إسرائيل وفضيحة السلام

كم كنت أتمنى وأنا أكتب هذا المقال أن يكون شلال الدم الجاري في غزة قد توقف، وأن يكون مسلسل القصف قد انتهى، وأن تكون حصيلة أعداد الشهداء المتزايدة يوماً بعد يوم قد توقفت، إلا أنه للأسف وحتى تاريخ كتابة هذا المقال (يوم أمس) لم يحدث شيء، وذلك على مدى 18 يوماً من القصف العنيف والمتواصل، والذي حصد حتى الآن (أمس الثلاثاء) أكثر من 930 قتيلاً قرابة نصفهم من النساء والأطفال، وأكثر من 4260 جريحاً نصفهم من النساء والأطفال، بل العكس من ذلك فإن القصف الذي وقع ليلة أمس كان هو الأعنف منذ بداية الحرب.
وعلى الرغم من الألم الذي يعتصر الإنسان في هذه الأيام جراء ما يشاهد من إزهاق للأرواح وتشريد للمدنيين وقتل للطفولة البريئة إلا أن ما يلمسه من تأييد عالمي لهذه القضية يخفف شيئاً قليلاً من هذا الألم، فلا أعتقد أن هناك قضية من القضايا أجمع عليها العالم اليوم مثل هذه القضية حيث عبّر سكان عديد من دول العالم عن تأييدهم للحق الفلسطيني، كما عبّروا عن غضبهم لما يقوم به العدو الصهيوني من قتل وتدمير، فقد خرج الناس من أقصى الشرق في أستراليا واليابان والهند وإندونيسيا وباكستان وأوروبا وإفريقيا إلى أقصى الغرب في لوس أنجلوس بأمريكا وهم ينددون بما يقوم به العدو من قتل وتشريد يوماً بعد يوم.
وفي المملكة تواصلت مظاهر التأييد والمساندة لإخواننا في غزة فقد انطلقت حملة خادم الحرمين الشريفين لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة وجمعت أكثر من 140 مليون ريال، كما واصل معظم مساجدنا وعلى مدى أكثر من أسبوعين الدعاء لإخواننا في غزة، كما حرص كثير من الأئمة على أن تكون غزة الموضوع الرئيس لخطبهم. والمهم اليوم هو أن هذا التعاطف العالمي يجب أن يتواصل، وأن يركز بشكل مباشر على القضية الفلسطينية كقضية جوهرية تبقى معنا باستمرار في كل شؤون حياتنا.
إنني كلما نظرت إلى قساوة هذه الحرب على هذا الشعب الأعزل المحاصر، أسأل نفسي أي سلام هذا الذي يتحدثون عنه؟ هل من المعقول أن مَن يقوم بهذا القتل والتدمير والإبادة للأطفال والنساء والشيوخ يريد سلاماً؟ هل من المعقول أن مَن يقوم بنسف المساجد والمدارس والبيوت وهدمها على رؤوس مَن فيها يريد سلاماً؟ هل من المعقول أن مَن يقوم باستخدام أسلحة محرمة دولياً تفتك بالبشر يريد سلاماً؟ إنني أسأل كل مَن قام بمد يده لهذا العدو ومصافحته، بل وفي بعض الأحيان معانقته، أما زلت تشعر بالفخر والاعتزاز بهذا العناق وأنت ترى اليوم شهداء غزة يتساقطون بالعشرات يوماً بعد يوم؟ كما أنني أسأل كل مَن كان يفكر أن يمد يده لهذا العدو من أجل السلام، أما زلت تعتقد أن مثل مَن يقوم بهذا الصنيع ومن يرتكب هذه المجازر يعرف شيئاً اسمه سلام، فضلاً عن أنه يرغب فيه؟
لقد فضح العدو نفسه بهذا الهجوم البربري وأكد للعالم أجمع أنه أبعد ما يكون عن السلام، بل قدّم الدليل القاطع بأن جميع المفاوضات السابقة وعلى مدى عشرات السنين إنما هي مكر وخداع استطاع من خلاله أن يحشد تأييد عديد من الدول العظمى والدول الأخرى إلا أن هذا المكر قد انكشف اليوم للعالم أجمع، فمن كان يشك في كذب هذا العدو فقد تأكد اليوم، ومَن كان لا يعرف فقد عرف اليوم، ومَن كانت الصورة لديه غير واضحة فأعتقد أن صور الشهداء اليوم أفضل من أي تعبير آخر.
لقد فضحت إسرائيل نفسها بهذه الحرب، كما فضحت مَن خلفها ومَن يساندها ومهما حاولت بعد اليوم أن تحسّن من صورتها أمام المجتمع، فلن تستطيع أن تقنع أحداً إلا مَن هو أعمى، ولا أقصد بالعمى عمى البصر، بل البصيرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي