Author

فلسفة المساواة بين الرجل والمرأة في الاتفاقات والإعلانات الدولية

|
منذ أن سقطت الحواجز بين الدول والمجتمعات بفعل العولمة، وعالمنا الإسلامي يعيش مرحلة من التغيرات الإيجابية في مناح معينة والسلبية في نواح أخرى، خصوصا أن هناك اتفاقيات وقعتها وصادقت عليها معظم الدول الإسلامية، وفي هذه الاتفاقيات وما يتعلق منها بقضايا النساء مثل اتفاقية (القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي تختصر (بالسيداو)، التي تمت صياغتها بطريقة لا توضح التطبيقات الشاذة لبعض بنودها، أو المتناقضة مع تشريعاتنا الإسلامية، ومن خلال المطالبة بتطبيق هذه الاتفاقية وعقد المؤتمرات الدولية والإقليمية التي يتم فيها عرض الموضوعات التي تمثل قضايا وإشكاليات حقيقية توجد في مجتمعاتنا، لا ننكرها ولكن نرفض أن تكون وسيلة علاجها بما يتناقض وتشريعاتنا الإسلامية من خلال توصيات هذه الاتفاقيات، التي أصبحت قضايا المرأة والطفل في عالمنا الإسلامي من خلالها مرهونة بالمنظور الخاص بتلك الاتفاقيات ومصطلحاتها المبهمة!! لقد أصبح هذا النموذج القادم من خارج المنظومة التشريعية الإسلامية هو النموذج الحاكم، خصوصا أن السيطرة الغربية اليوم نجدها على مختلف المستويات المادية والفكرية والثقافية والتربوية. وهناك مؤسسات ومراكز دراسات وجمعيات في مجتمعاتنا العربية والمسلمة تتبنى الأفكار نفسها وتسعى – جاهدة - لتنفيذ أجندتها، متهمّة كل مَن يعترض على أجندتها بأنه (متخلف) ولا يواكب التطور والتحرر. لتحقيق مزيد من الضبابية على المعنى الحقيقي لهذه المصطلحات التي لا يخلو منها أي تقرير عن سير الحياة في مجتمعاتنا الإسلامية. ودائما الشعارات لهذه المؤتمرات هي (تحقيق المساواة بين النساء والرجال)، ومن دراسة مهمة للدكتور أحمد محمد الدغشي من جامعة صنعاء في اليمن عنوانها (فلسفة المساواة بين الرجل والمرأة في الاتفاقات والإعلانات الدولية في ضوء فلسفة التربية الإسلامية) التي قام فيها بتحليل الاتفاقات والإعلانات الدولية بأربع هي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عام 1948م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عام 1966م، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة عام 1979م، ووثيقة مؤتمر بكين الصادرة عام 1995م. وبعد استعراضه أبرز نصوص تلك الاتفاقات والإعلانات ذات الصلة بفلسفة المساواة بين الرجل والمرأة والتعليق الجزئي عليها في موضعه؛ تم الانتقال إلى استعراض فلسفة المساواة في التربية الإسلامية وأبرز ركائزها المتمثلة في: المساواة المطلقة من حيث الكرامة الإنسانية، ومراعاة خصائص الذكورة والأنوثة، واعتبار مبدأ تقسيم الأدوار سمة المجتمع المتحضِّر، وأن اختلاف الدور الوظيفي والاجتماعي لكل من الرجل والمرأة يأتي تبعاً لاختلاف تكوينه، من النواحي الحيوية والعضوية والعصبية والنفسية. ثمّ محاكمة الاتفاقات والإعلانات تلك في ضوء فلسفة التربية الإسلامية. استخلص هذه النتائج: 1 - يكمن أكبر نزاع في نصوص تلك الاتفاقات والإعلانات الدولية في كونها منحت ذاتها المرجعية المطلقة الحاكمة على الأديان والتشريعات والأعراف في العالم، في حين أن ثمّة إشكالاً جوهرياً في الكيفية التي وقّعت بها تلك الدول عليها، في غياب أهل الاختصاص، على نحو يراعي جملة شروط مشار إليها في التوصيات. 2 - تمثل جملة الاتفاقات والإعلانات الدولية المختارة في هذه الدراسة منظومة فكرية وقيمية واحدة. 3 - تمثل اتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة الصادرة عام 1979م: أخطر تلك الاتفاقات والإعلانات، وأكثرها اصطداماً بثوابت الأمة القيمية والفكرية. 