الحكم على جميع خريجي أقسام الإعلام في مهارة التحرير.. خطأ شائع

الحكم على جميع خريجي أقسام الإعلام في مهارة التحرير.. خطأ شائع

بين اهتماماته المتعددة ونشاطاته المختلفة يجلس الواحد عاجزا عن تتبع التميز الذي يلاحقه أينما حل، هو رجل علم وثقافة، ورياضة وإنسانية، وحياة ملأى بالإنجازات، هكذا هو الدكتور عبد الرحمن العناد عضو مجلس الشورى, الذي فتح قلبه لنا, فكان هذا الحوار. في البداية قدم لنا لمحة عن طفولتكم وعلاقتكم الأولى مع القلم والدفتر في التعليم العام؟ أمضيت طفولتي في مدينة سكاكا في منطقة الجوف، والتحقت بالمدرسة الشمالية الابتدائية التي غير اسمها فيما بعد لمدرسة فلسطين، ثم درست المرحلة المتوسطة في متوسطة صلاح الدين الأيوبي فالثانوية العامة في ثانوية الجوف، وأنهيت المرحلة الثانوية عام 1394 - 1395هـ. متى كانت خطوتكم الأولى في جامعة الملك سعود؟ بدأت الدراسة في جامعة الملك سعود مع بداية الفصل الثاني للعام الدراسي 1395-1396 في قسم الإعلام في كلية الآداب، وكنت قد درست الفصل الأول ضمن أول دفعة قبلتها جامعة البترول والمعادن من المتفوقين من خريجي الثانوية (أدبي)، وكانت دراسة مفيدة, خصوصا في تعلم اللغة الإنجليزية، لكنها لم تكن مريحة, حيث لم أجد ميلا كافيا للفيزياء والكيمياء تحديدا التي كانت تدرس إلى جانب علم الحاسب واللغة الإنجليزية ضمن البرنامج الإعدادي للجامعة، وبحمد الله أنهيت دراستي الجامعية في جامعة الملك سعود في ثلاث سنوات فقط, حيث درست فصلين صيفيين وسمح لي معدلي التراكمي، بفضل الله، بتسجيل الحد الأعلى للساعات المسموح بتسجيلها آنذاك (20 ساعة) في بعض الفصول، وتخرجت في شعبة العلاقات العامة في قسم الإعلام بنهاية الفصل الأول في عام 1398- 1399هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى. زملائي في المرحلة الجامعية من أبرز زملائكم في تلك المرحلة؟ زملائي في المرحلة الجامعية كثيرون, فمنهم زملاء في القسم ومنهم زملاء في التخصص في شعبة العلاقات العامة، ومنهم زملاء في الكلية، وعدد كبير منهم كانوا زملاء في السكن الجامعي في عدد من كليات الجامعة وإن كان أغلبهم من كلية الآداب، حيث كانت العمائر المستأجرة لإسكان الطلاب في ذلك الوقت تخصص في الغالب حسب الكليات وبعضها مثل عمائر الراجحي في البطحاء التي قضيت فيها سنة كانت مختلطة لطلاب كليات الملز وطلاب كلية التربية في الناصرية وبعض طلاب كليات عليشة (التجارة آنذاك والزراعة والهندسة)، فالزملاء كثيرون وسأذكر منهم أربعة تخرجوا معي في الفصل نفسه وعينوا معيدين معي في الشهر نفسه، وهم: الدكتور عبد الرحمن العتيبي, الدكتور علي القرني, الدكتور رشود الخريف، والزميل سالم أحمد بامانع, الذي واجه بعض الظروف الخاصة فلم يواصل دراساته العليا. ماذا عن رحلة الإنجاز للشهادات العالية خاصة أنك تعد من رواد الدراسة في الإعلام على مستوى المملكة وأول المتخصصين في العلاقات العامة في جامعة الملك سعود؟ كنت ضمن أول دفعة تتخرج في تخصص العلاقات العامة في قسم الإعلام, حيث كانت الدراسة تقتصر فيه، قبل ذلك، على تخصصي الصحافة والإذاعة والتلفزيون، وكان عدد المتخرجين في ذلك الفصل قليلا لا يزيد على عدد أصابع اليدين، ولم أكن أول المتخرجين في هذا التخصص, حيث إنني كنت ضمن أول دفعة، ولكني بحمد الله كنت أول العائدين بالدكتوراة في تخصص العلاقات العامة والإعلام, وكان ذلك عام 1406هـ، وبدأت رحلتي، كغيري، بدراسة اللغة الإنجليزية, حيث التحقت بمعهد في أوكلاند (من ضواحي مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة)، وبدأت في المستوى الخامس في المعهد الذي يتكون برنامجه من تسعة مستويات، والدراسة في كل مستوى تستمر لأربعة أسابيع، وأغلب الزملاء الذين أعرفهم بدأوا في المستوى الأول أو الثاني، فكانت حصيلتي اللغوية جيدة نسبيا، وهذا من فوائد دراستي الفصل الإعدادي في جامعة البترول