Author

إنه .. مشروع فكري

|
بعد انحسار المد الإخباري المتدفق الذي صاحب انفجار أزمة الرهن العقاري في آب (أغسطس) الماضي وما أعقب ذلك من انهيار وتداعٍ لمؤسسات مصرفية عملاقة خطف الأفئدة والأبصار، الآن يرتفع الطلب على التفسير والتحليل والبحث عن الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة العالمية التي ستؤدي من دون شك إلى تغيير بنية النظام المالي العالمي. الحدث وقع، وما هو مطلوب هو معرفة كيف يمكن النجاة من تداعيات انهيار العمالقة، وهذا هو السؤال الذي يطارد القائمين على الاقتصادات الناشئة التي بعضها أحسّ بالضرر وبعضها خائف يترقب، والإجابة عن هذا السؤال الضخم لن يزعم أحد بعد أنه قادر على الإجابة عنه .. ولكن المحاولات جارية والجهود الفكرية لتفسير ما حدث بدأت تستجمع قواها. إصدارنا هذا العام لتلمس ملامح العام الجديد يأتي في هذا السياق، وهو العدد الأول من إصدار سنوي نتطلع أن يكون (مشروعاً فكرياً) يعمّق ويؤصّل التعامل الإعلامي مع القضايا الأساسية التي تواجه اقتصادنا الناشئ والاقتصاد العالمي بمجمله. نتطلع لأن يكون مشروعاً فكرياً لأننا على قناعة بأن أزمة الاقتصاد العالمي المعاصرة مرجعها فكري وأخلاقي، فالعالم منذ انهيار النظم الشيوعية والاشتراكية، وقف فكرياً على معطيات وأدوات ونظريات الفكر الرأسمالي وظنّ أنها (نهاية التاريخ). وما تقوله وتؤسس له هذه النظريات هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولعقدين من الزمن قامت المؤسسات المالية الكبرى والمصارف والشركات الاستثمارية العظمى بردعنا أخلاقياً ومعنوياً وتهديدنا سياسياً حتى لا نفكر ولا نتصور ولا نجرب إلاّ ما ولده النظام المزدهر فكرياً وروحياً. أما في الجانب الأخلاقي، فقد تكشفت الأمور عن صدمة أخلاقية لنا، فقد أكدت الأحداث المتداعية خللاً كبيراً في أخلاقيات التجارة, كما أن (الصورة الكلاسيكية) المعروفة لرجال المصارف الكبرى الذين كانوا أنموذجاً للأمانة والنزاهة .. هؤلاء اتضح أنهم من المنابع الرئيسة للأزمة المعاصرة، فقد انطوت أعمالهم على الغش والخداع. وثقة الناس بالمصارف اهتزت وأيضاً ثقة المصارف ببعضها تمر بأسوأ مراحلها، والحكومات أمّمت مصارفها ولم تعد تثق بقياداتها. هذه من دون شك أزمة بنيوية لن تمر تداعياتها بسلام، ومع الأزمات تنفجر الأسئلة الكبرى، وتبدأ الناس والحكومات تلمس الحلول الجذرية لمشكلاتها، وفي هذه الظروف تولدت لوسائل الإعلام الجماهيري مهمة رئيسة وهي فتح نوافذ (الإنتاج الفكري) المستقل ليكون عوناً للحكومات ومنبراً ومعلما - ما استطاع - للناس حتى يكون الرأي العام مستنيراً لا يتلمس الحلول السحرية، إنما يفكر بهدوء ويدع الحكومات تتعامل مع الأزمات بقناعات موضوعية وليست مجرد ردود أفعال. في هذا الإصدار وجدنا أن العالم سيطرح الأسئلة في مجالات حيوية في العام الجديد 2009، لذا حاولنا أن تأتي الآراء محللة ومرشدة، ولا نتوقع أننا نقدم إنجازاً عظيماً، بل نحن نبدأ بخطوة متواضعة متطلعين إلى المستقبل، فنحن نثق بالقدرات التحليلية والفكرية في السعودية والخليج، لذا نراهن في المستقبل على تكريس معالم هذا المشروع ليكون إضافة فكرية تعمق الطرح الإعلامي وتنقله إلى حقبة أكثر مهنية تعكس إمكانات مجتمعنا وتطلعاته.
إنشرها