فيما يتعلق بتاريخ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية: فقد كانت المحاولة الحقيقية الأولى لإنشاء قضاء دولي جنائي هي تلك التي وردت فـي معاهدة صلح فرساي عام 1919م بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك فـي المادة 227 من هذه المعاهدة، التي قررت مسئولية الإمبراطور غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى عن جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الألمانية. وقد نص على تشكيل هذه المحكمة من خمسة قضاه يختارون بمعرفة دول الحلفاء وهي كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمي، وإيطاليا، وفرنسا، واليابان. ولكن هذه المحاولة فشلت بسبب رفض هولندا ـ التي التجأ إليها الإمبراطور الألماني ـ تسلمه إلى تلك الدول، واستندت فـي ذلك إلى حُجة مفادها أن الإمبراطور لم يرتكب أي فعل يعاقب عليه قانون العقوبات الهولندي، كما أنه لم يرتكب أفعالاً تخالف أحكام قانون الإبعاد الهولندي الصادر في العام 1875م. كما طالبت المادة (228) من المعاهدة السابقة الحكومة الألمانية بأن تسلم للحلفاء كل شخص يوجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة حرب، حتى تتم محاكمته أمام محكمة عسكرية خاصة ذات صفة دولية، ولكن هذه المحاولة فشلت، ولم تسفر عن أي نتيجة إيجابية. وعلى أثر محاولة الاغتيال التي تعرض لها ملك يوغسلافـيا فـي مدينة مرسيليا بفرنسا فـي أكتوبر 1934م، تحركت الجهود فـي إطار عصبة الأمم لوضع اتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب؛ حيث أقرت عصبة الأمم فـي عام 1937م اتفاقية دولية لمنع الإرهاب ومكافحته، أرفق بها بروتوكول يتضمن نظام المحكمة الجنائية الدولية، غير أن هذه الاتفاقية لم تدخل حيز النفاذ بعد. ثم كانت المحاولة الثانية والحقيقية لإنشاء محكمة جنائية دولية قد تمت فـي أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث وقعت دول الحلفاء المنتصرة فـي الحرب ميثاق لندن فـي 8 أغسطس 1945م الذي قرر إنشاء محكمة نورمبرج العسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب من دول الأعداء الأوروبيين، وفـي 19 يناير 1946 اتفق الحلفاء أيضاً على إنشاء محكمة عسكرية لمحاكمة مجري الحرب من اليابانيين عرفت باسم محكمة طوكيو. وعلى الرغم من المآخذ القانونية التي اعترضت محكمتي نورمبرج وطوكيو، خاصة فيما يتعلق بافتقادهما للأساس الشرعي للتجريم، وعدم إمكان وصف هذه المحاكمات من الناحيتين الموضوعية والتنظيمية بأنها محاكمات دولية بالمعنى الصحيح، فإن أعمالها اتخذت نموذجاً قامت على أساسه ـ من بين أمور أخرى ـ دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة للجنة القانون الدولي في عام 1947م لإعداد مشروع مدونة للجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها، اعتمد على النظام الأساسي لمحكمة نومبروج وعلى أحكام هذه المحكمة، ثم دعوتها عام 1948م لدراسة مدى إمكانية إنشاء جهاز قضائي دولي من أجل محاكمة الأشخاص المتهمين بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم الدولية. وتنفـيذاً لدعوة الجمعية العامة أجرت لجنة القانون الدولي دراسات حول مسألة إنشاء جهاز قضائي جنائي دولي، حيث قررت في عام 1950م أن إنشاء محكمة جنائية دولية أمر مرغوب فـيه وممكن على السواء. وقدمت اللجنة عدة مشروعات للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كان أولها في عام 1951 م، وعام 1954م. وفـي عام 1989م طلبت الجمعية العامة من جديد إلى لجنة القانون الدولي، أن تقوم عند دراستها (مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها) بتناول