Author

يوم مجنون من أيام البربرية

|
مع جنون الحرب في غزة في كانون الثاني (يناير) 2009م جاءتني في الإنترنت صورة شاب لم يقتله اليهود، بل إخوانه بدم بارد تحت دعوى أنه خائن. وصحح لي الأخ (جابر الحجي) مصدر الخبر أنه قديم، ويقال إنه يعود إلى حرب عام 2006م على لبنان، وليس من غزة عام 2009م.. بكلمة أدق القاتل والمقتول من معسكراتنا فهو ليس من يهود، ولكن بيدنا وبأسلحتنا المستوردة المشتراة بعرق جبيننا.. وأيا كان مصدر الصورة ومن أي معسكر، فهو يوم حزين مجنون من أيام البربرية.. ومن أرسل الخبر إلي طبيب درس في فرنسا الطب وأخلاقياته، قال ليس العجيب هو هذا الخبر بل انظر إلى أسفل لترى العجيب في الخبر. ثم تابعت أنظر إلى حشد مغرم بالدم، قد تحلق حول الجثة مثل أفلام الهنود الحمر، والرصاص يبخش رأس المسكين! ثم المفاجأة تحضر أم الشاب القتيل دون محكمة ودفاع وشهود وإثباتات ليساعدها الشباب النشامة كي (تدعس) برجلها فوق رقبة ابنها المسجى على الأرض جثة لا حراك فيها بعد تنفيذ القتل الميداني فيه! إنها أيام البربرية والجنون والنكس الأخلاقي والتردي الإنساني. إنها أيام حزينة مجنونة تلك التي نراها! وفي النهاية يكتمل المشهد، فيتمنى القوم وجود رجال في مثل جسارة هذه المرأة، فهي (أخت رجال)! وهي أهانة للرجل والمرأة، فمن جهة حط لكرامة المرأة، حين اعتبرت أنها دونية وعلى الرجال أن يصلوا لدرجتها، ومن جهة حط لكرامة المرأة لأنهم لا يتوقعون منها أن تصعد لمستوى الرجل وتساويه كما ساواها الرحمن الرحيم حين قال: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا). إنه حتى سليمان قاتل كليبر زمن الاحتلال الفرنسي أتيحت له فرصة الدفاع والشهود والمرافعة، إلى درجة لفتت نظر المؤرخ الجبرتي يومها فيكتب في تاريخه في العديد من الصفحات خبر هذه المرافعات وكيفية سير الدعوى والقضية، وهي واضحة في الاغتيال، بحيث إن سليمان الحلبي لاقى محاكمة عادلة قبل أن ينفذ فيه الحكم. وهو الأمر الذي جعل المؤرخ توينبي يعتبر أن مؤرخا مثل الجبرتي كان يتمتع بحس حضاري، حين انتبه إلى سير القضايا القانونية في المحاكم الفرنسية، ولم يكن معروفا من قبل سوى التجسس والوشاية ووضع المتهم للتعذيب على الخازوق، فأدرك أن حملة نابليون ليست حملة مدفع وحرب، بل هناك نقلة نوعية في حياة الصليبيين الجدد. واليوم حين أرى كيف ينفذ الفلسطينيون أو غير الفلسطينيين الحكم في أحد أولادهم، والقتل في الشارع على التهمة، وجمع حشد عرمرم من الطفيليين ليتمتعوا بمنظر حمام الدم، ثم إحضار أم المقتول كي تطأ برجلها رقبة ابنها! أقول لم ندخل التاريخ بعد ولا نعرف القضاء ولا روح العدالة .. إنها مناظر يتم تعميمها وتوزيعها بقرف على ثبج البحر الأخضر الإلكتروني وبمتعة وشغف، مما يدل على مدى النخر التربوي عندنا، والانحطاط الأخلاقي، والتردي والنكس الإنسانيين.. إنها لحظات انهيار في تاريخ البشرية تلك التي أفرزتها الحرب المجنونة في شتاء 2009م... صورة وحقيقة. إنه يوم ترد ونكس جديد في السجل البشري يؤكد توقعات الملائكة فينا. قال تعالى: (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون).
إنشرها