Author

القنوات العربية.. (ما) أنتم؟

|
* أهلاً بكم في مقتطفاتِ الجمعة رقم 286، أرجو أن تنالَ رضاكم. *** * قضية الأسبوع: (بعض) القنوات العربية شئنا أم لم نشأ محسوبةٌ علينا خليجياً وسعودياً، فهل أدت واجبها كما نريد تجاه أحداث غزّة؟ للموضوع شِقـّان: رضا الفردين الخليجي والسعودي عن القنوات، والآخر: رضا العرب كافة أو عدم رضاهم، وأثره في السعودية والخليج .. مع نقاش مسائل أخرى تستدعيها ضرورة متن الموضوع. *** * لستُ، ولا أحد ربما، يملك استفتاءً، أو إحصاءً دقيقاً عن درجة رضانا السعوديين عن (بعض) هذه القنوات العربية في معالجتها لأحداثِ غزة وتمسكها بتعابيرٍ ومصطلحاتٍ بعينها توخياً - كما يقول مسؤولوها - للموضوعيةِ في النقل والتحليل، وتجنباً للتعبوية والحشدِ، وإضرام العاطفة. وممّا يصلني من رسائل من الأفراد في بريدي، ومن المجموعات البريدية المتعدّدة، ومن المدوّنات، ومن اجتماعي مع الناس في الديوانيات والصوالين لمست أن الأكثرية غير راضية عن طريقة بعض هذه القنوات، بل إن بعضهم ينتقدها انتقادا مراً، ويرى أنها خذلتنا أمام الأمة العربية في الطريقة التي تغطي بها أحداثَ غزة.. وإن كنت لا أملك تأكيدا لكامل الطيف الاجتماعي، ولكني أكيدٌ مما تجمّع لدي، بأن أي استفتاءٍ أو استقصاءٍ عامّيْن، ستكون نتيجتهما الكاسحة عدم الرضا.. وسأناقش فيما بعد عدم الرضا الجماهيري، من ناحية مبدئية، وناحيةٍ عقلية، وناحيةٍ غرضية، وناحيةٍ ظرفية.. *** * الرضا العربي عن القنوات: فيما نقرأ ويصلنا ونطلع عليه ونراه، فقد نالت قسطاً سخياً من النقد أو الانتقاد المرّ، حتى إنه للأسف شاعت صفة معيبة، ولا أقبلها لهذه القنوات، ولكن هذا هو الواقع، ويجب ألا نلوم الناسَ في كل ما يأتينا من عواقب، من الحكمة والتريث إعادة تقييم الوضع والظرف والموضوع، وأن نعرف أن الأثرَ يأتي من المؤثـِّر، وبالتالي فإن هذه النقمة التي سرت تياراً جارفاً في الوطن العربي ضد هذه القنوات هي من أعمال قامت بها. هل هي المصيبة؟ أم أن الرأي العام العربي هو المصيب؟.. ليس هذا هو الموضوع، الموضوعُ أن المحطات وُجِدَتْ، بما أحسبه من المنطق البديهي، لكسب الرأي العام العربي، والتنافس في تحقيق جذب أكبر عددٍ من المشاهدين.. والذي يحدث الآن، بغض النظر عن التبرير الموضوعي الذي يحب مشرفو هذه القنوات أن يتعلقوا به كطوفٍ في هذا الخضم من الغضب العارم، فشلتْ في هذه الظروفِ الحزينة في أن تستقطبَ الجماهيرَ في المشاهدة أو في الجذب.. ويحزنني أنه وصلني كما وصل آلافَ العناوين البريدية الإلكترونية، حملة كبرى عبر البلاد العربية، ويعيد إرسالها جمعٌ كبير من الأفراد والمجموعات السعودية تنادي بالمقاطعة.. فهل هذا ما يريده حقا مشرفو هذه القنوات أن يتشبثوا بما يرونه موضوعية حتى ولو خسروا تجارتهم، وتجارتهم تعتمد على قوة المشاهدية؟ وهاهي تفسح مكاناً رحباً وطوعيا للقنوات المنافسة لتكون الملكة المتوَّجة للمشاهد العربي.. مرة ثانية: هل هذا ما يريدون؟ *** * أكثر ما أغضب الناس، هو أن الجميعَ يستخدم صفة الشهداءِ على ضحايا أهلنا في غزة، بينما تصر بعض هذه القنوات على وصفهم بالقتلى، ولا أفهم لماذا معاندة التيار العامّ الذي وصفناه عارماً؟ ووردتني تبريراتٌ نـُسِبتْ إلى كُتـّابٍ محسوبين على هذه القنوات أو فلسفتها، ومن القائمين عليها، باستشهاداتٍ دينية، وهذه كانت أكثر التبريرات إضحاكاً- في وقتٍ عزّ فيه الضحكُ- فيعني، "هِيّ حَبـَكـَتْ"- على طريقة إخواننا في مصر- فقط على ضحايا فلسطين؟ وهل ما تقدمه هذه القنوات مبنيٌ على سماحاتٍ وفتاوٍ دينية؟! غريبٌ أن يكون من بيته من زجاج رهيفٍ يقدم بيده الحجارةَ للراجمين. ثم إن الشهادة هنا تعبيرٌ، إن أردتَ، مجازي، فلا نحن ولا أحد يملك صكـّاً تأكيدياً للجنـّةِ، ولكنها صفة تمنٍّ في أقلـِّها، صفة تريح النفسَ العربية المثقلة بشعور الذنب، وهم يرون الأبرياءَ والأطفالَ يُهرَسون هرساً بلا رحمة، حينما تؤمن هذه النفسُ أن اللهَ سيشملهم بنعيمهِ وأمنه وسلامه في الفردوس.. وتأتي هذه القنوات لتحارب بعنادٍ هذا الشعورَ، وبرأيي أنه قصورٌ في قراءة التوجه النفسي للمشاهدين العرب.. *** * وتجمعت عندي مقالات، لو كان المكان يسمح لعرضتها، خرجت بالصحف الغربية، وبعضها من يهودٍ كبار، تدينُ الاعتداءَ الصهيوني الغاشم والفاضح، حتى إن بروفسوراً تمنى لو تجرد من هويته الإسرائيلية، وأجمعَ هؤلاء الكتابُ على أن "حماس" ليست ذريعة لتقوم إسرائيل بهجماتها، وبعضهم قال حتى لو كانت حماسُ هي من أطلق زناد السلاح أولا، فلا عذر أبدا يبرر حجم هذه الوحشية والدموية (وكلمة الدموية قرأتها في كل تلك المقالات، وهي مقالاتٌ موجودة تسبح في بحر الجوجل)، وقد يعرف القارئُ، ويعرف أي مقيم في كندا ما قام به أرثوذوكس اليهود من مقاطعة للحكومة الإسرائيلية الحالية، وإظهار غضبٍ عارم على ما تقوم به من موبقاتٍ إنسانية، وهم الطرف المتدين ( أو المتعصب إن شئت) من اليهود.. فما هو إذن مبرر الموضوعية عند القنوات العربية في مسألةٍ عاطفية جدا، ويجب أن تبقى الآن في حدود العاطفة؟ *** * هل هذه القنوات مؤسسات إصلاحية عقلية موضوعية؟ أم مؤسسات تريد أن تحقق شعبية ومشاهديّة لكي تحقق الغاية التجارية؟ هل لها مداخيلُ مبرمجة من أجل إصلاح العقل العربي ليكون موضوعيا، وبالتالي لا يهمها كم يطالعها من الناس؟ هل هي صاحبة رسالة محددة حتى ولو فقدت آخرَ مشاهد؟ إن كانتْ، فإني، هنا، أهنئها بالثباتِ والنجاح. *** * برأيي، إن جاءت الموضوعيةُ، ودمُ أخيك ينزف، لتجلس للتفكير بعقلك، لا المبادرة بعاطفتك التلقائية.. فهذه موضوعيةٌ أبعد ما تكون عن الموضوعية! في أمان الله..
إنشرها