مسألة إنشاء محكمة جنائية دولية أو آلية دولية أخرى للمحاكمة الجنائية، تكون ذات اختصاص بمحاكمة الأشخاص الذين يُدعي ارتكابهم جرائم يُمكن أن تكون مشمولة بمدونة هذه الجرائم، بما فـي ذلك الأشخاص المشتغلون بالاتجار غير المشروع بالمخدرات عبر الحدود الوطنية. واستجابة لهذا الطلب أجرت لجنة القانون الدولي فـي دورتها الثانية والأربعين التي عقدتها في عام 1990م دراسة شاملة لمسألة إنشاء محكمة جنائية دولية، وأنشأت لذلك فريق عمل وضع أول تقرير له في عام 1990م؛ ثم عُرض على الجمعية العامة، جاء فيه أن اللجنة قد توصلت إلى اتفاق واسع النطاق ـ من حيث المبدأ ـ على مسألة استصواب إنشاء محكمة جنائية دولية ذات طابع دائم تكون لها صلة بمنظمة الأمم المتحدة. وعادت اللجنة إلى دراسة المسألة خلال دورتها الثالثة والأربعين في عام 1991م ثم خلال دورتها الرابعة والأربعين في عام 1992م ، ثم خلال الدورة الخامسة والأربعين عام 1993 م؛ حيث جرت مناقشة المشروع الذي وضعته مجموعة العمل المشكلة لهذا الغرض من قبل اللجنة وهو مشروع نظام محكمة جنائية دولية الذي ضمه تقرير اللجنة المحال إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لعرضه على الدول الأعضاء. ثم أعيد هذا المشروع إلى اللجنة مصحوباً بملاحظات الجمعية العامة والدول الأعضاء؛ حيث أجرت اللجنة ـ فـي ضوء ذلك ـ التعديلات المناسبة وقدمت مشروعاً جديداً عام 1994م. وفـي 9 ديسمبر 1994م أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة متخصصة تضطلع باستعراض القضايا الرئيسية الفنية والإدارية، والنظر فـي الترتيبات اللازمة لعقد إعداد اتفاقية دولية حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. وقد اجتمعت هذه اللجنة فـي الفترة من 3 إلى 13 أبريل ومن 14 إلى 25 أغسطس واستعرضت خلالها القضايا الناشئة عن مشروع النظام الأساسي الذي وضعته لجنة القانون الدولي، ونظرت فـي ترتيبات عقد مؤتمر دولي. وفـي 11 ديسمبر 1995م أنشأت الجمعية العامة (بقرارها رقم 50/46) لجنة تحضيرية لإجراء مزيد من المناقشة حول القضايا الفنية والإدارية الناشئة عن مشروع النظام الأساسي الذي أعدته لجنة القانون الدولي، والقيام بصياغة نصوص الاتفاقية، وقد شرعت اللجنة فـي إعداد نص موحد ومقبول على نطاق واسع بشأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. ثم واصلت اللجنة اجتماعاتها خلال في العامين 1997م و 1998م بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 51/207 الصادر فـي 17 ديسمبر 1996م، وذلك لصياغة نص الاتفاقية وتقديمه إلى المؤتمر. وقد انتهت اللجنة التحضيرية من إعداد مشروع الاتفاقية المتعلقة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وأحالته إلى المؤتمر وذلك فـي آخر اجتماع لها الذي عقدته فـي الفترة من 16 مارس إلى 3 أبريل 1998م. وقد انعقد المؤتمر الدبلوماسي فـي روما فـي الفترة من 15 يونيه حتى 17 يوليه 1998م، وذلك فـي مقر منظمة الأغذية والزراعة. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طلبت من الأمين العام أن يدعو جميع الدول الأعضاء فـي الأمم المتحدة أو الأعضاء فـي الوكالات الدولية المتخصصة أو الأعضاء فـي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المشاركة فـي المؤتمر، وقد شاركت فـي المؤتمر وفود 160 دولة و 17 منظمة دولية حكومية و14 وكالة دولية متخصصة ومنظمة ذات صلة بالأمم المتحدة و238 منظمة غير حكومية. وقد عرض على المؤتمر مشروع النظام الأساسي لإنشاء محكمة جنائية دولية، الذي أحالته إلى المؤتمر اللجنة التحضيرية وفقاً لولايتها. وبناء على المداولات وتقارير اللجنة الجامعية ولجنة