Author

أوباما والعهود والمواثيق

|
سألني أخ فاضل: ما قولكم بشأن الوعد الذي قطعه أوباما على نفسه عن تحسين العلاقة بين الأمريكان والمسلمين؟ وما تعليقكم بشأن ما صرح به عن سحب قواته من العراق؟ وفي قناعتي أن ما يحكم علاقات الدول والحضارات هي المصالح والمنافع وتدافع القوى، بمعنى أن أوباما إذا رأى أن مصلحة أمريكا هي حرب المسلمين حاربهم، وإذا رأى مصلحة أمريكا في التودد إليهم والاقتراب منهم فعل.. فما يحكم علاقات الدول هو قانون الغابة حتى الآن بكل أسف لعدم وجود دولة عالمية تضبط النزاعات بين الأمم كما فعلت الدولة الواحدة في لجم عدوانية الأفراد ونزواتهم وصراعاتهم البغيضة فيما بين بعضهم البعض، فما نجحت فيه الدولة في الداخل عجزت عنه الدول في الخارج فيلتهم القوي الضعيف وتحاول المنظمات الدولية لجم هذه النزوات من دون فائدة تذكر، وإلا هل من المعقول أن العالم يتفرج على تدمير غزة، فلا يوقف إسرائيل إلا شبع الدم؟ والأوهام حول أوباما كثيرة وكبيرة كما في قصة جحا مع الموت!! وما ينطبق على القضية الأولى ينطبق على الثانية فإما انسحب أو جلس إلى يوم القيامة، وصدام وذراريه من بعده كانوا سيجلسون في كراسيهم وهم يشعرون بالخلود، مع أن الله يقول (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون)، والقرآن يقول (وما جعلناهم جسدا لايأكلون الطعام وما كانوا خالدين) ولكن الطغاة لا يفكرون بهذا النحو حتى يأتي أحدهم الموت فيقول رب ارجعون. كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون. وما يحكم على علاقات الذرة في الفيزياء والتفاعلات الكيميائية والبيولوجيا ينطبق على علم الاجتماع، ولذا فإن أوباما أسود كان أم أبيض أسمر أو أشقر لن يغير في علاقات القوة، وحين تصح أوضاعنا فلن يلعبوا فينا، وإلا فهم في اللعب سادرون، ونحن حاليا كرة قدم ممتازة للعب حتى نصبح بشرا غير مسخرين للقوى العظمى! وحتى تنجلي الأوهام سوف نصحو كما جاء في قصة جحا وكيف مات وهو حي؟ فقد سأل جحا يوماً زوجته كيف تعرفين الحي من الميت؟ قالت: إن الرجل إذا مات بردت أطرافه الأربعة، فإذا رأيت إنسانا قد برد على هذا الشكل فسارع في دفنه؛ فحفظ ذلك جحا في مخيلته، وقال إن الموت أقرب للإنسان من شراك نعله، حتى كان يوماً بارداً تجمد الصقيع فيه على النوافذ؛ فاحتاج أن يجمع فيه الحطب للتدفئة، فخرج يحتطب في غابة قريبة، فطال في البحث حتى ملأ وعاءه من بقايا الأخشاب وأفنان الشجر. وإذ استغرق مكثه في البرية في ذلك اليوم البارد؛ فقد لا حظ جحا على نفسه أن أطرافه الأربعة بردت؛ فقال في نفسه يا جحا: لقد مت ولا شك حسبما قالت لك زوجتك. ثم ما لبث أن استلقى على ظهره وهو يتأمل نفسه الميتة، وترك حماره يسرح أمام عينه! وبينما هو على هذه الحالة إذ جاء قطيع من الذئاب الجياع فهجم على الحمار فافترسه في ساعة من نهار مثل فطيرة محشوة بالزبيب في ذلك اليوم البارد، وجحا يتأمل المنظر ولا يفعل شيئا لحماره لأنه ميت. والميت لا يملك نفعا ولا ضرا. وأخيرا رفع جحا رٍأسه قليلاً ثم تمتم قائلاً: أيها الجبناء تعرفون أن صاحبه ميت فأكلتموه وأيم الله لو كنت حياً لعرفت كيف أؤدبكم على فعلتكم هذه. وهذا القصة تحكي الأوهام عند الإنسان. ومن يتوهم يظن أن الأوهام حقائق. والحقيقة الأولى تقول إن الحقيقة غير الوهم. ولكن هذه الحقيقة وهم؛ فليس هناك حقائق أشد وقعا على الناس وتأثيرا في حياتهم من الأوهام. وعندما يعبد البشر القيادات السياسة يتعجب الإنسان كيف يستطيع بشر فرد أن يضع يده على رقبة شعب يعد بالملايين؛ فهذا وهم كبير ولكنه حقيقة تفقأ العين أكثر من كل حقيقة. ولو اجتمع ثلاثة أشخاص لأمسكوا بالطاغية وكتفوه، ولكنهم يخافونه أشد من الموت، فهذا وهم، ولكنها حقيقة أشد من كل حقيقة سطوعاً. ويروى عن طاغية مشرقي أنه كان لا يدخل عليه رؤساء الفروع الأمنية سوية، وعددهم بقدر ملائكة العذاب تسعة عشر. وإنما يدخلون عليه آحاداً فردا فردا. لأنه لو اتفق ثلاثة منه على تكتيفه والاستيلاء على الكرسي المقيت لفعلوا! وهكذا فالبشر يمكن أن يمشوا بوقود وهمي من الشعارات الفارغة، والدول الثورية روجت من الشعارات ما سار تحتها الملايين وهم يهتفون بحياة بشر مثلهم، يأكلون مما يأكلون ويشربون مما يشربون. والناس في عدد من دول العالم الثالث يذهبون للانتخاب وهم يعلمون أن الموضوع كله كذبة كبيرة ووهم عظيم، ومع ذلك فالكل يذهب إلى هذه الانتخابات تحت وطأة هذا السحر. والقرآن يحكي قصة موسى والحية، لنفهم كيف يتم اغتيال العقل على نحو منظم بيد الكهنة وفرعون والسحرة؟ والسيارة لا يمكن أن تمشي بدون وقود حقيقي، ولكن العصا والثعابين والأوهام تفعل. فيقول الرحمن إنه خيل إليه من سحرهم أنها تسعى. ولم تكن تسعى. والسحر في السياسة هذه الأيام أكبر من سحر كهنة فرعون، (الذين قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين) قال نعم (وإنكم إذا من المقربين، فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون)، فوقع الحق وبطل ما كانوا يفعلون. وحينما يلعب السحرة ولا يوجد موسى؛ فلا نتوقع سوى سيطرة الأوهام على عقول الناس، كما روينا في المأساة الملهاة عن جحا وكيف فهم الموت وما هو بميت. والشعوب تموت مرات قبل أن تبعث. والأرض الميتة يحييها الله. وكذلك النفوس. (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها).
إنشرها