Author

ألا نخاف اللهَ في مالِنا العام؟

|
* أهلا بكم في "مقتطفاتِ الجمعة" رقم (296)، راجياً أن تنالَ رضاكم. *** * قضيةُ الأسبوع: المالُ العام مثل الماءِ تحت الأرض، ومثل البترول، متى أسرفنا فيه، أو أهملنا باستخدامه واستنزفناه، فإننا نُشهِرُ سلاحاً فتـّاكاً يقضي على نموّ وازدهار الأجيال القادمة والحاضرة أيضا. ولا بد أن نصارحَ أنفسَنا بأننا حتى الآن لا نحترم قيمةَ المال العام لا اعتبارياً ولا أخلاقياً، وتجدُ في كل مِرفقٍ صرفاً باذخاً أو استيلاءً مكشوفا.. وللأسفِ العميق حتى على مستوى الأفراد تجد ثقافة – إن استسغتَ أن تسميها ثقافة - "حلال الحكومة"، أي ذلك الحلال الذي يجب ألا نترفق به أو نخاف عليه كأنه لا ينضب. هذه النظرةُ العامة هي التي سهّلَتْ غيابَ ثرواتٍ من أمام أعيننا كان يمكن أن نغير بها مصيرَ البلاد وأهلها، لنبني أمّةً مزدهرة ومكتفية في كل مجال.. وإني أتمنى من كل قلبي أن يُحسَب ولو واحد من عشرة من نسبة المال العام المُهدَر إهمالاً، أو فسادا، أو ضعف مراقبة، أو ممارسة عامة، صدقوني.. سنحزن كثيرا، وسنعضّ على أصابعنا حتى تـَدْمى تحَسّرا، ولكن سيكون أمامنا درسٌ شاهقٌ للآن والمستقبل.. درسٌ دفـَعْنا (حرفيا) ثمناً باهظاً لنتعلـّمِهِ.. المهم أن نتعلمه! *** * كتابُ الأسبوع: في مكتبي بمجلس الشورى، كما في بقية المكاتب، دولابٌ خشبيٌ بأبوابٍ زجاجيةٍ، يطلّ منها عديدُ من الكتبِ المنضودة.. والكتبُ تجذبني كما تشدّ الأزهارُ الفراشَ، كل مرةٍ أعدُ نفسي وأمنـّيها بأن أُنهي ما بيدي من مراسلاتٍ لأغزو الدولابَ الوادع.. على أن كتاباً بذاته لوّح لي، وقد تتساءل هل تلوّح الكتبُ للعابرين.. وأقول: بالتأكيد، والعناوينُ هي أيادي التلويح، متى كان العنوان يُشعِلُ فضولاً داخلك. وكان العنوانُ "الشعرُ الحجازي في القرن الحادي عشر هجري" للدكتور الباحث المُكِبّ "عائض بن بُنَيَّة الرَّدَّادي"، ونال بها درجة الدكتوراة مع مرتبةِ الشرفِ الأولى في جامعةِ الإمام محمد بن سعود، وهذا من بداهات الاستحقاق لبحثٍ مضنٍ ومبتكـَر. وعنصرا الابتكار والضنى أنّ الرجلّ الباحثَ ألزم نفسَهُ بدقةٍ متناهيةٍ لسَطوةِ البحث، فهو يصرّ على أن يكون الشعراءُ موقعُ بحثِهِ حجازيين صِرفين خاماً، فلا يقبل من عاش بالحجاز وهو من خارجه، ولا من أتى للحجاز وقد اكتمل نضجُ شعرِه، ليصبح البحثُ دقيقاً بالغ العناية يعتمِدُ عليه كمرجعٍ متأصِّلٍ الدارسون من بعدِه لهذه الفترة الصعبة بعد العصر العباسي الذي خبا فيه الشعرُ والفكرُ في العالم العربي. مهلاً.. الدكتورُ عائض يقول لك غير هذا، ليشعِل إضاءاتِ طريقٍ الإظلامُ فيه كان مُصطـَنعاً - كما يؤكد - من قِبـَل الباحثين الغربيين. كيف يثبت دارسٌ وحيد ٌنقيض ما تقوله مدرسة كاملة لم نتتلمذ عليها فحسب بل أخذناها مـأخذ اليقين؟ لن أُفسِدَ عليك أهمّ عناصر الكتاب، وهو من جزءين – قرأتهما حتى وأنا في فراش التوعك الرئوي - لأعدك أنك لن تتكبّد فيه مشقة الأسلوب العلمي، بل ستتمتع بمركبٍ طيّبٍ سالكٍ في لًغـَةٍ موشاةٍ بالذوق والجمالِ وعنايةٍ تدليليةٍ (من الدلال) للأسلوبِ العربيِّ القويم. وقد تتمادون مثلي، فلتولعي بطريقةِ المؤلف أثقلتُ على أخيه أستاذي وزميلي في الشورى الدكتور عوض بن بنيّة الردّادي بطمَعٍ مكشوف، فما كان منه تكرّماَ إلاّ أن أحضرَ لي مؤلفات الدكتور عائض، لأكتشفَ تخوماً جديدة لفكرٍ عريق. *** * أول بزوغٍ لسيارةِ النانو، أقل سيارة تكلفة شرائيةٍ في العالم، لتحدث، كما يقول مراقبو صناعة السيارات، ثورةً في عالم السيارات، قدمتها صانعُ الهند الأول وأشهر عائلة أعمال في قارة آسيا "تاتا" للعالم الأسبوع الفائت.. وتظهر في وسط الأزمة الاقتصادية التي ما زالت تعصر بيديها رقبة الاقتصاد الكوني. ثمن السيارة لن يتجاوز الألفي دولارٍ فقط، أي أقل من ثمن شنطةٍ نسائيةٍ فاخرةٍ من كريستان ديور، أو ساعةِ رولكس مرصّعة، ونصف سعر كمبيوتر ماكنتوش (ماك بوك).. على أن صنع هذه السيارة في رأيي يدل على حراك الإنسان بتلمس الخروج من المآزق التي تواجهه بالتصدي لها إيجاباً، فبينما تغرق الشركاتُ الأمريكية وتُغرِقُ معها المليارات، يقوم الهندي "تاتا" بالكشفِ عن أرخص سيارةٍ في التاريخ.. هل هو عصرٌ جديد؟ هل سيكون العهدُ القادمُ هو عهد الابتكار في الرخص؟ أيكون هو الخروج من الأزمة التي لا نرى نهايتها؟ لم لا؟ التاريخُ يكتبه أفرادٌ يرون من الجهةِ الأخرى. *** * وهل ستنتهي أسطورةُ الفرق الدولية الكبرى؟ ففي الأربعاء المنصرم سحقتْ بوليفيا الأرجنتين بستةِ أهدافٍ مقابل هدفٍ هزيلٍ لم ينقذ شيئاً من كرامةِ عملاق الكرة اللاتينية المسفوحةِ على ارتفاع ثلاثة آلاف متر في الأنديز. أظن أن هالاتِ المجدِ بدأت تنزاح عن الفِرق المتسيّدة، فالفوزُ يحققه شيءٌ أكيدٌ وهو العرَقُ الذي يسفحه اللاعبُ، ومهارته الفردية، وإخلاصه، وثقته بنفسه، وحبه لفريقه.. وقد نعرف فيما بعد أن المدربَ مع أهميتِهِ، والسمعة مع تأثيرها، إنما هما حالة ذهنية أكثر منها واقعاً مؤكداً. *** * يا لديننا العظيم، أترككم مع خبَرٍ لم ينتشرْ، وتطرّق له تقريرٌ في مجلةِ "النيوزويك" الطبعة الدولية عن حارسٍ أمريكي في السجن سيئ السمعة جوانتانامو (يدلعه الأمريكان باسم "جيتموGitmo")، خالط السجناءَ المسلمين، ثم اكتسب منهم إيمانَهم.. صار مُسلماً. وفي مناسبةٍ قريبةٍ أقول لكم الباقي.. في أمان الله..
إنشرها