الصياغة، وتوصل المؤتمر إلى اعتماد «نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية» الذي وافقت عليه 120 دولة؛ بينما اعترضت عليه سبع دول (الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والصين والهند والعراق وليبيا وقطر)؛ بينما امتنعت 21 دولة عن التصويت. وقد اعتمد المؤتمر النظام الأساسي، وفتح باب التوقيع عليه فـي 18 يوليو 1998م حتى 17 أكتوبر 1998م وذلك فـي مقر وزارة الخارجية الإيطالية. وبعد ذلك حتى 31 ديسمبر 2000 م فـي مقر الأمم المتحدة بنيويورك، كما فتح باب التصديق عليه أو الموافقة عليه أو قبوله أو الانضمام إليه طبقاً لأحكام ذلك النظام.. ولكن السؤال الذي يُطرح: ما أهم الأسباب الداعية إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة؟ ثانياً: الأسباب الداعية إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة: هناك العديد من الأسباب أو المبررات لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، أهمها: ـ إن إنشاء مثل هذه المحكمة الجنائية الدولية الدائمة سوف يحقق المصلحة الدولية المشتركة، ويعمل على تثبيت دعائم القانون الدولي الجنائي، ذلك القانون الذي شاركت الدول فـي صياغته وإقراره, إذ إن أي قانون يرجى له الفعًالية والاحترام لأحكامه إنما يحتاج إلى جهاز قضائي مستقل عن جميع الدول، وأن يكون دائماً، حتى يعمل على تأكيد احترام هذه الأحكام، ويحدد مسئولية كل من يخرج عليها ويخالفها. وعلى ذلك فإن مصادقة الدول على الاتفاقيات والمعاهدات التي تحظر الجرائم الدولية، والتي تضفى على بعض الأفعال صفة الجرائم الدولية ليس له إلا معنى واحد، هو أن تلك الدول تعترف بمسئولية دولية للأفراد، تتعدى الواجبات والالتزامات المحلية المفروضة عليهم من قبل الدول ذاتها. ومن طبيعة الانتهاكات الجسيمة للأفعال المحظورة فـي تلك الاتفاقيات، أن تقع تحت طائلة الاختصاص الدولي الجنائي، خاصة أن هذه الانتهاكات تشكل هجوماً عنيفاً على ضمير الإنسانية وإهداراً للقيم الدولية، وتناقضاً مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وتحدياً سافراً لكل ما بلغته البشرية من تقدم حضاري وازدهار. ـ إن إنشاء هذه المحكمة من شأنه أن يرسخ ويؤكد المسئولية الجنائية للأشخاص الذين يرتكبون جرائم دولية: فيذهب فريق من فقه القانون الدولي إلى القول بأن أي نظام قانوني جنائي، لا بد وأن يستهدف بالدرجة الأولى التأكيد على أن منتهكي أحكام هذا النظام سوف يتحملون مسئولية الجرائم التي يرتكبونها بعد محاكمة عادلة. وقد تم النص على هذا المبدأ ضمن المبادئ المستخلصة من الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية بنورمبرج وطوكيو، والذي قرر: «أن كل شخص يرتكب أو يشترك فـي ارتكاب فعل يعد جريمة طبقاً للقانون الدولي، يعتبر مسئولاً مسئولية شخصية وبصورة مباشرة أمام القضاء الدولي" . ويمثل هذا المبدأ تحولاً جذرياً فـي النظام القانوني الدولي. ومن ثم فمن الواجب وضعه موضع التنفـيذ، عن طريق إنشاء قضاء دولي جنائي يكون مختصاً بالمحاكمة والعقاب على الجرائم الدولية. ـ إن إنشاء هذه المحكمة من شأنه أن يحقق وحدة الأحكام القضائية : فـيذهب فريق من فقهاء القانون الدولي إلى تبرير إنشاء محكمة جنائية دولية بحجة مفادها أن إحالة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية إلى المحاكم الوطنية لمحاكمتهم عنها، يمكن أن يؤدي إلى إصدار أحكام متناقضة، ومن ثم تطبيق عقوبات مختلفة فـي قضايا متشابهة، الأمر الذي يقف حائلاً دون تطور القانون الدولي الجنائي، ويحد من فاعليته، ويحول دون إيجاد سوابق وأحكام قضائية مستقرة يمكن الرجوع إليها مستقبلاً. ـ إن