Author

كيف يتدبر المتقاعد آثار معدلات التضخم؟

|
يتوقع المتقاعدون من المؤسسات المعنية بشؤونهم أن تتأكد بصورة دائمة من أن ما تدفعه من معاش تقاعدي لا تتناقص قيمته الشرائية بفعل عامل التضخم وهم في الحقيقة محقون في ذلك وإلا سيأتي اليوم الذي يجد فيه المتقاعد أن معاشة قد فقد نسبة كبيرة من قيمته الفعلية، فلو تصورنا أن معدل التضخم يتزايد بواقع 3 في المائة في السنة - قياسا بمعدلات التضخم في السنوات الثلاث الأخيرة - فهذا يعني أن المعاش التقاعدي سيفقد 30 في المائة من قيمته خلال عشر سنوات أي ما يعادل الثلث تقريبا ويمكن أن يصل ذلك إلى ما يقارب النصف إذا استمر معدل التضخم في التزايد بالوتيرة نفسها لخمس سنوات إضافية، فكيف يمكن للمتقاعد الذي ليس له مصدر دخل آخر خلاف هذا المعاش أن يتدبر متطلبات الحياة المعيشية له ولأفراد أسرته إذا أحجمت المؤسسات المعنية عن التصدي لمعالجة هذا الوضع؟ في مثل هذا السيناريو من المؤكد أن شريحة كبيرة من المتقاعدين وأفراد أسرهم سيعانون كثيرا عدم كفاية المعاش لما اعتادوا عليه من حياة وقد تتحول الحالة الاقتصادية للبعض منهم تدريجيا إلى أن تصل لمرحلة الفقر، فهل من الحكمة أن يترك مثل هذا الأمر يتفاقم إلى أن يصبح من الصعب علاجه؟ لماذا لا تستخدم مؤسستي التأمينات والتقاعد الموارد المالية الناتجة عن استثمارات المبالغ المستقطعة من الرواتب والبالغة 18 في المائة (مجموع حصة الموظف وحصة جهة العمل) لتعويض مقدار الفاقد من المعاش بفعل معدلات التضخم؟ ثم لماذا تفترض هذه المؤسسات أن الدولة هي المسؤولة عن معالجة هذا الوضع من خلال ضخ مزيد من الأموال؟ لقد كانت المؤسسة العامة للتقاعد أكثر حظا لأن حكومة خادم الحرمين الشريفين عندما أقرت الزيادة في رواتب موظفي الدولة والبالغة 15 في المائة شملت ضمن ذلك معاشات المتقاعدين من الدوائر الحكومية فحصلت المؤسسة من وزارة المالية على المبالغ المترتبة على هذه الزيادة، فرفعت عنها عبء تمويل مبلغ الزيادة من مواردها المالية وربما امتنعت هي الأخرى عن زيادة المعاشات لو لم تحصل من الدولة على تلك المبالغ كما فعلت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حينما بررت عدم قيامها بأي إجراء لزيادة المعاشات لأنها لم تحصل على تمويل يقابل ذلك. لقد نشرت صحيفة "اليوم" خبرا بتاريخ 17/7/1429هـ قالت فيه إن التأمينات الاجتماعية بصدد رفع تقرير إلى الجهات المعنية تؤيد فيه زيادة المعاشات ولكن تشترط أن يكون هناك تمويلا مقابل ذلك لأن الاشتراكات الحالية وعائدات استثمارها محددة لتمويل المنافع الحالية فقط ولا يملك مجلس إدارة المؤسسة صلاحية زيادة المعاشات أو إقرار بدل لمواجهة ارتفاع الأسعار. إن المتمعن في هذا الخبر يجد أن التأمينات مقتنعة بوجود ما يبرر زيادة المعاشات ولكن يمنعها أمران الأول عدم وجود تمويل والأمر الآخر أن مجلس الإدارة لا يملك الصلاحية، فإذا كانت التأمينات تعوزها الصلاحية فلماذا لا ترفع توصيتها إلى مجلس الوزراء للحصول على موافقة المقام السامي فخادم الحرمين الشريفين عودنا ـ حفظه الله ـ على سرعة تلبية كل ما من شأنه رفع الأعباء عن كاهل المواطنين، أما اشتراط التمويل فلم تقل التأمينات إن الاشتراكات وعوائد استثماراتها لا يمكنها تمويل الزيادة بل قالت إنها محددة لتمويل المنافع الحالية أي أن الزيادة في المعاش ليست من ضمن هذه المنافع وهذا ربما يتطلب إجراء تعديل في نظام التأمينات الاجتماعية، فلماذا إذا تشترط التمويل لصرف الزيادة في معاشات المتقاعدين؟ يبدو أن السياسة التي تطبقها كل من التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد تفترض أن ما يصرف كمعاش تقاعدي هو مبلغ ثابت وبالتالي أي زيادة في المعاشات لا يتم تمويلها من الإيرادات وإنما من مصادر أخرى كما حصل عندما صرفت وزارة المالية للمؤسسة العامة للتقاعد مبالغ مالية مقابل الزيادة العامة وعلاوة المعيشة، والسؤال الذي يفرض نفسه هل ثبات المبلغ المصروف كمعاش تقاعدي هو حالة شائعة مطبقة في كل أنظمة التقاعد في البلدان القريبة منا أم أنه حالة يختص بها النظام لدينا؟ فلو أخذنا على سبيل المثال نظام التقاعد في البحرين لوجدنا أنه يصرف زيادة في المعاشات التقاعدية لأصحاب المعاشات والمستحقين عن المتوفين منهم وتحسب بواقع 3 في المائة على مبلغ المعاش التقاعدي، حيث تصرف الزيادة اعتبارا من كانون الثاني (يناير) من كل عام، فإذا كان هناك من المؤسسات المسؤولة عن معاشات التقاعد من تصرف زيادة دورية في المعاشات وتمول ذلك من الإيرادات التي تحصل عليها من عوائد الاستثمار وحصص الاشتراكات. لقد أثبت الدكتور خليل آل إبراهيم عضو مجلس الشورى في سياق المبررات التي قدمها للمجلس أن إيرادات المؤسسة العامة للتقاعد قادرة على استيعاب زيادة دورية في المعاشات، حيث أوضح أن إيرادات المؤسسة وفقا للتقرير المقدم للمجلس بلغت أكثر من 37 مليار ريال سجلت المصروفات أكثر من 21 ملياراً مما يعني أن الفائض أكثر من 15 ملياراً، ويؤكد آل إبراهيم أن الزيادة قد لا تكلف إلا جزءاً بسيطاً من هذا الفائض، وهذا أيضا ما نتوقع أن يكون عليه الحال للوضع المالي في التأمينات الاجتماعية، لذا فإن المتقاعدين في ظل هذا الوضع المالي الجيد يتساءلون ما الذي يجعل هاتين المؤسستين لا تبادران برفع توصيتهما إلى الجهات العليا لإقرار زيادة دورية تتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة؟ سؤال نتمنى أن نجد له استجابة من المسؤولين في كل من التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد.
إنشرها