Author

أهمية تثقيف المواطنين والمقيمين بالأعمال المصرفية

|
مما لا شك فيه أن القطاع المصرفي أضحى في ظل الوضع الراهن، من أهم القطاعات الاقتصادية، ليس فقط في السعودية بل في جميع دول العالم، لا سيما بعد الأزمة المالية العالمية التي تعرض لها هذا القطاع في أمريكا وغيرها من الدول، وترجع هذه الأهمية إلى أن نجاح هذا القطاع أو إخفاقه يؤثر في القطاعات الاقتصادية الأخرى، إذ إن الأعمال التي تقوم بها البنوك، سواء فيما يتعلق بالودائع أو بالإقراض والائتمان تلعب دوراً أساسياً في توفير السيولة المالية اللازمة لإمداد المشاريع الاقتصادية بالأموال. ولهذا فإنني أرى أن هناك ضرورة لتوعية وتثقيف المواطنين والمقيمين بما تقوم به البنوك والمؤسسات المالية من أعمال وأنشطة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأحوالهم المعيشية اليومية، وذلك لأن الغالبية العظمى من المتعاملين مع تلك البنوك أو المتعاملين في السوق المالية ليست لديهم معرفة كافية بأعمال البنوك، وطبيعتها القانونية، والنتائج التي تترتب عليها من حيث مسؤولية البنك عن تلك الأعمال وحقوق العملاء تجاه البنك. وفي هذا الإطار أرى أنه من الواجب عليّ أن أتناول توضيح بعض الجوانب القانونية للأعمال البنكية؛ إذ إنه من المعلوم أن البنوك التجارية تُمارس أعمالاً كثيرة ومتنوعة تتمثل في قبول الودائع النقدية، والوفاء بالأوراق التجارية كالشيك والسند لأمر، والنقل المصرفي, وما يتصل بهذا من فتح الحسابات المصرفية، وتأجير الخزائن الحديدية، ثم فتح الاعتمادات، والكفالات المصرفية، وخصم الأوراق التجارية، وتحصيلها، والقيام بعمليات الاستثمار في سوق الأوراق المالية، والعمليات التي تتم بشأن البضائع وخاصة تلك المتعلقة بالتجارة الخارجية، وشراء وبيع النقود وهو ما يُعرف بتجارة الصرف. وقد كان نشاط أصحاب المؤسسات المالية فيما مضى يقتصر على الصرف وتجارة النقود فقط، ثم تطور نشاطهم واتسع، حيث أصبحوا تجاراً للائتمان، مثلهم مثل أي تاجر يشتري بضاعة لكي يبيعها. فالبنك يحصل على الائتمان وذلك من خلال تلقيه رساميل من المدخرين أو المودعين، ثم يُعيد إقراض التجار وغيرهم مما تجمع لديه من النقود. وبهذا يحتل البنك مركز الدائرة في الائتمان؛ إذ إنه يحصل على الائتمان من أصحاب الرساميل، ثم يقوم بمنح الائتمان لعملائه الراغبين في الحصول على رأس المال لاستثماره أو لإنفاقه في وجوه الاستثمار والإنفاق المختلفة. وفي ظل نظام مصرفي يعمل بصورة طبيعية يتحقق نوع من التوازن بين العرض والطلب في سوق الائتمان. وبذلك يستطيع القطاع المصرفي أن يُسهم بشكل فاعل في سير حركة التجارة الداخلية والدولية، وفي تنشيط الاستثمارات الداخلية والأجنبية من خلال دراسة حقيقية للسوق ولاقتصاد المجتمع من حيث حاجاته، ومتطلباته، وأهدافه، وتوفير الأموال اللازمة لذلك، مع وضع الضمانات القانونية المناسبة لسداد القروض التي يحصل عليها المقترضون في مواعيد استحقاقها. ومن الضروري أن يتمتع البنك في سياسته الائتمانية بثقة عملائه، تلك الثقة التي