إنشاء هذه المحكمة من شأنه أن يحول دون إنشاء محاكم خاصة مؤقتة لا تراعى فـيها الشرعية؛ ذلك أن عدم إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة يعني أن تظل المحاكمة عن الجرائم الدولية خاصة جرائم الحرب وجريمة العدوان والجرائم ضد الإنسانية، ممكنة فقط فـي حالة انتصار جانب وهزيمة الجانب الآخر، ففـي هذه الحالة يقوم الطرف المنتصر بإنشاء محاكم خاصة مؤقتة لمحاكمة مجرمي الحرب من رعايا الطرف المهزوم، وهذا ما حدث فعلاً عقب الحرب العالمية الثانية عندما قامت الدول المنتصرة فـي تلك الحرب بإنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة مجرمي الحرب من الألمان واليابانيين، الأمر الذي أثار الشكوك والاعتراضات حول مدى مشروعية ومدى قانونية مثل هذه المحاكم. ـ إن إنشاء هذه المحكمة سوف يساعد على الإقلال من أعمال الانتقام أو المعاملة بالمثل: التي تلجأ إليها الدول، خاصة فـي زمن الحرب، وذلك للضغط على إرادة الدول الأعداء. لأن الدولة المعتدى عليها أو المضرورة يمكنها أن تلجأ إلى هذه المحكمة، للمطالبة بمحاكمة المسئولين ومعاقبتهم عن جرائمهم دون أن تكون بحاجة إلى اللجوء إلى الأعمال الانتقامية التي كان سائدة من قبل. ولقد جاء إنشاء المحكمة الجنائية الدولية فـي 17 يوليو 1998م ملبياً لهذه المقتضيات، ومتماشياً مع كل تلك الاعتبارات السابقة. ـ إن النظام الدولي قد تطور فـي ظل منظمة الأمم المتحدة تطوراً جذرياً، بحيث أصبح يقوم على معايير واضحة ومؤسسة تأسيساً جيداً، غير أن تطبيق تلك المعايير ما زال يواجه عجزاً بسبب غياب الآليات الدولية المناسبة، ومن ثم فما زال المجتمع الدولي يعاني من ارتكب جرائم دولية عديدة وقت الحرب ووقت السلم على السواء، ولكي يمكن تدارك هذا الخلل فـي النظام الدولي، فمن الواجب إنشاء محكمة جنائية دولية تختص بالمحاكمة عن الجرائم الدولية أو ذات الطبيعة الدولية، وهذا ما يحقق فكرة العدالة لأحكام القانون الدولي، بدلاً من ترك انتهاكات هذا القانون بلا عقاب، أو ترك أمر البت فـي هذه الجرائم إلى المحاكم الوطنية التي يعنيها الأمر، أو بدلاً من تأسيس محاكم دولية مؤقتة يمكن أن تكون مثاراً للنقد والاتهام بالتحيز، أو مجالاً للاتهام بإصدار أحكام قاسية. وإذا نظرنا إلى الجرائم الدولية المرتكبة ضد سلم الإنسانية وأمنها، نجد أنها من أخطر الجرائم فـي القانون الدولي، لأنها تشكل اعتداءً جسيماً على المصالح الجوهرية العليا للمجتمع الدولي، وتشكل مساساً خطيراً بسلم البشرية وأمنها. فالجريمة الدولية هي أكثر ما يقض مضجع المجتمع الدولي. فإذا نظرنا مثلاً إلى المخاطر المترتبة على جرائم الحرب، نجد أنها تمس كرامة الإنسان وتهدر مصالح الجنس البشري، من حيث إساءة معاملة أسرى الحرب، وقتل الرهائن، والإجهاز على الجرحى، واستخدام الغازات السامة، واستعمال القسوة المتناهية فـي عمليات التقتيل والتدمير والإبادة والنهب والسلب. فكل هذه الأفعال تشكل انتهاكاً جسيماً لأحكام قوانين وأعراف وعادات الحرب، وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، ومساساً جسيماً بالمصالح العليا للمجتمع الدولي. ومما لا شك فـيه أن تتبع الجرائم الدولية ومحاكمة مرتكبيها والمعاقبة الفاعلة لهم، يعد عنصراً مهماً فـي تفادي وقوع هذا النوع من الجرائم، كما أن ذلك من شأنه أن يكفل حماية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية ويشجع على توطيد التعاون بين الأمم والشعوب، ويؤدي إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين. ونتابع في المقال القادم, إن شاء الله تعالى, اختصاص المحكمة الجنائية الدولية والجهة المختصة بإحالة الدعوى إليها.
إنشرها