السعوديون.. والقضية الفلسـطينية!

تقول الأدبيات العربية إن الشعب السعودي لا يحفل كثيراً بالسياسة، ولذلك فإن اهتمامه بالقضية الفلسطينية بصورة خاصة والصراع العربي الإسرائيلي بصورة عامة اهتمام جد متواضع وبسيط، وتقول الأدبيات العربية أيضاً إن الصراع العربي الإسرائيلي صراع حضاري وممتـد وسيصل إلى كل الدول العربية لأنه صراع وجود وليس صراع حدود.
وإذا سلمنا أن الشعب السعودي هو شعب متدين ويقع دينه الإسلامي في قلب اهتماماته الرئيسة، فإننا لا نستغرب أن السياسة لا تحتل حيزاً كبيراً من اهتماماته، لسبب بسيط وهو أن السياسة في جوهرها هي رزمة من الشعارات والمزايدات.
ولذلك إذا كنا ندافع ونؤكد أن الشعب السعودي يهتم بالقضية الفلسطينية بصورة خاصة والصراع العربي الإسرائيلي بصورة عامة، فإننا نؤكد أن اهتمامه يأتي من باب العقيدة وليس من باب السياسة، وهذا واضح حينما قال الملك عبد العزيز ـ طيب الله ثراه ـ قولته البليغة إن القضية الفلسطينية هي قضية إسلامية وليست قضية عربية فحسب، والشعب السعودي يدرك بالطبع أن أطماع الكيان الصهيوني تتسع وتشمل مناطق مهمة من الوطن العربي الكبير ومنها السعودية.
وإذا كان الشعب السعودي يهتم بالقضية من باب العقيدة وليس من باب السياسة، فإنه أكثر واقعية من الشعوب العربية التي تهتم بالقضية من خلال مجموعة هائلة من الشعارات واللافتات الملونة التي تعد نوعاً من أنواع الدعاية والبورباغاندا، ولقد كانت ومازالت القضية الفلسطينية ذريعة في يد بعض الحكام العرب لارتكاب الكثير من الموبقات والمجازر ضد شعوبها بحجة القضاء على العملاء للدفاع عن فلسطين الباسلة!
وأعتقد أنه من المناسب الآن أن نعود إلى تقييم مشروع السلام كخيار استراتيجي بعد أن وصل المتطرفون من اليمين الصهيوني المتشدد إلى سدة الحكم، لأن هؤلاء الصهاينة يكفرون بالسلام مع العرب ويجاهرون بطرد العرب من كل الأراضي الفلسطينية، بل يقولون إن حدود إسرائيل هي حدود كل البلاد العربية من النيل إلى الفرات، ويرددون أن إسرائيل بدأت ضد الدول العربية من فلسطين وستواصل الحرب على كل الأراضي العربية دولة في إثر دولة حتى تستطيع أن تجتث النظام العربي برمته من أراضيه وتستعيد ـ على حد زعمهم ـ أرض الآباء والأجداد.
في ضوء هذه التهديدات التي لم تعد سراً من الأسرار الإسرائيلية.. دعونا الآن نراجع مشروع السلام العربي الإسرائيلي الذي بدأ في مدريد عام 1991، ونقف على ما حققه المشروع للعرب وما حققه لإسرائيل.
أولاً إن العرب في ظل هذا السلام المشبوه تعهدوا ـ للأسف الشديد ـ لإسرائيل أن يخفضوا عدد القوات المسلحة إلى المستوى الذي يضمن التفوق المطلق للعسكرية الإسرائيلية، الأسخم من ذلك تعهدوا بعدم شراء أسلحة متقدمة وفتاكة، وأهم من هذا وذاك تعهدوا لإسرائيل أن يختلفوا ويتصارعوا مع بعضهم بعضا إلى درجة استباحة أن تقوم بعض الدول العربية بغزو مسلح لدولة عربية شقيقة، أمَا إسرائيل فقد أعطاها العرب حق تسليح نفسها بأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا السلاح المدمر وآخرها القنابل العنقودية والفوسفورية المحرمة دولياً والتي استخدمت ضد العزل من أطفال ونساء غزة.