والمعادن، كما أشرت، وأنهيت مستويات المعهد المتبقية في خمسة أشهر وحصلت خلالها على الدرجة المطلوبة باختبار التوفل, حيث كان قبولي لدراسة الماجستير في جامعة دنفر في ولاية كلورا دو مشروطا بالحصول على 500 درجة (رفعت فيما بعد إلى 550) وبدأت الدراسة هناك في فصل الخريف (بداية العام الدراسي هناك) عام 1980، وأنهيت درجة الماجستير في منتصف عام 1982، ثم انتقلت إلى جامعة أوهايو في الجنوب الشرقي لولاية أوهايو في خريف عام 1982، وتوجد الجامعة في قرية جامعية تسمى أثنز (أثينا)، والتحقت بمدرسة الصحافة في كلية الإعلام في الجامعة، وتخرجت فيها, والحمد لله, في صيف عام 1986. التميز لا يتجزأ كيف استطعتم المزاوجة بين التميز في المجالين الإداري والأكاديمي, حيث يعرف عنكم غزارة المشاركات العلمية؟ أحسب أن التميز لا يتجزأ، فالناجحون في المجال الأكاديمي تجدهم في الغالب ناجحين في المجال الإداري، والعكس صحيح، ووجدت نفسي أكثر في البحث والمشاركات العلمية والتدريس وأعطيت هذه الأعمال جل وقتي وجهدي في السنوات الأولى بعد عودتي من البعثة، فتقدمت للترقية لأستاذ مشارك بسبعة أبحاث بدلا من الأربعة المطلوبة، وساعدتني ظروف العمل الجامعي التي تتطلب قيام عضو هيئة التدريس بأعباء إدارية أن توليت عددا من المهام الإدارية في اللجان العلمية والإدارية والإشراف الأكاديمي والإشراف على النشاطات اللا صفية، ثم عهدت لي رئاسة القسم فوكالة كلية الآداب للشؤون الأكاديمية فوكالة الكلية، ثم رئاسة القسم مرة أخرى حتى غادرتها بتعييني في مجلس الشورى في أوائل عام 1422هـ. وكان كل ذلك يتزامن، بحمد الله وتوفيقه, مع مزيد من البحث والتأليف ومع القيام بأعمال تطوعية واستشارات عملية خارج الجامعة، ولم أجد أن البحث قد حد من قدرتي على القيام بالأعمال الإدارية والتطوعية والاستشارات، كما لم أجد هذه الأخيرة معيقة لقيامي بالبحث والتأليف، والمسألة في تقديري لا تعدو في جوهرها أن تكون نتاج استثمار جل الوقت المتاح وتنظيمه، ليس أكثر، وهي مزية تجدها عند كثيرين من الناجحين في أعمالهم داخل الجامعة وخارجها. تشتكي الصحف والمؤسسات الإعلامية من ضعف المخرجات وتشتكي الجامعات من أن المؤسسات الإعلامية لا تتعاون بالشكل الكافي لتدريب الطلاب.. أين تتوازن المعادلة من وجهة نظركم؟ كلا الطرفين مقصر، فمناهج أقسام الإعلام، بالمجمل، لا تستجيب بشكل دقيق لمتطلبات مزاولة المهن والفنون الإعلامية على اختلافها، فهي تخرج شبابا يملك المعرفة والرغبة والقابلية للتدريب والتعلم على رأس العمل في المجالات الإعلامية المتخصصة الفنية منها والتحريرية، أي أنها لا تخرج محترفين جاهزين لممارسة فنون الإعلام المختلفة، ولذلك أسباب كثيرة ليس المجال ملائما لحصرها، لكن أهمها، في رأيي، طبيعة الدراسات الإعلامية النظرية، وتشعب الفنون التطبيقية التي تحتاج إليها صناعة الإعلام وتعددها، وإلزام أقسام الإعلام بقبول أعداد كبيرة من الطلاب تفوق بكثير طاقاتها الاستيعابية المثالية، ونقص الكوادر البشرية والمتطلبات الفنية في أقسام الإعلام .. ومن الجانب الآخر فإن المؤسسات الإعلامية أيضا مقصرة, فهي تنتظر الجاهز دون أن تبدي استعدادا كافيا لتدريب خريجي أقسام الإعلام أو غيرهم، وبعض هذه المؤسسات لا تريد الالتزام بعقود عمل مع شباب سعودي متفرغ ومتخصص في المهنة، فتبحث عن "المتعاون" و"الدوام الجزئي" لأنهم أقل تكلفة وأسهل عند الرغبة في "التخلص" منهم، ومن المهم أن نشير هنا إلى أن المعيار المستخدم للحكم على جميع خريجي أقسام الإعلام هو المهارة في التحرير الصحافي، وهذا خطأ شائع ينبغي ألا يستخدم إلا مع خريجي شعبة الصحافة، فمن الخطأ الحكم على خريجي الإذاعة والتلفزيون والعلاقات العامة باستخدام هذا المعيار وحده، وهم عادة ما يكونون مهيئين لممارسة فنون إعلامية أخرى غير التحرير الصحافي، أما خريجو شعبة الصحافة في جامعة الملك سعود فمعروف عنهم التميز والجاهزية للعمل ويكونون في الغالب قد تدربوا في رسالة الجامعة, لكن عدد خريجي هذا التخصص قليل مقارنة بخريجي التخصصات الأخرى. علاقتي بالجامعة هل لا تزال علاقتكم مع الجامعة مستمرة حتى الآن؟ تقتصر علاقتي بالجامعة والجامعات السعودية الأخرى، في الوقت الحاضر، على المشاركات العلمية كالإشراف على الرسائل العلمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراة وفي المناقشات العلمية لهذه الرسائل، والتحكيم العلمي لأبحاث أعضاء هيئة التدريس سواء للنشر في المجلات العلمية أو للترقيات، إضافة إلى المشاركات في الندوات والمؤتمرات والمحاضرات العلمية التي تعقد في جامعات المملكة. الجمعية السعودية للإعلام والاتصال كنتم من مؤسسيها .. حدثنا عن تلكم التجربة؟ جاءت الموافقة على إنشاء الجمعية السعودية للإعلام والاتصال قبيل مغادرتي رئاسة القسم، وعملت مع الزملاء في اللجنة التحضيرية لعقد الاجتماع التأسيسي للجمعية العمومية، ومنحني الزملاء الثقة لإدارة ذلك الاجتماع رغم أنني كنت قد انتقلت للتو عضوا في مجلس الشورى، وكان الحضور للاجتماع كبيرا, والحمد لله, شارك فيه عدد كبير من أساتذة أقسام الإعلام في جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود وجامعة الملك عبد العزيز، إضافة إلى عدد كبير من الزملاء العاملين في حقل الإعلام والطلاب، وتم انتخاب أول مجلس إدارة للجمعية، ووفق المجلس في دورتيه السابقتين اللتين ترأسهما الزميل الدكتور علي شويل القرني في الانطلاق بالجمعية بسرعة فاقت كل التوقعات، فحققت الجمعية ما لم تحققه جمعيات أخرى كثيرة، وقد تكرم علي الزملاء في مجلس الإدارة الأول فمنحوني العضوية رقم (1) في الجمعية، وأوكلوا لي مهمة البدء في إصدار مجلة علمية للجمعية، فتوليت رئاسة تحرير "المجلة العربية للإعلام والاتصال", وهي دورية علمية محكمة تصدرها الجمعية، وما زلت أتولى أمرها مع عدد من الزملاء الأفاضل في هيئة التحرير، والمجلة مستمرة، والجمعية تواصل الآن نجاحاتها في دورتها الثالثة بمجلس إدارة جديد يرأسه الزميل الدكتور فهد الطياش، وأتمنى للجمعية والمجلس الجديد التوفيق والسداد. تميزتم في عملكم الأكاديمي والبحثي تميزا كبيرا وأثمر هذا التميز حصولكم على الثقة الغالية واختياركم لمجلس الشورى كيف تنظرون إلى هذه التجربة حتى الآن؟ أصدقك القول إن اختياري مجلس الشورى كان مفاجأة لم تخطر على بالي إطلاقا، ولم تكن عضوية المجلس أو العمل خارج الجامعة عموما من تطلعاتي، فلم أكن أتطلع إلى أي مكان آخر أو أي منصب خارج الجامعة، وكنت أختلف في ذلك عن كثير من الزملاء الذين يعمل بعضهم في الجامعة ويتطلعون خارجها، وقد يكون هذا عيبا خاصا بي وحدي، ولكنها الحقيقة، حيث إنني كنت أرى نفسي قد خلقت لهذه الجامعة فقط، ففيها تعلمت وفيها تخرجت ولها عدت أستاذا، وفيها وجدت نفسي معلما وباحثا وإداريا .. ومع ذلك فقد كان لاختياري في المجلس أثر كبير في نفسي، فقد اعتبرت الاختيار بمثابة الاعتراف والتقدير لعلمي وعملي، وهو تقدير جاء من قبل القيادة, حفظها الله، وهذا يعني تحملي مسؤولية أكبر تجاه وطني وقيادته، فالثقة السامية التي تشرفت بحملها أمانة كانت وما زالت، دافعا لمزيد من الإخلاص والعطاء لهذا الوطن أينما وجدت وحيثما عملت .. وقد استفدت من مجلس الشورى ما يعادل وربما ما يفوق استفادتي من الكتب والمحاضرات والبحوث، فكل جلسة من جلسات مجلس الشورى هي عبارة عن ندوة تطرح فيها مختلف الآراء التي تثري رأي المستمع وتضيف معلومات إلى معلوماته، ومنه أدركت أن رأيي ليس صوابا دائما، فبعد الاستماع إلى آراء الآخرين، كثيرا ما أكتشف بنفسي، أنني كنت مخطئا فيما رأيت في البداية، ومنه تعلمت احترام الرأي الآخر، وقبول رأي الأغلبية وإن اختلفت معه، وهو أولا وأخيرا مجال آخر أجاهد فيه وأبذل كل ما في وسعي كي أكون مشاركا مفيدا ومؤثرا فيما يخرج منه من قرارات.
إنشرها

أضف تعليق