تجذب إليه رساميل من الرأسماليين والمدخرين، وهي أيضاً الثقة التي تدعم أعمال التاجر وثقته لدى عملائه، أي أن هناك ثقة متبادلة بين البنك وعملائه. وتعد أعمال البنوك أعمالاً تجارية بنص المادة (2/ج) من نظام المحكمة التجارية الصادر في 15 محرم 1350هـ، التي اعتبرت كل ما يتعلق بسندات الحوالة بأنواعها أو بالصرافة والدلالة (السمسرة) أعمالاً تجارية، وهي أعمال تهدف إلى المضاربة وتحقيق الربح وتتعلق بالوساطة في تداول الثروات. وعلى ذلك فإن أعمال البنوك كلها تعد أعمالاً تجارية، سواء أكانت مملوكة لأشخاص معنوية خاصة أو مملوكة للدولة أو لإحدى هيئاتها أو مؤسساتها العامة. وتعد العملية المصرفية التي يقوم بها البنك عملاً تجارياً بالنسبة للبنك، أما فيما يتعلق بالعميل وهو الطرف الآخر في العملية فلا تسبغ على العملية صفة التجارية إلا إذا كان العميل تاجراً وتعلقت العملية بحاجاته التجارية ومن ثم تندرج العملية في إطار ما يطلق عليه تسمية الأعمال التجارية بالتبعية، فلو تعاقد أحد المواطنين مع البنك للحصول على قرض من البنك لتسيير أعمال مؤسسته التجارية فإن هذا القرض يصبح قرضاً تجارياً بالنسبة للبنك وللعميل في آن واحد، ومن ثم يترتب على ذلك خضوع العملية لقواعد القانون التجاري فيما يتعلق بالإثبات وغيره من الآثار التي تترتب على الطبيعة التجارية للعملية. أما إذا تعاقد أحد المواطنين مع البنك للحصول على قرض لبناء مسكن له أو للحصول على أموال لا تتعلق بتجارته أو بمؤسسته التجارية، فإن العملية تصبح بالنسبة للبنك عملية تجارية أما بالنسبة للمواطن الطرف الثاني في العملية فإن تلك العملية تصبح عملية مدنية أي لا تسبغ عليها صفة العملية التجارية. بل إن العمل المنفرد من أعمال يُعد عملاً تجارياً، ومن ثم يكون البنك هو المنشأة التجارية التي تكون حرفتها المعتادة هي تلقي الودائع من جمهور الناس، ثم استخدامها في عمليات الائتمان إلى جوار عمليات الصرف الأخرى. ومن الملاحظ أن عمليات البنوك لم يتم تقنينها في النظام السعودي، مثل غيره من القوانين العربية، وهذا على خلاف بعض القوانين الحديثة التي تضمنت نصوصاً تنظم أعمال البنوك، مثل الحساب الجاري، لهذا فقد أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي تعليمات للبنوك في شكل تعاميم تنظم جوانب كثيرة من معاملاتها منها شروط فتح الحسابات، والقواعد النظامية التي تسري على الحساب الجاري والوكالة في العمل المصرفي وغيرها، وهي قواعد يكون لها صفة الإلزام القانوني، ومن ثم يلزم أن يعلم بها المواطنون والمقيمون عند قيامهم بفتح حسابات لدى أي من البنوك العاملة في البلاد، أو عند إجراء أية معاملات بنكية، وذلك حتى يعلم المتعامل مع البنك بحقوقه والتزاماته. كما أنه نظراً لأن أعمال البنوك تُعد قسماً من القانون التجاري لذا فإن القواعد التي تسري عليها تؤخذ من مصادر هذا القانون ذاته، كما أن العرف التجاري لدى البنوك يُمكن أن تُستمد منه بعض القواعد التي تسري على المعاملات البنكية، ويفترض أن يكون العميل على بينة منها.
إنشرها