4 - من أبرز ما يجعل الموقف التربوي المنطلق من عقيدة الأمة وقيمها وثوابتها ممانعاً وواقفاً على النقيض من بعض نصوص تلك الاتفاقات والإعلانات - ولا سيما اتفاقية مكافحة جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة ووثيقة مؤتمر بكين 1995م: أ - سعيها نحو إحلال ثقافة الجندر، ومحاولة فرض تنشئة الجيل عليه، من خلال تزييف وعيه، عبر المناهج الدراسية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وإقناعه أن مسألة الدور الاجتماعي التي تعارفت عليها المجتمعات الإنسانية عبر تاريخها الطويل، لكل من الرجل والمرأة، هي الصورة النمطية العتيقة التي ينبغي تجاوزها، من خلال تنشئة اجتماعية جديدة، تزيل من أذهان الناشئة ذلك الاعتقاد، وتحلّ محله الإيمان بفلسفة تلك التنشئة الجديدة. ب - سعيها لإخضاع السيادة الوطنية للدول - ومنها الدول العربية والإسلامية - لسيادة تلك الاتفاقات والإعلانات، بفرض جملة من الإجراءات عليها، لضمان الالتزام بتنفيذها، حتى لو تناقضت مع مرجعياتها الأصلية وثوابتها، أو تدخلت في قرارها الوطني. جـ - تسعى بعض نصوص تلك الاتفاقات والإعلانات - في سبيل تحقيق ثقافة الجندر تلك - إلى محاولة تقديم مضامين تربوية موحّدة لكلا الجنسين، في جميع المقررات الدراسية، وكذا توحيد الاختبارات، ودمج البنين بالبنات (الاختلاط في التعليم)، وسائر الأنشطة، الهادفة - في نهاية المطاف - إلى إلغاء أي فارق وظيفي أو اجتماعي من أي نوع بين الرجل والمرأة،هذا رغم أن كل المعطيات العلمية والواقعية تثبت خطأ ذلك المنهج وخطورته على المنظومة الفكرية والقيمية وعلى العملية التعليمية معاً. د - إن سعي تلك الاتفاقات والإعلانات إلى فرض المساواة الكاملة بين الجنسين يعني فيما يعني إلغاء جملة الأحكام الشرعية التي تميّزت المرأة فيها عن الرجل، في مجالات: العبادات والجهاد والمعاملات والولايات والجنايات والأحوال الشخصية، رغم الأهمية المترتبة على ذلك - بالنسبة إلى المرأة - من منطلق اختلاف التكوين من كل نواحيه المشار إلى أبرزها في الدراسة، وفي سعيها نحو زعزعة مفهوم الأسرة الطبيعي، وبذل جهود محمومة في سبيل جعله نمطاً واحداً من أنماط الزواج، لا أنه السبيل الوحيد لذلك، نظراً إلى أن فلسفة بعض تلك الاتفاقات والإعلانات - وبالأخص مكافحة جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة 1979م ووثيقة مؤتمر بكين 1995م - تقوم على اعتبار أي فرض على المرأة بأن تمتنع عن بعض حقوقها الجنسية يعدّ تمييزاً تجب مقاومته. 5 - تقرّر فلسفة التربية الإسلامية حق المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية. 6 - تراعي فلسفة المساواة في التربية الإسلامية الخصوصيات الطبيعية الفطرية لكل من الرجل والمرأة. 7 - تؤمن فلسفة المساواة في التربية الإسلامية بأن دور الرجل الاجتماعي يختلف عن دور المرأة والاجتماعي تبعاً لاختلاف تكوين كل منهما، من النواحي المختلفة. 8 - تؤمن فلسفة المساواة في التربية الإسلامية بأن من أبرز سمات المجتمع المتحضّر سمة توزيع الأدوار، وبذلك يتحقق معنى التكامل المنشود بين دور الرجل ودور المرأة. 9 - توصّلت الدراسة إلى أن معطيات الأبحاث والدراسات العلمية الأصيلة تنسجم مع الفطرة في جانب تأكيدها على أن الاختلافات بين الرجل والمرأة، تشمل النواحي الحيوية والعضوية والعصبية والهرمونية والنفسية وسواها، وهو ما يترتّب عليه اختلاف طبيعي تلقائي في طبيعة الدور والوظيفة الاجتماعية لكل منهما. ** هذه هي المساواة بين الرجل والمرأة، كما جاءت بها الشريعة الإسلامية وليس اتفاقيات الأمم المتحدة التي لا تزال تعيد صياغة أحكام وقوانين الأحوال الشخصية في العديد من مجتمعاتنا العربية الإسلامية. ما يتطلب رفضا لها حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء التوقيع أو المصادقة عليها .
إنشرها