إذن في ضوء هذه النتائج المؤسفة التي جناها العرب من عملية السلام فإن العرب في أمس الحاجة إلى إعادة النظر في عملية السلام والسعي إلى وضع استراتيجية دفاعية في مقابل استراتيجية إسرائيل الهجومية الرامية إلى القضاء على العرب، وعلى العرب أن يصحوا ويفيقوا وألا يعلقوا آمالهم على الغرب، لأن الغرب ـ ببساطة شديدة ـ هو الذي صنع إسرائيل وهو المتكفل بحمايتها وما يهمه في لعبة السلام الكبرى هو تحقيق مصالحه العليا ولن تتحقق مصالح الغرب إلاَ على حساب المصالح العليا للأمة العربية.
إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أتاح أمام العرب فرصة ذكية للانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، حيث قال في سياق خطابه البليغ في قمة الكويت: إن مبادرة السلام العربية سوف لن تظل إلى الأبد على الطاولة، بمعنى أن مبادرة السلام إذا لم تستثمر من قبل الكيان الصهيوني، فإنها ستكون نهاية مرحلة خيار السلام، وسيعقبها مباشرة وضع استراتيجية الدفاع العربي المشترك حيث تتضمن الاستراتيجية تنفيذ خطة واسعة لإعادة تسليح وتحديث القوات المسلحة العربية.
وأحسب أن العرب جميعاً يعرفون أن السلام لا يحتل مكاناً في الأجندة الحقيقية لجميع الحكومات المتعاقبة في إسرائيل، كل الحكومات الإسرائيلية بدءا من ابن جوريون وحتى جولدامائير وشيمون بيريز وإسحاق شامير ونتنياهو وباراك وألمرت.. كل هؤلاء ليس في برنامجهم سلام حقيقي مع العرب، ولذلك لا بد للعرب أن يقتنعوا بأنهم وصلوا مع إسرائيل إلى آخر مدى في عملية السلام، وعليهم أن يلحقوا أنفسهم قبل أن تضيع منهم بلادهم، فهم ـ بكل المعايير الموضوعية ـ إلى مزيد من الضعف ومزيد من الهزال بسبب قرارهم بسجن قدراتهم وإمكاناتهم في عملية السلام الوهمية.
المشهد الآن يوضح أن حكومة إسرائيل التي تشكلت من اليمين المتشدد برئاسة نتنياهو تعهدت بأنها ستقوم بالإجهاز على فلول الفلسطينيين في الضفة وغزة، ثم تمضي قدماً في تحقيق ترانسفير جديد لفلسطيني القدس، ثم تدفع سكان غزة إلى صحراء سيناء ثم تلاحق بقايا الفلسطينيين في كل الأراضي المحتلة حتى تجبرهم على مغادرة الأراضي المحتلة بالكامل.
أعود مرة أخرى وأقول إذا كانت الأدبيات العربية تقول إن السعوديين لا يهتمون بالقضية الفلسطينية، فنحن نقول إن القضية الفلسطينية تحتل موقعاً مركزيا في الفكر السعودي ـ وأنا واحد من آلاف المفكرين السعوديين ـ الذين تشغلهم جداً هذه القضية، ولقد عاشت معي هذه القضية منذ أن كنت طالباً في الثانوية، وحينما تخرجت في الجامعة كبرت معي هذه القضية وقررت أن أؤلف كتاباً عنها فأصدرت كتاباً باسم " الحرب الحضارية بين العرب وإسرائيل"، وقلت في الكتاب إن الحرب بين العرب وإسرائيل هي حرب وجود وليست حرب حدود، وستستمر حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً، وبعد 20 عاماً من هذا الإصدار أصدرت كتاباً باسم "النظرية السعودية لحل القضية الفلسطينية" وقلت في الكتاب إن السلام لم يكن خياراً استراتيجياً لدى كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لأن السلام الحقيقي هو بداية النهاية لهذه الدولة المصطنعة، ومنذ عام 1948 وحتى الآن صدر من كل العواصم الغربية والعربية أكثر من 150 مشروعاً للسلام، وكلها تلاعبت بها دولة الكيان الصهيونى وما زالت تتلاعب بخريطة الطريق وستتلاعب بكل مشاريع السلام!
ولكن مع كل هذا الذي يحدث للعرب فإن المؤرخ البريطاني العالمي أرنولد توينبي يقول إن إسرائيل جسم غريب لا يلبث أن يزول، كذلك فإن قوانين التحولات التاريخية تقول إن الدول التي تولد من رحم الحروب ستعيش دائماً على الحروب، وإذا صمت سلاحها وتوقفت حروبها، فإن قلب هذه الدول سيتوقف وتصبح في خبر كان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي