Author

هيئة الولاية على أموال القاصرين

|
ما نشرته الصحف منذ أيام أن الحكومة ستتجه إلى تحرير مئات الملايين من أموال القصَّر المجمدة في مؤسسة النقد العربي السعودي، من خلال تفعيل نظام هيئة الولاية على أموال القاصرين المقرر قبل سنتين من مجلس الوزراء. وذكر الخبر أن المحاكم حاليا تتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على ممتلكات القاصرين العقارية والمالية، إلى جانب تشكيل مجلس الولاية المنتخب للإشراف على أموال القاصر "الملياردير"- كما في الخبر - كذلك معالجة مشكلات القاصرين، والتصدي للخلافات المالية بين الورثة التي يكون سببها الطمع وسوء التصرف. كما نعرف أن هذه الهيئة صدر المرسوم الملكي بإقرارها منذ تاريخ 12 ربيع الأول 1427هـ الموافق 10 نيسان (أبريل) 2006. ومن أبرز الأحكام الواردة في نظامها: «تمارس الهيئة المشار إليها من الاختصاصات مثل ما خول للولي أو الوصي أو القيم أو الوكيل أو الناظر وعليها الواجبات المقررة عليهم طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية ولها على الأخص الوصاية على أموال القصر والحمل الذين لا ولي ولا وصي لهم وإدارة أموالهم والقوامة على أموال ناقصي الأهلية وفاقديها الذين لم تعين المحكمة المختصة قيماً لإدارة أموالهم وإدارة أموال من لا يعرف له وارث وأموال الغائبين والمفقودين والوكالة عنهم في المسائل المالية وحفظ أموال المجهولين واللقطات والسرقات حتى تثبت لأصحابها شرعا والإشراف على تصرفات الأوصياء والقيمين والأولياء وحفظ الديات والأموال والتركات المتنازع عليها حتى ينتهي الإيجاب الشرعي فيها إذا عهدت المحكمة المختصة إلى الهيئة بذلك وأي مهمة تسند إليها بموجب النظام أو قرار من مجلس الوزراء أو أمر من المقام السامي. وأن تكون جميع استثمارات الهيئة وتصرفاتها المالية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وتتكون أموالها من جميع أموال المشمولين بهذا النظام المنقولة وغير المنقولة والأموال التي تؤول إليها من أي جهة أخرى والدخل الذي تحققه من ممارسة نشاطاتها والأموال التي تسهم بها الدولة وما يقبله مجلس الإدارة من مساعدات وهبات وتبرعات. وتنص المادة الأولى: تنشأ بموجب هذا النظام هيئة تسمى "الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم" ومقرها مدينة الرياض، وتكون لها فروع في مناطق ومحافظات المملكة الأخرى، ولها شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة، وترتبط بوزير العدل. والمادة الثانية: تتولى الهيئة الولاية على الأموال التي لا حافظ لها حقيقة أو حكماً ـ إلا الله سبحانه وتعالى ـ وتمارس من الاختصاصات مثل ما خُوّل للولي أو الوصي أو القيم أو الوكيل أو الناظر، وعليها الواجبات المقررة عليهم ـ طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية. إذاً الهيئة بصفتها نظاما مهما قد صدر المرسوم الملكي بإقرارها منذ سنوات لأهميتها, ولكن كما قيل إن عدم تعيين رئيس للهيئة أدى إلى عدم تفعيلها, ولهذا كان الخبر الذي نشر في الصحف منذ أيام. هذه الهيئة أهميتها تكمن في أنها تتعامل مع أناس (لا حول لهم ولا قوة وهم المعنيون بتعريف القاصرين) ولنسأل أنفسنا كم منهم من اعتدي على حقوقه بصفته قاصرا؟ وكم منهم من النساء اللاتي لا يزال بعض أولياء الأمور يعتبرونهن قاصرات حتى لو كان عمر المرأة منهن قد تعدى سن الأربعين؟! هذه الهيئة مهمة جدا، ولا بد أن تحافظ على متابعة من تحمل مسؤولية الولاية وأن يكونوا ممن يخافون الله, وأن تكون هناك محاسبة شديدة لأي قصور في الأداء أو الإخلال بها, وحبذا أن تكون هناك لجان من المحاكم الشرعية تتابع من تسند إليه الولاية مما يحافظ على حقوق القاصرين ثم إن هذه الأموال الضخمة التي تشرف عليها الهيئة التي وضحتها موادها لا بد أن يحسن استثمارها بما يعود بالنفع على القاصرين وعلى المجتمع, فهي مدخرات كبيرة جدا ينبغي ألا تبقى حبيسة البنوك, وأيضا لا أن تكون مجمدة ولا يستفاد منها لمصلحة الاستغلال الأمثل التنموي والمجتمعي. ويهمني هنا أن أعيد مناقشة موضوع سبق لي أن ناقشته في مقالات سابقة منذ أعوام, لا يتعلق فقط بالقاصرين الذين تتولى الهيئة أمورهم وتشرف على أموالهم, ولكن يخص جميع الورثة الذين يتم الحجر على ميراثهم من قبل بعض المسؤولين عن الولاية الشرعية. وأتمنى أن تمتد مسؤوليات هذه الهيئة لتشمل جميع القضايا المرتبطة بحقوق هؤلاء الورثة في الميراث, الذين يستولي الولي على أموالهم! والذين قد لا يتمكنون من تقديم دعاوى في المحاكم لإنصافهم لأن هناك ما يقال إنه (عيب اجتماعي) أي أن ترفع المرأة دعوى تطالب بحقها في الميراث من الذي تسلط على هذا الميراث من الإخوة أو الأعمام مثلا, وأيضا تتكرر هذه المشكلة في القرى، حيث يرفض توزيع الأراضي الزراعية للنساء اللاتي لهن الحق فيها باعتبار (أن الغريب أي الزوج لن يسمح له بامتلاك أرض الآباء والأجداد)! وتستمر المشكلات العائلية حبيسة الجدران, ولا أمل في إنهائها في ظل عرف اجتماعي يهتم بالشكليات ولا يهتم بالتشريع الرباني, والنفس الأمارة بالسوء لا يردعها سوى الضبط الخارجي طالما غيبت الضبط الداخلي وصوت الضمير وقوة الوازع الديني. هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى هذه القضايا عادة ما تأخذ وقتا طويلا في المحاكم إذا ما كانت هناك دعاوى قضائية حولها, خصوصا إذا كان الخصم من الذين يعرفون كيف يتم تطويل هذه الإجراءات ويستفيد منها! وهنا نجد الظلم المركب يقع على الورثة المحرومين من ميراثهم. خصوصا إذا كن نساء. ** اتكاءة الحرف: قال الخليفة العادل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه: "العدل جنة المظلوم وجحيم الظالم".
إنشرها