Author

الأزمة المالية العالمية وأهمية إنشاء مركز وطني لإدارة الأزمات الاقتصادية

|
مما لا شك فيه أن الغالبية العظمى من المواطنين والمقيمين قد أصيبت من الأزمة المالية الداخلية التي تعرض لها سوق المال السعودي في السنوات القليلة الأخيرة مثل غيره من الأسواق المالية العالمية، والتي ترتب عليها آثار وتداعيات اقتصادية واجتماعية واضحة وملموسة. ومما لا شك فيه أيضاً أن الغالبية العظمى من المواطنين والمقيمين قد سمعت عن أن هناك أزمة مالية عالمية اجتاحت القطاع المصرفي الأمريكي، ثم ألقت بظلالها في الآونة الأخيرة على القطاع المصرفي العالمي، وقد تناولها عديد من وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بالتوضيح، وذلك في إطار ما يضطلع به قطاع الإعلام من مهام جسام تتمثل في تنوير الرأي العام، بإطلاعه دائماً على الحقائق التي تبدو غائبة عنه، وذلك بإتاحة المعلومات والبيانات الصحيحة في جو من الشفافية والوضوح وطرح الرأي والرأي الآخر. ومع ذلك فإنني أرى أن مهمة الإعلام لا تقتصر على تسليط الضوء على الخبر فقط عند وقوع حدث ما، بل هي مهمة مستمرة لا تتوقف، وخاصة في ظل الأحداث التي تمس قطاعات عريضة من المجتمع الوطني والمجتمع الدولي، كما هي الحال في الأزمة المالية العالمية. ولا تقف مهمة قطاع الإعلام أيضاً عند هذا الحد، بل يجب أن تتناول الأسباب الحقيقية وراء تلك الأزمة، سواء أكانت أسباباً داخلية تتعلق بالاقتصاد الأمريكي الذي نشأت تلك الأزمة في كنفه أم كانت أسباباً عامة وشائعة يُمكن أن توجد في مجتمعات أخرى يسهل فيها محاكاة ما حدث عند بداية الأزمة. وتمتد مهمة الإعلام كذلك إلى البحث، من خلال المختصين من الاقتصاديين والقانونيين وغيرهم، عن الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة، وكيف يُمكن التوصل إلى حلول لها قابلة للتطبيق العملي للتخفيف من تلك الآثار على المدى القصير والمتوسط والبعيد. وفي هذا الإطار أيضاً أرى ضرورة أن يهتم قطاع الأعمال بصفة خاصة بتلك الأزمة المالية العالمية، ولا يتركها تمر كحدث عالمي دون أن يستفيد منه، وذلك من خلال التعرف على حقيقته، وآثاره، والدروس المستفادة منه. ومن الآليات التي يُمكن أن يؤخذ بها في هذا الصدد إنشاء مركز وطني لإدارة الأزمات الاقتصادية، إذ إن وجود مثل هذا المركز الوطني يُعد مطلباً وطنياً يحقق مزايا عديدة لقطاع الأعمال وللمواطنين والمقيمين المستثمرين وللاقتصاد الوطني للمملكة ككل. ولهذا فإن من أهم المهام التي يمكن أن يُعهد بها لهذا المركز الوطني المقترح أن يهتم بدراسة المناخ الاقتصادي السعودي، والعوامل الداخلية المؤثرة فيه، ومدى تأثره بالاقتصاد العالمي وتأثيره فيه، إذ إن الاقتصاد السعودي ليس بمعزل عن الاقتصاد العالمي، بل إنه يُعد واحداً من أهم الاقتصادات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، نظراً لأن السعودية لديها قوة اقتصادية كبيرة لا يُستهان بها، فهي تعد القوة النفطية العظمى في العالم أو بتعبير آخر تُعد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وقد عبرت عن قوة الاقتصاد السعودي وما يتوقع له من حُسن الأداء في المرحلة المقبلة الميزانية الجديدة للعام المقبل 2009م، التي خصصت 475 مليار ريال (127 مليار دولار (للإنفاق العام مقابل (510 مليارات ريال) أي (136 مليار دولار) في 2008م، فالميزانية الجديدة قد توسعت في مجالات الإنفاق المختلفة في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من أزمة حادة في الإنفاق، وهو ما يُشير إلى مدى الملاءة النقدية التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي، وما حققه، وما يُمكن أن يُحققه من مكاسب في ظل عالم اقتصادي يعاني من مشكلات جسام، سواء فيما يتعلق بالعجز عن التمويل أو عدم التوازن في قطاعاته الهيكلية أو بمعاناته من أمراض عجز عن وضع حلول جذرية لها، مثل البطالة، وعدم العدالة الاجتماعية، والفساد، وغيرها. ثم يقع على عاتق هذا المركز المقترح مهمة وضع استراتيجية وطنية يتم تنفيذها على مراحل، ويكون من بين أهدافها توعية المواطنين والمقيمين بالأزمات الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية، وآثارها، وكيفية مواجهتها، وهذا يتطلب أن تكون لدى هذا المركز قاعدة بيانات تتضمن معلومات عن جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، ويتولى دراسة جميع العوامل المؤثرة في أداء كل قطاع منها، وإتاحة تلك المعلومات والبيانات الصحيحة للقطاعين الخاص والحكومي حتى يكون على بينة عند اتخاذ القرار، ولهذا فمن المفيد أن يتم إنشاء هذا المركز ودعمه بمساهمات مشتركة من القطاع الخاص ومن الميزانية العامة للدولة، ولا يجوز إغفال الدور المهم الذي يُمكن أن تضطلع به الغرف التجارية الصناعية في هذا المجال، وخاصة فيما يتعلق بالدعم المالي لهذا المركز، والمشاركة في توعية منسوبي تلك الغرف من رجال الأعمال من التجار والصناع، وذلك من خلال تنظيم محاضرات وندوات ومؤتمرات تتناول موضوعات اقتصادية وقانونية وتجارية تهم كل قطاع من قطاعات الاقتصاد الوطني، ويتم دعوة رجال الأعمال لحضورها والمشاركة فيها والاستفادة منها، كما يتم إعداد نشرات وكتيبات للتوعية في تلك المجالات توزع على منسوبي الغرف. وفي إطار تلك المهمة التوعوية سأتناول ـ إن شاء الله تعالى ـ، في عدد من المقالات اللاحقة مفهوم الأزمة المالية العالمية، وأسبابها، وآثارها والدروس المستفادة منها.
إنشرها